كنوز النت الإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنوز النت الإسلامية

منتديات كنوز النت الإسلامية لنشر علوم الدنيا والدين
 
الرئيسيةبوابة كنوز النتمكتبة الصورس .و .جبحـثالأعضاءالمجموعاتالتسجيلدخول

 

 تفسير اضواء البيان سورة البقرة 9

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد الازهرى
المستشار القانوني للمنتديات
المستشار القانوني للمنتديات
محمد الازهرى


ذكر عدد الرسائل : 3286
تاريخ الميلاد : 20/10/1982
العمر : 42
نقاط : 13044
تاريخ التسجيل : 29/05/2010

تفسير اضواء البيان سورة البقرة 9 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير اضواء البيان سورة البقرة 9   تفسير اضواء البيان سورة البقرة 9 Emptyالجمعة 18 يونيو 2010, 6:32 am

الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} [2/275]، والأحاديث في ذلك كثيرة جدا.
واعلم أن الربا منه ما أجمع المسلمون على منعه ولم يخالف فيه أحد وذلك كربا الجاهلية، وهو أن يزيده في الأجل على أن يزيده الآخر في قدر الدين، وربا النساء بين الذهب والذهب، والفضة والفضة، وبين الذهب والفضة، وبين البر والبر، وبين الشعير والشعير، وبين التمر والتمر، وبين الملح والملح، وكذلك بين هذه الأربعة بعضها مع بعض.
وكذلك حكى غير واحد الإجماع على تحريم ربا الفضل، بين كل واحد من الستة المذكورة فلا يجوز الفضل بين الذهب والذهب، ولا بين الفضة والفضة، ولا بين البر والبر، ولا بين الشعير والشعير، ولا بين التمر والتمر، ولا بين الملح والملح، ولو يدا بيد.
والحق الذي لا شك فيه منع ربا الفضل في النوع الواحد من الأصناف الستة المذكورة، فإن قيل: ثبت في "الصحيح" عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ربا إلا في النسيئة" وثبت في "الصحيح" عن أبي المنهال أنه قال: سألت البراء بن عازب، وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف، فقال: "ما كان منه يدا بيد فلا بأس، وما كان منه نسيئة فلا"؛ فالجواب من أوجه:
الأول: أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بجواز الفضل ومنع النسيئة فيما رواه عنه أسامة، والبراء، وزيد، إنما هو في جنسين مختلفين، بدليل الروايات الصحيحة المصرحة بأن ذلك هو محل جواز التفاضل، وأنه في الجنس الواحد ممنوع.
واختار هذا الوجه البيهقي في "السنن الكبرى"، فإنه قال بعد أن ساق الحديث الذي ذكرنا آنفا عن البراء بن عازب، وزيد بن أرقم، ما نصه: رواه البخاري في الصحيح عن أبي عاصم، دون ذكر عامر بن مصعب، وأخرجه من حديث حجاج بن محمد، عن ابن جريج، مع ذكر عامر بن مصعب، وأخرجه مسلم بن الحجاج، عن محمد بن حاتم بن ميمون، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي المنهال، قال: باع شريك لي ورقا بنسيئة إلى الموسم أو إلى الحج، فذكره وبمعناه رواه البخاري

(1/161)


--------------------------------------------------------------------------------

عن علي ابن المديني، عن سفيان، وكذلك رواه أحمد بن روح، عن سفيان وروي عن الحميدي عن سفيان عن عمرو بن دينار، عن أبي المنهال، قال: باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل.
عندي أن هذا خطأ، والصحيح ما رواه علي ابن المديني، ومحمد بن حاتم، وهو المراد بما أطلق في رواية ابن جريج، فيكون الخبر واردا في بيع الجنسين، أحدهما بالآخر، فقال: "ما كان منه يدا بيد فلا بأس، وما كان منه نسيئة فلا" ، وهو المراد بحديث أسامة، والله أعلم.
والذي يدل على ذلك أيضا ما أخبرنا به أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد: أنا أبو سهل بن زياد القطان، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي، حدثنا أبو عمر، حدثنا شعبة، أخبرني حبيب هو ابن أبي ثابت، قال: سمعت أبا المنهال قال: سألت البراء وزيد بن أرقم عن الصرف فكلاهما يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الورق بالذهب دينا، رواه البخاري في "الصحيح" عن أبي عمر حفص بن عمر وأخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة اهـ من البيهقي بلفظه، وهو واضح جدا فيما ذكرنا. من أن المراد بجواز الفضل المذكور كونه في جنسين لا جنس واحد.
وفي تكملة "المجموع" بعد أن ساق الكلام الذي ذكرنا عن البيهقي ما نصه: ولا حجة لمتعلق فيهما؛ لأنه يمكن حمل ذلك على أحد أمرين، إما أن يكون المراد بيع دراهم بشيء ليس ربويا، ويكون الفساد لأجل التأجيل بالموسم أو الحج، فإنه غير محرر ولا سيما على ما كانت العرب تفعل.
والثاني: أن يحمل ذلك على اختلاف الجنس ويدل له رواية أخرى عن أبي المنهال، قال: "سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فكلاهما يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا"، رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري ومسلم بمعناه. وفي لفظ مسلم عن بيع الورق بالذهب دينا، فهو يبين أن المراد صرف الجنس بجنس آخر.
وهذه الرواية ثابتة من حديث شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي المنهال، والروايات الثلاث الأول رواية الحميدي، واللتان في "الصحيح" وكلها أسانيدها في غاية الجودة.

(1/162)


--------------------------------------------------------------------------------

ولكن حصل الاختلاف في سفيان فخالف الحميدي على ابن المديني، ومحمد بن حاتم، ومحمد بن منصور، وكل من الحميدي وعلي ابن المديني في غاية الثبت. ويترجح ابن المديني هنا بمتابعة محمد بن حاتم، ومحمد بن منصور له، وشهادة ابن جريح لروايته، وشهادة رواية حبيب بن أبي ثابت لرواية شيخه، ولأجل ذلك قال البيهقي رحمه الله: إن رواية من قال إنه باع دراهم بدراهم خطأ عنده. اهـ منه بلفظه.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" ما نصه: وقال الطبري معنى حديث أسامة: "لا ربا إلا في النسيئة" إذا اختلفت أنواع البيع. اهـ محل الغرض منه بلفظه، وهو موافق لما ذكر. وقال في "فتح الباري" أيضا ما نصه:
تنبيه
وقع في نسخة الصغاني هنا قال أبو عبد الله: يعني البخاري، سمعت سليمان بن حرب يقول: لا ربا إلا في النسيئة، هذا عندنا في الذهب بالورق، والحنطة بالشعير، متفاضلا ولا بأس به يدا بيد، ولا خير فيه نسيئة. قلت: وهذا موافق.ا هـ منه بلفظه.
وعلى هامش النسخة أن بعد قوله: وهذا موافق بياضا بالأصل، وبهذا الجواب الذي ذكرنا تعلم أن حديث البراء وزيد لا يحتاج بعد هذا الجواب إلى شيء؛ لأنه قد ثبت في "الصحيح" عنهما تصريحهما باختلاف الجنس فارتفع الإشكال، والروايات يفسر بعضها بعضا، فإن قيل: هذا لا يكفي في الحكم على الرواية الثابتة في الصحيح بجواز التفاضل بين الدراهم والدراهم أنها خطأ؛ إذ لقائل أن يقول لا منافاة بين الروايات المذكورة، فإن منها ما أطلق فيه الصرف ومنها ما بين أنها دراهم بدراهم، فيحمل المطلق على المقيد، جمعا بين الروايتين، فإن إحداهما بينت ما أبهمته الأخرى، ويكون حديث حبيب بن أبي ثابت حديثا آخر واردا في الجنسين، وتحريم النساء فيهما، ولا تنافي في ذلك ولا تعارض.
فالجواب على تسليم هذا بأمرين:
أحدهما: أن إباحة ربا الفضل منسوخة.
والثاني: أن أحاديث تحريم ربا الفضل أرجح وأولى بالاعتبار على تقدير عدم النسخ من أحاديث إباحته

(1/163)


--------------------------------------------------------------------------------

ومما يدل على النسخ ما ثبت في "الصحيح" عن أبي المنهال قال: باع شريك لي ورقا بنسيئة إلى الموسم أو إلى الحج، فجاء إلي فأخبرني فقلت: هذا أمر لا يصح، قال: قد بعته في السوق فلم ينكر ذلك على أحد، فأتيت البراء بن عازب فسألته فقال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ونحن نبيع هذا البيع، فقال: "ما كان يدا بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا" ، وأتيت زيد بن أرقم فإنه أعظم تجارة مني، فأتيته فسألته فقال مثل ذلك. هذا لفظ مسلم في "صحيحه". وفيه التصريح بأن إباحة ربا الفضل المذكورة في حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانت مقارنة لقدومه صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا.
وفي بعض الروايات الصحيحة في تحريم ربا الفضل أنه صلى الله عليه وسلم صرح بتحريمه في يوم خيبر، وفي بعض الروايات الصحيحة تحريم ربا الفضل بعد فتح خيبر أيضا، فقد ثبت في "الصحيح" من حديث فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه قال: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن" هذا لفظ مسلم في "صحيحه"، وفي لفظ له في "صحيحه" أيضا عن فضالة بن عبيد قال: "اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تباع حتى تفصل" ، وفي لفظ له في "صحيحه" أيضا عن فضالة رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نبايع اليهود الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا وزنا بوزن" . وقد ثبت في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة وأبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر، فقدم بتمر جنيب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل تمر خيبر هكذا ؟" قال: لا والله يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تفعلوا، ولكن مثلا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان" هذا لفظ مسلم في صحيحه، وفي لفظ لهما عن أبي هريرة وأبي سعيد أيضا "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاء بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل تمر خيبر هكذا ؟" قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا" والأحاديث بمثله كثيرة، وهي نص صريح في

(1/164)


--------------------------------------------------------------------------------

تصريحه صلى الله عليه وسلم بتحريم ربا الفضل بعد فتح خيبر، فقد اتضح لك من هذه الروايات الثابتة في "الصحيح": أن إباحة ربا الفضل كانت زمن قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا،، وأن الروايات المصرحة بالمنع صرحت به في يوم خيبر وبعده، فتصريح النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم ربا الفضل بعد قدومه المدينة بنحو ست سنين وأكثر منها، يدل دلالة لا لبس فيها على النسخ، وعلى كل حال فالعبرة بالمتأخر، وقد كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث.
وأيضا فالبراء وزيد رضي الله عنهما كانا غير بالغين في وقت تحملهما الحديث المذكور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف الجماعة من الصحابة الذين رووا عنه تحريم ربا الفضل، فإنهم بالغون وقت التحمل، ورواية البالغ وقت التحمل أرجح من رواية من تحمل وهو صبي؛ للخلاف فيها دون رواية المتحمل بالغا وسن البراء وزيد وقت قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة، نحو عشر سنين؛ لما ذكره ابن عبد البر عن منصور بن سلمة الخزاعي: أنه روى بإسناده إلى زيد بن جارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغره يوم أحد، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وأبا سعيد الخدري، وسعد بن حبته، وعبد الله بن عمر، وعن الواقدي أن أول غزوة شهداها يوم الخندق.
وممن قال: بأن حديث البراء وزيد منسوخ، راويه الحميدي. وناهيك به علما واطلاعا. وقول راوي الحديث: إنه منسوخ، في كونه يكفي في النسخ. خلاف معروف عند أهل الأصول، وأكثر المالكية والشافعية لا يكفي عندهم. فإن قيل: ما قدمتم من كون تحريم ربا الفضل واقعا بعد إباحته، يدل على النسخ في حديث البراء وزيد، لعلم التاريخ فيهما، وأن حديث التحريم هو المتأخر، ولكن أين لكم معرفة ذلك في حديث أسامة ؟ ومولد أاسامة مقارب لمولد البراء وزيد؛ لأن سن أسامة وقت وفاته صلى الله عليه وسلم عشرون سنة، وقيل: ثمان عشرة، وسن البراء وزيد وقت وفاته صلى الله عليه وسلم نحو العشرين، كما قدمنا ما يدل عليه.
فالجواب: أنه يكفي في النسخ معرفة أن إباحة ربا الفضل وقعت قبل تحريمه، والمتأخر يقضي على المتقدم.
الجواب الثاني: عن حديث أسامة أنه رواية صحابي واحد، وروايات منع ربا الفضل عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رووها صريحة عنه صلى الله عليه وسلم، ناطقة بمنع ربا الفضل، منهم: أبو سعيد، وأبو بكر،
وعمر، وعثمان، وأبو هريرة، وهشام بن عامر، وفضالة بن عبيد، وأبو بكرة، وابن عمر، وأبو الدرداء، وبلال، وعبادة بن الصامت،

(1/165)


--------------------------------------------------------------------------------

ومعمر بن عبد الله وغيرهم وروايات جل من ذكرنا ثابتة في "الصحيح"، كرواية: أبي هريرة، وأبي سعيد، وفضالة بن عبيد، وعمر بن الخطاب، وأبي بكرة، وعبادة بن الصامت، ومعمر بن عبد الله، وغيرهم. وإذا عرفت ذلك فرواية الجماعة من العدول أقوى وأثبت وأبعد من الخطأ، من رواية الواحد.
وقد تقرر في الأصول أن كثرة الرواة من المرجحات، وكذلك كثرة الأدلة كما عقده في "مراقي السعود"، في مبحث الترجيح، باعتبار حال المروي بقوله: [الرجز]
وكثرة الدليل والرواية ... مرجح لدى ذوي الدراية
والقول بعدم الترجيح بالكثرة ضعيف، وقد ذكر سليم الداري أن الشافعي أومأ إليه، وقد ذهب إليه بعض الشافعية والحنفية.
الجواب الثالث: عن حديث أسامة أنه دل على إباحة ربا الفضل، وأحاديث الجماعة المذكورة دلت على منعه في الجنس الواحد من المذكورات، وقد تقرر في الأصول أن النص الدال على المنع مقدم على الدال على الإباحة؛ لأن ترك مباح أهون من ارتكاب حرام، وقد قدمناه عن صاحب "المراقي"، وهو الحق خلافا للغزالي، وعيسى بن أبان وأبي هاشم وجماعة من المتكلمين حيث قالوا: هما سواء.
الجواب الرابع: عن حديث أسامة أنه عام بظاهره في الجنس والجنسين، وأحاديث الجماعة أخص منه؛ لأنها مصرحة بالمنع مع اتحاد الجنس، وبالجواز مع اختلاف الجنس، والأخص مقدم على الأعم؛ لأنه بيان له ولا يتعارض عام وخاص، كما تقرر في الأصول. ومن مرجحات أحاديث منع ربا الفضل على حديث أسامة الحفظ؛ فإن في رواته أبا هريرة، وأبا سعيد، وغيرهما، ممن هو مشهور بالحفظ، ومنها غير ذلك.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" ما نصه؛ واتفق العلماء على صحة حديث أسامة، واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد، فقيل: منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وقيل: المعنى في قوله: "لا ربا " ، الربا الأغلظ الشديد التحريم، المتوعد عليه بالعقاب الشديد، كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل، وأيضا فنفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم. فيقدم عليه حديث أبي سعيد؛ لأن دلالته بالمنطوق.

(1/166)


--------------------------------------------------------------------------------

ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدم، والله أعلم. اهـ منه.
وقوله: النسخ لا يثبت بالاحتمال مردود بما قدمنا من الروايات المصرحة بأن التحريم بعد الإباحة ومعرفة المتأخر كافية في الدلالة على النسخ، وقد روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما رجعا عن القول بإباحة ربا الفضل، قال البيهقي في "السنن الكبرى" ما نصه: "باب ما يستدل به على رجوع من قال من الصدر الأول لا ربا إلا في النسيئة عن قوله ونزوعه عنه" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أنا أبو الفضل بن إبراهيم، حدثنا أحمد بن سلمة، حدثنا إسحق بن إبرهيم، أنا عبد الأعلى، حدثنا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، قال: سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا، وإني لقاعد عند أبي سعيد الخدري فسألته عن الصرف، فقال: ما زاد فهو ربا، فأنكرت ذلك، لقولهما، فقال: لا أحدثكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءه صاحب نخلة: بصاع من تمر طيب، وكان تمر النبي صلى الله عليه وسلم هو الدون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أنى لك هذا ؟" قال: انطلقت بصاعين واشتريت به هذا الصاع؛ فإن سعر هذا بالسوق كذا، وسعر هذا بالسوق كذا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربيت؟ إذا أردت ذلك فبع تمرك بسلعة، ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت" ، فقال أبو سعيد: فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا، أم الفضة بالفضة ؟ قال: فأتيت ابن عمر بعد فنهاني، ولم آت ابن عباس قال: فحدثني أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس فكرهه، رواه مسلم في "الصحيح" عن إسحق بن إبرهيم، وقال: وكان تمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللون.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين أبو علي الماسرجسي، حدثنا جدي أبو العباس أحمد بن محمد، وهو ابن بنت الحسن بن عيسى، حدثنا جدي الحسن بن عيسى، أنا ابن المبارك، أنا يعقوب بن أبي القعقاع، عن معروف بن سعد، أنه سمع أبا الجوزاء يقول: كنت أخدم ابن عباس تسع سنين إذ جاء رجل فسأله عن درهم بدرهمين، فصاح ابن عباس وقال: إن هذا يأمرني أن أطعمه الربا، فقال ناس حوله: إن كنا لنعمل هذا بفتياك، فقال ابن عباس: قد كنت أفتي بذلك حتى حدثني أبو سعيد وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه فأنا أنهاكم عنه، وفي نسختنا من "سنن البيهقي" في هذا الإسناد ابن المبارك، والظاهر: أن الأصل أبو المبارك كما يأتي.
أخبرنا أبو الحسين ابن الفضل القطان ببغداد، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه،

(1/167)


--------------------------------------------------------------------------------

حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عند سعد بن إياس، عن عبد الله بن مسعود، أن رجلا من بني شمخ بن فزارة، سأله عن رجل تزوج امرأة فرأى أمها فأعجبته، فطلق امرأته؛ ليتزوج أمها، قال: لا بأس فتزوجها الرجل، وكان عبد الله على بيت المال، وكان يبيع نفاية بيت المال يعطي الكثير، ويأخذ القليل، حتى قدم المدينة، فسأل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا: لا يحل لهذا الرجل هذه المرأة، ولا تصح الفضة إلا وزنا بوزن؛ فلما قدم عبد الله انطلق إلى الرجل فلم يجده، ووجد قومه فقال: إن الذي أفتيت به صاحبكم لا يحل، فقالوا: إنها قد نثرت له بطنها، قال وإن كان. وأتى الصيارفة فقال: يا معشر الصيارفة، إن الذي كنت أبايعكم، لا يحل، لا تحل الفضة بالفضة، إلا وزنا بوزن.اهـ من البيهقي بلفظه، وفيه التصريح برجوع ابن عمر وابن عباس وابن مسعود عن القول بإباحة ربا الفضل.
وقال ابن حجر في الكلام على حديث أسامة المذكور ما نصه: وخالف فيه؛ يعني: منع ربا الفضل ابن عمر ثم رجع، وابن عباس، واختلف في رجوعه، وقد روى الحاكم من طريق حيان العدوي وهو بالمهملة والتحتانية، سألت أبا مجلز عن الصرف فقال: كان ابن عباس لا يرى به بأسا زمانا من عمره، ما كان منه عينا بعين، يدا بيد، وكان يقول: إنما الربا في النسيئة، فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث، وفيه التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة، يدا بيد، مثلا بمثل، فما زاد فهو ربا، فقال ابن عباس: أستغفر الله وأتوب إليه، فكان ينهى عنه أشد النهي.ا هـ من "فتح الباري" بلفظه.وفي "تكملة المجموع" لتقي الدين السبكي بعد أن ساق حديث حيان هذا ما نصه: رواه الحاكم في "المستدرك"، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، وفي حكمه عليه بالصحة نظر؛ فإن حيان بن عبيد الله المذكور، قال ابن عدي: عامة ما يرويه إفرادات يتفرد بها، وذكر ابن عدي في ترجمته حديثه في الصرف هذا بسياقه، ثم قال: وهذا الحديث من حديث أبي مجلز عن ابن عباس، تفرد به حيان، قال البيهقي: وحيان تكلموا فيه، واعلم أن هذا الحديث ينبغي الاعتناء بأمره، وتبيين صحته من سقمه؛ لأمر غير ما نحن فيه، وهو قوله: وكذلك ما يكال ويوزن، وقد تكلم فيه بنوعين من الكلام أحدهما تضعيف الحديث جملة، وإليه أشار البيهقي،

(1/168)


--------------------------------------------------------------------------------

وممن ذهب إلى ذلك ابن حزم، أعله بشيء أنبه عليه، لئلا يغتربه: وهو أنه أعله بثلاثة أشياء.
أحدها: أنه منقطع؛ لأن أبا مجلز لم يسمع من أبي سعيد، ولا من ابن عباس.
والثاني: لذكره أن ابن عباس رجع، واعتقاد ابن حزم: أن ذلك باطل؛ لمخالفة سعيد بن جبير.
والثالث: أن حيان بن عبيد الله مجهول.
فأما قوله: إنه منقطع فغير مقبول؛ لأن أبا مجلز أدرك ابن عباس وسمع منه، وأدرك أبا سعيد. ومتى ثبت ذلك لا تسمع دعوى عدم السماع إلا بثبت، وأما مخالفة سعيد بن جبير فسنتكلم عليها في هذا الفصل إن شاء الله تعالى، وأما قوله إن حيان بن عبيد الله مجهول، فإن أراد مجهول العين فليس بصحيح بل هو رجل مشهور، روى عنه حديث الصرف هذا محمد بن عبادة، ومن جهته أخرجه الحاكم، وذكره ابن حزم، وإبراهيم بن الحجاج الشامي، ومن جهته رواه ابن عدي، ويونس بن محمد، ومن جهته رواه البيهقي، وهو حيان بن عبيد الله بن حيان بن بشر بن عدي، بصري سمع أبا مجلز لاحق بن حميد والضحاك، وعن أبيه، وروى عن عطاء، وابن بريدة، روى عنه موسى بن اسماعيل، ومسلم بن إبراهيم، وأبو داود، وعبيد الله بن موسى، عقد له البخاري وابن أبي حاتم ترجمة، فذكر كل منهما بعض ما ذكرته، وله ترجمة في كتاب ابن عدي أيضا، كما أشرت إليه، فزال عنه جهالة العين، وإن أراد جهالة الحال فهو قد رواه من طريق إسحق بن راهويه.
فقال في إسناده: أخبرنا روح، قال حدثنا حيان بن عبيد الله، وكان رجل صدق فإن كانت هذه الشهادة له بالصدق من روح بن عبادة، فروح محدث، نشأ في الحديث عارف به، مصنف متفق على الاحتجاج به، بصري بلدي المشهود له فتقبل شهادته له، وإن كان هذا القول من إسحاق بن راهويه فناهيك به، ومن يثني عليه إسحق. وقد ذكر ابن أبي حاتم حيان بن عبيد الله هذا.
وذكر جماعة من المشاهير ممن رووا عنه وممن روى عنهم، وقال: إنه سأل أباه عنه فقال: صدوق، ثم قال: وعن سليمن بن علي الربعي، عن أبي الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي، قال سمعته يأمر بالصرف، يعني ابن عباس، وتحدث ذلك عنه، ثم

(1/169)


--------------------------------------------------------------------------------

بلغني أنه رجع عن ذلك فلقيته بمكة، فقلت إنه بلغني أنك رجعت، قال: نعم، إنما كان ذلك رأيا مني، وهذا أبو سعيد حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصرف، رويناه في سنن ابن ماجه، ومسند الإمام أحمد، بإسناد رجاله على شرط الصحيحين، إلى سليمن بن علي، وسليمن بن علي روى له مسلم.
وقال ابن حزم: إنه مجهول لا يدري من هو؟ وهو غير مقبول منه؛ لما تبين. ثم قال: وعن أبي الجوزاء قال: كنت أخدم ابن عباس رضي الله عنهما تسع سنين ثم ساق حديث أبي الجوزاء عن ابن عباس، الذي قدمنا عن البيهقي، ثم قال: رواه البيهقي في "السنن الكبرى" بإسناد فيه أبو المبارك، وهو مجهول.
ثم قال: وروينا عن عبد الرحمن بن أبي نعم، بضم النون وإسكان العين ـ، أن أبا سعيد الخدري لقي ابن عباس، فشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلا بمثل، فمن زاد فقد: أربى" فقال ابن عباس: أتوب إلى الله مما كنت أفتي به، ثم رجع. رواه الطبراني بإسناد صحيح، وعبد الرحمن بن أبي نعم تابعي، ثقة متفق عليه، معروف بالرواية عن أبي سعيد، وابن عمر، وغيرهما من الصحابة، وعن أبي الجوزاء قال: سألت ابن عباس عن الصرف عن الدرهم بالدرهمين، يدا بيد، فقال: لا أرى فيما كان يدا بيد بأسا، ثم قدمت مكة من العام المقبل وقد نهى عنه، رواه الطبراني بإسناد حسن. وعن أبي الشعثاء قال: سمعت ابن عباس يقول: اللهم إني أتوب إليك من الصرف؛ إنما هذا من رأيي، وهذا أبو سعيد الخدري يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الطبراني ورجاله ثقات، مشهورون مصرحون بالتحديث فيه من أولهم إلى آخرهم.
عن عطية العوفي بإسكان الواو وبالفاء قال: قال أبو سعيد لابن عباس: تب إلى الله تعالى، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، قال: ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وقال: "إني أخاف عليكم الربا" ، قال فضيل بن مرزوق: قلت لعطية: ما الربا ؟ قال: الزيادة والفضل بينهما، رواه الطبراني بسند صحيح، إلى عطية. وعطية من رجال السنن. قال يحيى بن معين: صالح وضعفه غيره، فالإسناد بسببه ليس بالقوي.
وعن بكر بن عبد الله المزني أن ابن عباس جاء من المدينة إلى مكة وجئت معه، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه لا بأس بالصرف، ما كان منه يدا

(1/170)


--------------------------------------------------------------------------------

بيد إنما الربا في النسيئة، فطارت كلمته في أهل المشرق والمغرب، حتى إذا انقضى الموسم دخل عليه أبو سعيد الخدري، وقال له: با ابن عباس أكلت الربا وأطعمته؟ قال: أو فعلت ؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، وزنا بوزن، مثلا بمثل: تبره وعينه. فمن زاد أو استزاد فقد أربى، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، فمن زاد أو استزاد فقد أربى" ، حتى إذا كان العام المقبل جاء ابن عباس وجئت معه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني تكلمت عام أول بكلمة من رأيي، وإني أستغفر الله تعالى منه، وأتوب إليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذهب بالذهب، وزنا بوزن، مثلا بمثل، تبره وعينه، فمن زاد واستزاد فقد أربى" ، وأعاد عليهم هذه الأنواع الستة؛ رواه الطبراني بسند فيه مجهول، وإنما ذكرناه متابعة لما تقدم. وهكذا وقع في روايتنا: فمن زاد واستزاد بالواو لا بأو والله أعلم.
وروى أبو جابر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي في كتاب "المعاني والآثار" بإسناد حسن إلى أبي سعيد قال: قلت لابن عباس: أرأيت الذي يقول الدينار بالدينار؟ وذكر الحديث ثم قال: قال أبو سعيد ونزع عنها ابن عباس وروى الطحاوي أيضا عن نصر بن مرزوق بإسناد لا بأس به عن أبي الصهباء أن ابن عباس نزل عن الصرف وهذا أصرح من رواية مسلم،
وروى الطحاوي عن أبي أمية بإسناد حسن، إلى عبد الله بن حسين، أن رجلا من أهل العراق قال لعبد الله بن عمر: إن ابن عباس قال وهو علينا أمير: من أعطى بالدرهم مائة درهم فليأخذها وذكر حديثا إلى أن قال: فقيل لابن عباس: ما قال ابن عمر ؟ قال: فاستغفر ربه، وقال: إنما هو رأي مني.
وعن أبي هاشم الواسطي واسمه يحيى بن دينار عن زياد قال: كنت مع ابن عباس بالطائف فرجع عن الصرف قبل أن يموت بسبعين يوما، ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار"، وذكر أيضا عن أبي حرة قال: سأل رجل ابن سيرين عن شيء فقال: لا علم لي به. فقال الرجل: أن يكون فيه برأيك. فقال: إني أكره أن أقول فيه برأيي ثم يبدو لي غيره فأطلبك فلا أجدك، إن ابن عباس قد رأى في الصرف رأيا ثم رجع، وذكر أيضا عن ابن سيرين عن الهذيل، بالذال المعجمة، ابن أخت محمد بن سيرين قال: سألت ابن عباس عن الصرف فرجع عنه فقلت: إن الناس يقولون، فقال: الناس يقولون ما شاءوا.اهـ من "تكملة المجموع"، ثم قال بعد هذا: فهذه عدة روايات صحيحة وحسنة من جهة خلق من أصحاب ابن عباس تدل على رجوعه، وقد روي في

(1/171)


--------------------------------------------------------------------------------

رجوعه أيضا غير ذلك، وفيما ذكرته غنية إن شاء الله تعالى.
وفي "تكملة المجموع" أيضا قبل هذا ما نصه: وروى عن أبي الزبير المكي، واسمه محمد بن تدرس، بفتح التاء ودال ساكنة وراء مضمومة وسين مهملة، قال: سمعت أبا أسيد الساعدي وابن عباس يفتي الدينار بالدينارين فقال له أبو أسيد الساعدي وأغلظ له قال: فقال ابن عباس: ما كنت أظن أن أحدا يعرف قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل هذا يا أبا أسيد؟ فقال أبو أسيد: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الدينار بالدينار، وصاع حنطة بصاع حنطة، وصاع شعير بصاع شعير، وصاع ملح بصاع ملح لا فضل بينهما في شيء من ذلك" .
فقال ابن عباس: إنما هذا شيء كنت أقوله برأيي ولم أسمع فيه بشيء، رواه الحاكم في "المستدرك"، وقال: إنه صحيح على شرط مسلم رحمه الله وفي سنده عتيق بن يعقوب الزبيري، قال الحاكم: إنه شيخ قرشي من أهل المدينة وأبو أسيد، بضم الهمزة.
وروينا في "معجم الطبراني" من حديث أبي صالح ذكوان أنه سأل ابن عباس عن بيع الذهب والفضة فقال: هو حلال بزيادة أو نقصان إذا كان يدا بيد، قال أبو صالح: فسألت أبا سعيد بما قال ابن عباس، وأخبرت ابن عباس بما قال أبو سعيد، والتقيا وأنا معهما فابتدأه أبو سعيد الخدري فقال: يا ابن عباس ما هذه الفتيا التي تفتي بها الناس في بيع الذهب والفضة تأمرهم أن يشتروه بنقصان أو بزيادة يدا بيد؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما أنا بأقدمكم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا زيد بن أرقم والبراء بن عازب يقولان: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الطبراني بإسناد حسن وقد قدمنا رجوع ابن عمر وابن مسعود عن ذلك، وقد قدمنا الجواب عما روي عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد رضي الله عنهم وثبت عن سعيد بن جبير أن ابن عباس لم يرجع وهي شهادة على نفي مطلق، والمثبت مقدم على النافي؛ لأنه اطلع على ما لم يطلع عليه النافي، وقال ابن عبد البر: رجع ابن عباس أو لم يرجع، في السنة كفاية عن قول كل واحد، ومن خالفها رد إليها، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ردوا الجهالات إلى السنة. اهـ
وقال: العلامة الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار" ما نصه: وأما ما أخرجه مسلم، عن ابن عباس أنه لا ربا فيما كان يدا بيد كما تقدم، فليس ذلك مرويا عن

(1/172)


--------------------------------------------------------------------------------

رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكون دلالته على نفي ربا الفضل منطوقة، ولو كان مرفوعا، لما رجع ابن عباس واستغفر، لما حدثه أبو سعيد بذلك كما تقدم، وقد روى الحازمي رجوع ابن عباس واستغفاره عند أن سمع عمر بن الخطاب وابنه عبد الله يحدثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يدل على تحريم ربا الفضل، وقال: حفظتما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم أحفظ، وروى عنه الحازمي أيضا أنه قال: كان ذلك برأيي.
وهذا أبو سعيد الخدري يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى تسليم أن ذلك الذي قاله ابن عباس مرفوع فهو عام مخصص بأحاديث الباب؛ لأنها أخص منه مطلقا.اهـ منه بلفظه، وقد ذكر غير واحد أن الإجماع انعقد بعد هذا الخلاف على منع ربا الفضل.
قال: في "تكملة المجموع" ما نصه: الفصل الثالث في بيان انقراض الخلاف في ذلك ودعوى الإجماع فيه، قال ابن المنذر: أجمع علماء الأمصار مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة، وسفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق، والأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام، والليث بن سعد ومن وافقه من أهل مصر، والشافعي وأصحابه، وأحمد وإسحاق وأبو ثور والنعمان ويعقوب ومحمد بن علي، أنه لا يجوز بيع ذهب بذهب، ولا فضة بفضة، ولا بر ببر، ولا شعير بشعير، ولا تمر بتمر، ولا ملح بملح، متفاضلا يدا بيد، ولا نسيئة، وأن من فعل ذلك فقد أربى والبيع مفسوخ. اهـ محل الغرض منه بلفظه.
ونقل النووي في "شرح مسلم" إجماع المسلمين على ترك العمل بظاهر حديث أسامة قال: وهذا يدل على نسخه، وقد استدل ابن عبد البر على صحة تأويله لحديث أسامة بإجماع الناس، ما عدا ابن عباس عليه.اهـ، وعلى فرض أن ابن عباس لم يرجع عن ذلك، فهل ينعقد الإجماع مع مخالفته؟ فيه خلاف معروف في الأصول، هل يلغي الواحد والاثنان أو لا بد من اتفاق كل وهو المشهور، وهل إذا مات وهو مخالف ثم انعقد الإجماع بعده يكون إجماعا ؟ وهو الظاهر، أو لا يكون إجماعا؛ لأن المخالف الميت لا يسقط قوله بموته، خلاف معروف في الأصول أيضا.
وإذا عرفت أن من قال بإباحة ربا الفضل رجع عنها، وعلمت أن الأحاديث الصحيحة المتفق عليها مصرحة بكثرة بمنعه، علمت أن الحق الذي لا شك فيه تحريم ربا الفضل، بين كل جنس واحد من الستة مع نفسه، وجواز الفضل بين الجنسين المختلفين

(1/173)


--------------------------------------------------------------------------------

يدا بيد، ومنع النساء بين الذهب والفضة مطلقا، وبين التمر والبر، والشعير والملح مطلقا، ولا يمنع طعام بنقد نسيئة كالعكس، وحكى بعض العلماء على ذلك الإجماع، ويبقى غير هذه الأصناف الستة المنصوص عليها في الحديث، فجماهير العلماء على أن الربا لا يختص بالستة المذكورة.
والتحقيق أن علة الربا في النقدين كونهما جوهرين نفيسين. هما ثمن الأشياء غالبا في جميع أقطار الدنيا، وهو قول مالك والشافعي، والعلة فيهما قاصرة عليهما عندهما، وأشهر الروايات عن أحمد أن العلة فيهما كون كل منهما موزون جنس، وهو مذهب أبي حنيفة. وأما البر والشعير والتمر والملح فعلة الربا فيها عند مالك الاقتيات والادخار، وقيل وغلبة العيش فلا يمنع ربا الفضل عند مالك وعامة أصحابه إلا في الذهب بالذهب والفضة بالفضة والطعام المقتات المدخر بالطعام المقتات المدخر، وقيل يشترط مع الاقتيات والادخار غلبة العيش، وإنما جعل مالك العلة ما ذكر؛ لأنه أخص أوصاف الأربعة المذكورة، ونظم بعض المالكية ما فيه ربا النساء وربا الفضل عند مالك في بيتين وهما: [الطويل]
رباء نسا في النقد حرم ومثله ... طعام وإن جنساهما قد تعددا
وخص ربا فضل بنقد ومثله ... طعام الربا إن جنس كل توحدا
وقد كنت حررت مذهب مالك في ذلك في الكلام على الربا في الأطعمة في نظم لي طويل في فروع مالك بقولي: [الرجز]
وكل ما يذاق من طعام ... ربا النسا فيه من الحرام
مقتاتا أو مدخرا أو لا اختلف ... ذاك الطعام جنسه أو ائتلف
وإن يكن يطعم للدواء ... مجردا فالمنع ذو انتفاء
ولربا الفضل شروط يحرم ... بها وبانعدامها ينعدم
هي اتحاد الجنس فيما ذكرا ... مع اقتياته وأن يدخرا
وما لحد الادخار مدة ... والتادلي بستة قد حده
والخلف في اشتراط كونه اتخذ ... للعيش عرفا، وبالاسقاط أخذ
تظهر فائدته في أربع ... غلبة العيش بها لم تقع
والأربع التي حوى ذا البيت ... بيض وتين وجراد زيت
في البيض والزيت الربا قد انحظر ... رعيا لكون شرطها لم يعتبر

(1/174)


--------------------------------------------------------------------------------

وقد رعي اشتراطها في المختصر ... في التين وحده ففيه ما حظر
ورعي خلف في الجراد باد ... لذكره الخلاف في الجراد
وحبة بحبتين تحرم ... إذ الربا قليله محرم
ثم ذكرت بعد ذلك الخلاف في ربوية البيض بقولي: [الرجز]
وقول إن البيض ما فيه الربا ... إلى ابن شعبان الإمام نسبا
وأصح الروايات عن الشافعي أن علة الربا في الأربعة الطعم فكل مطعوم يحرم فيه عنده الربا كالأقوات، والإدام، والحلاوات، والفواكه، والأدوية. واستدل على أن العلة الطعم بما رواه مسلم من حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطعام بالطعام مثلا بمثل" الحديث. والطعام اسم لكل ما يؤكل، قال تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ} الآية [3/93]، وقال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ, أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً, ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً, فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً, وَعِنَباً} [80/24/28]، وقال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [5/5]، والمراد: ذبائحهم.
وقالت عائشة رضي الله عنها: مكثنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ما لنا طعام إلا الأسودان التمر والماء، وعن أبي ذر رضي الله عنه في حديثه الطويل، في قصه إسلامه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن كان يطعمك؟" قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، قال: "إنها مباركة، إنها طعام طعم" رواه مسلم.
وقال لبيد: [الكامل]
لمعفر قهد تنازع شلوه ... غبس كواسب ما يمن طعامها
يعني بطعامها الفريسة،قالوا: والنبي صلى الله عليه وسلم علق في هذا الحديث الربا على اسم الطعام، والحكم إذا علق على اسم مشتق دل على أنه علته، كالقطع في السرقة في قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} الآية [5/38]، قالوا: ولأن الحب ما دام مطعوما يحرم فيه الربا؛ فإذا زرع وخرج عن أن يكون مطعوما لم يحرم فيه الربا، فإذا انعقد الحب وصار مطعوما حرم فيه الربا، فدل على أن العلة فيه كونه مطعوما، ولذا كان الماء يحرم فيه الربا على أحد الوجهين عند الشافعية؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ

(1/175)


--------------------------------------------------------------------------------

فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [2/249]، ولقول عائشة المتقدم: ما لنا طعام إلا الأسودان الماء والتمر، ولقول الشاعر: [الطو يل]
فإن شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
والنقاخ الماء البارد، هذا هو حجة الشافعية في أن علة الربا في الأربعة الطعم، فألحقوا بها كل مطعوم؛ للعلة الجامعة بينهما.
قال مقيده عفا الله عنه: الاستدلال بحديث معمر المذكور على أن علة الربا الطعم لا يخلو عندي من نظر، والله تعالى أعلم؛ لأن معمرا المذكور لما قال: قد كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الطعام بالطعام مثلا بمثل" . قال عقبة: وكان طعامنا يومئذ الشعير كما رواه عنه أحمد ومسلم، وهذا صريح في أن الطعام في عرفهم يومئذ الشعير، وقد تقرر في الأصول أن العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام، وعقده في "مراقي السعود" بقوله في مبحث المخصص المنفصل عاطفا على ما يخصص العموم: [الرجز]
والعرف حيث قارن الخطابا ... ودع ضمير البعض والأسبابا
وأشهر الروايات عن أحمد أن علة الربا في الأربعة كونها مكيلة جنس، وهو مذهب أبي حنيفة، وعليه يحرم الربا في كل مكيل، ولو غير طعام كالجص والنورة والأشنان. واستدلوا بما رواه الدارقطني عن عبادة وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعا واحدا وما كيل فمثل ذلك، فإذا اختلف النوعان فلا بأس به" ،
قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار": حديث أنس وعبادة أشار إليه في "التلخيص" ولم يتكلم عليه، وفي إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وغيره، وضعفه جماعة، وقد أخرج هذا الحديث البزار أيضا، ويشهد لصحته حديث عبادة المذكور أولا وغيره من الأحاديث. اهـ منه بلفظه.
واستدلوا أيضا بما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر، فجاءهم بتمر جنيب، فقال: "أكل تمر خيبر هكذا" قال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: "لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا" ، وقال: في الميزان مثل ذلك، ووجه

(1/176)


--------------------------------------------------------------------------------

الدلالة منه، أن قوله في الميزان، يعني في الموزون؛ لأن نفس الميزان ليست من أموال الربا، واستدلوا أيضا بحديث أبي سعيد المتقدم الذي أخرجه الحاكم من طريق حيان بن عبيد الله، فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة، يدا بيد، عينا بعين، مثلا بمثل، فمن زاد فهو ربا" ، ثم قال: "وكذلك ما يكال أو يوزن أيضا" وأجيب من جهة المانعين، بأن حديث الدارقطني لم يثبت، وكذلك حديث الحاكم، وقد بينا سابقا ما يدل على ثبوت حديث حيان المذكور، وقد ذكرنا آنفا كلام الشوكاني في أن حديث الدارقطني أخرجه البزار أيضا، وأنه يشهد لصحته حديث عبادة بن الصامت وغيره من الأحاديث، وأن الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وغيره، وضعفه جماعة، وقال فيه ابن حجر في "التقريب": صدوق سيىء الحفظ، وكان عابدا مجاهدا، ومراد الشوكاني بحديث عبادة المذكور، هو ما أخرجه عنه مسلم والإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وأبو داود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم" اهـ. فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "سواء بسواء، مثلا بمثل" يدل على الضبط بالكيل والوزن، وهذا القول أظهرها دليلا.
وأجابوا عن حديث أبي سعيد المتفق عليه بثلاثة أجوبة.
الأول: جواب البيهقي قال: وقد قيل: إن قوله وكذلك الميزان، من كلام أبي سعيد الخدري موقوف عليه.
الثاني: جواب القاضي أبي الطيب وآخرين، أن ظاهر الحديث غير مراد؛ لأن الميزان نفسه لا ربا فيه، وأضمرتم فيه الموزون، ودعوى العموم في المضمرات لا تصح.
الثالث: حمل الموزون على الذهب والفضة جمعا بين الأدلة، والظاهر أن هذه الإجابات لا تنهض؛ لأن وقفه على أبي سعيد خلاف الظاهر، وقصد ما يوزن بقوله: وكذلك الميزان لا لبس فيه، وحمل الموزون على الذهب والفضة فقط خلاف الظاهر، والله تعالى أعلم.
وفي علة الربا في الأربعة مذاهب أخر غير ما ذكرنا عن الأئمة الأربعة ومن

(1/177)


--------------------------------------------------------------------------------

وافقهم:
الأول: مذهب أهل الظاهر ومن وافقهم أنه لا ربا أصلا في غير الستة، ويروى هذا القول عن طاوس ومسروق والشعبي وقتادة وعثمان البتي.
الثاني: مذهب أبي بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم، أن العلة فيها كونها منتفعا بها، حكاه عنه القاضي حسين.
الثالث: مذهب ابن سيرين، وأبي بكر الأودني من الشافعية أن العلة الجنسية؛ فيحرم الربا في كل شيء بيع بجنسه كالتراب بالتراب متفاضلا، والثوب بالثوبين، والشاة بالشاتين.
الرابع: مذهب الحسن البصري أن العلة المنفعة في الجنس، فيجوز عنده بيع ثوب قيمته دينار بثوبين قيمتهما دينار، ويحرم بيع ثوب قيمته دينار بثوب قيمته دينارين.
الخامس: مذهب سعيد بن جبير أن العلة تقارب المنفعة في الجنس، فحرم التفاضل في الحنطة بالشعير، والباقلي بالحمص، والدخن بالذرة مثلا.
السادس: مذهب ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن العلة كونه جنسا تجب فيه الزكاة؛ فحرم الربا في كل جنس تجب فيه الزكاة كالمواشي والزرع وغيرها.
السابع: مذهب سعيد بن المسيب وقول الشافعي في القديم: إن العلة كونه مطعوما يكال أو يوزن ونفاه عما سواه، وهو كل ما لا يؤكل ولا يشرب، أو يؤكل ولا يكال ولا يوزن. كالسفرجل والبطيخ، وقد تركنا الاستدلال لهذه المذاهب والمناقشة فيها خوف الإطالة المملة.
فروع
الفرع الأول: الشك في المماثلة كتحقق المفاضلة، فهو حرام في كل ما يحرم فيه ربا الفضل، ودليل ذلك ما أخرجه مسلم والنسائي عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها بالكيل المسمى من التمر.
الفرع الثاني: لا يجوز التراخي في قبض ما يحرم فيه ربا النساء، ودليل ذلك: ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ملك بن أوس رضي الله عنه، قال: أقبلت؟ أقول: من يصطرف الدراهم، فقال طلحة: أرنا الذهب حتى يأتي الخازن، ثم تعال فخذ

(1/178)


--------------------------------------------------------------------------------

ورقك، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كلا، والذي نفسي بيده لتردن إليه ذهبه، أو لتنقدنه ورقه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الذهب بالورق ربا إلا ها وها، وزالبر بالبر ربا إلا ها وها، والشعير بالشعير ربا إلا ها وها، والتمر بالتمر ربا إلا ها وها" .
الفرع الثالث: لا يجوز أن يباع ربوي بربوي كذهب بذهب، ومع أحدهما شيء آخر. ودليل ذلك: ما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي الطاهر، عن ابن وهب، من حديث فضالة بن عبيد الأنصاري قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن" .
وروى مسلم نحوه أيضا عن أبي بكر بن شيبة وقتيبة بن سعيد من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه ونحوه. أخرجه النسائي، وأبو داود، والترمذي وصححه.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في "نيل الأوطار"، عند ذكر صاحب "المنتقى": لحديث فضالة بن عبيد المذكور ما نصه، الحديث.
قال في "التلخيص": له عند الطبراني في الكبير طرق كثيرة جدا في بعضها قلادة فيها خرز وذهب، وفي بعضها ذهب وجوهر، وفي بعضها خرز معلقة بذهب، وفي بعضها باثني عشر دينارا، وفي بعضها بتسعة دنانير، وفي أخرى بسبعة دنانير. وأجاب البيهقي عن هذا الاختلاف، بأنها كانت بيوعا شهدها فضالة.
قال الحافظ: والجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفا، بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه، وهو النهي عن بيع ما لم يفصل، وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به في هذه الحال ما يوجب الحكم بالاضطراب.
وحينئذ ينبغي الترجيح بين رواتها وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم، فتكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة، وبعض هذه الروايات التي ذكرها الطبراني في "صحيح مسلم" و "سنن أبي داود"، اهـ منه بلفظه. وقد قدمنا بعض روايات مسلم.
الفرع الرابع: لا يجوز بيع المصوغ من الذهب أو الفضة بجنسه بأكثر من وزنه، ودليل ذلك: ما صح عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم صرح بتحريم بيع

(1/179)


--------------------------------------------------------------------------------

الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، إلا مثلا بمثل، وأن من زاد أو استزاد فقد أربى.
وقد أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" عن مجاهد أنه قال: كنت أطوف مع عبد الله بن عمر فجاءه صائغ فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني أصوغ الذهب، ثم أبيه الشيء من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل في ذلك قدر عمل يدي فيه، فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة وعبد الله بن عمر ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابته يريد أن يركبها.
ثم قال عبد الله بن عمر: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا وعهد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/5abr.3ala.sari3
 
تفسير اضواء البيان سورة البقرة 9
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير اضواء البيان سورة البقرة 1
» تفسير اضواء البيان سورة البقرة 2
» تفسير اضواء البيان سورة البقرة 3
» تفسير اضواء البيان سورة البقرة 4
» تفسير اضواء البيان سورة البقرة 5

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنوز النت الإسلامية :: © الأقسام الإسلامية © :: ©تحفيظ وتفسير القرآن الكريم©-
انتقل الى: