كنوز النت الإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنوز النت الإسلامية

منتديات كنوز النت الإسلامية لنشر علوم الدنيا والدين
 
الرئيسيةبوابة كنوز النتمكتبة الصورس .و .جبحـثالأعضاءالمجموعاتالتسجيلدخول

 

 تفسير اضواء البيان سورة البقرة 6

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد الازهرى
المستشار القانوني للمنتديات
المستشار القانوني للمنتديات
محمد الازهرى


ذكر عدد الرسائل : 3286
تاريخ الميلاد : 20/10/1982
العمر : 42
نقاط : 13060
تاريخ التسجيل : 29/05/2010

تفسير اضواء البيان سورة البقرة 6 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير اضواء البيان سورة البقرة 6   تفسير اضواء البيان سورة البقرة 6 Emptyالجمعة 18 يونيو 2010 - 5:29

ذلك ليس قياسيا، وهو خلاف ما تقدم عن ابن هشام وغيره، من أن ما كان لفظه مذكرا، ومعناه مؤنثا، أو بالعكس، يجوز فيه وجهان، أي: ولو لم يكن هناك مرجح للمعنى، وهو خلاف ما تقدم عن "التسهيل". وشرحه أن العبرة بالمعنى، فتأمل. اهـ منه.
وأما الاستدلال على أنها الحيضات بقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} الآية [65/4]، فيقال فيه: إنه ليس في الآية ما يعين أن القروء الحيضات، لأن الأقراء لا تقال في الأطهار إلا في الأطهار التي يتخللها حيض، فإن عدم الحيض عدم معه اسم الأطهار، ولا مانع إذن من ترتيب الاعتداد بالأشهر على عدم الحيض مع كون العدة بالطهر؛ لأن الطهر المراد يلزمه وجود الحيض وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، فاتفاء الحيض يلزمه انتفاء الأطهار فكأن العدة بالأشهر مرتبة أيضا على انتفاء الأطهار، المدلول عله بانتفاء الحيض. وأما الاستدلال بآية: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنّ} ، فهو ظاهر السقوط؛ لأن كون القروء الأطهار لا يبيح المعتدة كتم الحيض؛ لأن العدة بالأطهار لا تمكن إلا بتخلل الحيض لها؛ فلو كتمت الحيض لكانت كاتمة انقضاء الطهر، ولو ادعت حيضا لم يكن، كانت كاتمة؛ لعدم انقضاء الطهر كما هو واضح.
وأما الاستدلال بحديث "دعي الصلاة أيام أقرائك" فيقال فيه: إنه لا دليل في الحديث البتة على محل النزاع؛ لأنه لا يفيد شيئا زائدا على أن القرء يطلق على الحيض، وهذا مما لا نزاع فيه.
أما كونه يدل على منع إطلاق القرء في موضع آخر على الطهر فهذا باطل بلا نزاع، ولا خلاف بين العلماء القائلين: بوقوع الاشتراك في: أن إطلاق المشترك على أحد معنييه في موضع، لا يفهم منه منع إطلاقه على معناه الآخر في موضع آخر.
ألا ترى أن لفظ العين مشترك بين الباصرة والجارية مثلا، فهل تقول إن إطلاقه تعالى لفظ العين على الباصرة في قوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ } الآية [5/45]، يمنع إطلاق العين في موضع آخر على الجارية، كقوله: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} [88/12]الآية.
والحق الذي لا شك فيه أن المشترك يطلق على كل واحد من معنييه، أو معانيه في الحال المناسبة لذلك، والقرء في حديث: "دعي الصلاة أيام أقرائك" مناسب للحيض

(1/101)


--------------------------------------------------------------------------------

دون الطهر؛ لأن الصلاة إنما تترك في وقت الحيض دون وقت الطهر.
ولو كان إطلاق المشترك على أحد معنييه، يفيد منع إطلاقه على معناه الآخر في موضع آخر، لم يكن في اللغة اشتراك أصلا؛ لأنه كل ما أطلقه على أحدهما منع إطلاقه له على الآخر، فيبطل اسم الاشتراك من أصله مع أنا قدمنا تصريح النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المتفق عليه: "بأن الطهر هو العدة" وكل هذا على تقدير صحة حديث "دعي الصلاة أيام أقرائك" ؛ لأن من العلماء من ضعفه، ومنهم من صححه.
والظاهر أن بعض طرقه لا يقل عن درجة القبول، إلا أنه لا دليل فيه لمحل النزاع.
ولو كان فيه لكان مردودا بما هو أقوى منه وأصرح في محل النزاع، وهو ما قدمنا. وكذلك اعتداد الأمة بحيضتين على تقرير ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم، لا يعارض ما قدمنا؛ لأنه أصح منه وأصرح في محل النزاع. واستبراؤها بحيضة مسألة أخرى؛ لأن الكلام في العدة لا في الاستبراء.
ورد بعض العلماء الاستدلال بالآية والحديث الدالين على أنها الأطهار،
بأن ذلك يلزمه الاعتداد بالطهر الذي وقع فيه الطلاق كما عليه جمهور القائلين: بأن القروء الأطهار فيلزم عليه كون العدة قرءين وكسرا من الثالث، وذلك خلاف ما دلت عليه الآية من أنها ثلاثة قروء كاملة مردود بأن مثل هذا لا تعارض به نصوص الوحي الصريحة، وغاية ما في الباب إطلاق ثلاثة قروء على اثنين وبعض الثالث. ونظيره قوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [2/197]، والمراد شهران وكسر.
وادعاء أن ذلك ممنوع في أسماء العدد يقال فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ذكر إن بقية الطهر الواقع فيه الطلاق عدة، مبينا أن ذلك مراد الله في كتابه، وما ذكره بعض أجلاء العلماء رحمهم الله من أن الآية والحديث المذكورين يدلان على أن الأقراء الحيضات بعيد جدا من ظاهر اللفظ، كما ترى.
بل لفظ الآية والحديث المذكورين صريح في نقيضه، هذا هو ما ظهر لنا في هذه المسألة والله تعالى أعلم، ونسبة العلم إليه أسلم.
قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} [2/228]، ظاهر هذه الآية الكريمة أن أزواج كل المطلقات أحق بردهن، لا فرق في ذلك بين رجعية وغيرها.

(1/102)


--------------------------------------------------------------------------------

ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن البائن لا رجعة له عليها، وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [33/49].
وذلك لأن الطلاق قبل الدخول بائن، كما أنه أشار هنا إلى أنها إذا بانت بانقضاء العدة لا رجعة له عليها، وذلك في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} ؛ لأن الإشارة بقوله: {ذَلِكَ} ، راجعة إلى زمن العدة المعبر عنه في الآية بـ {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} .
واشترط هنا في كون بعولة الرجعيات أحق بردهن إرادتهم الإصلاح بتلك الرجعة، في قوله: {إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} ، ولم يتعرض لمفهوم هذا الشرط هنا، ولكنه صرح في مواضع أخر أن زوج الرجعية إذا ارتجعها لا بنية الإصلاح بل بقصد الإضرار بها؛ لتخالعه أو نحو ذلك، أن رجعتها حرام عليه، كما هو مدلول النهي في قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} [2/231].
فالرجعة بقصد الإضرار حرام إجماعا، كما دل عليه مفهوم الشرط المصرح به في قوله: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} الآية ، وصحة رجعته حينئذ باعتبار ظاهر الأمر، فلو صرح للحاكم بأنه ارتجعها بقصد الضرر، لأبطل رجعته كما ذكرنا، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} ، لم يبين هنا ما هذه الدرجة التي للرجال على النساء، ولكنه أشار لها في موضع آخر وهو قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [4/34]، فأشار إلى أن الرجل أفضل من المرأة؛ وذلك لأن الذكورة شرف وكمال والأنوثة نقص خلقي طبيعي، والخلق كأنه مجمع على ذلك؛ لأن الأنثى يجعل لها جميع الناس أنواع الزينة والحلي، وذلك إنما هو لجبر النقص الخلقي الطبيعي الذي هو الأنوثة، بخلاف الذكر فجمال ذكورته يكفيه عن الحلي ونحوه.
وقد أشار تعالى إلى نقص المرأة وضعفها الخلقيين الطبيعيين، بقوله: {أَوَمَنْ

(1/103)


--------------------------------------------------------------------------------

يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [43/18]؛ لأن نشأتها في الحلية دليل على نقصها، المراد جبره،
والتغطية عليه بالحلي، كما قال الشاعر: [الطويل]
وما الحلي إلا زينة من نقيصة ... يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
وأما إذا كان الجمال موفرا ... كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا
ولأن عدم إبانتها في الخصام إذا ظلمت دليل على الضعف الخلقي، كما قال الشاعر: [الطويل]
بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب
فلم يعتذر عذر البرىء ولم تزل ... به سكتة حتى يقال مريب
ولا عبرة بنوادر النساء؛ لأن النادر لا حكم له.
وأشار بقوله: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ، إلى أن الكامل في وصفه وقوته وخلقته يناسب حاله، أن يكون قائما على الضعيف الناقص خلقة.
ولهذه الحكمة المشار إليها جعل ميراثه مضاعفا على ميراثها؛ لأن من يقوم على غيره مترقب للنقص، ومن يقوم عليه غيره مترقب للزيادة، وإيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة ظاهر الحكمة.
كما أنه أشار إلى حكمة كون الطلاق بيد الرجل دون إذن المرأة بقوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} ؛ لأن من عرف أن حقله غير مناسب للزراعة لا ينبغي أن يرغم على الازدراع في حقل لا يناسب الزراعة. ويوضح هذا المعنى أن آلة الازدراع بيد الرجل، فلو أكره على البقاء مع من لا حاجة له فيها حتى ترضى بذلك، فإنها إن أرادت أن تجامعه لا يقوم ذكره، ولا ينتشر إليها، فلم تقدر على تحصيل النسل منه، الذي هو أعظم الغرض من النكاح بخلاف الرجل، فإنه يولدها وهي كارهة كما هو ضروري.
قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} ، ظاهر هذه الآية الكريمة أن الطلاق كله منحصر في المرتين، ولكنه تعالى بين أن المنحصر في المرتين هو الطلاق الذي تملك بعده الرجعة لا مطلقا، وذلك بذكره الطلقة الثالثة التي لا تحل بعدها المراجعة إلا بعد زوج. وهي المذكورة في قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} الآية [2/230]، وعلى هذا القول فقوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [2/229]، يعني به عدم الرجعة.

(1/104)


--------------------------------------------------------------------------------

وقال بعض العلماء الطلقة الثالثة هي المذكورة في قوله تعالى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ، وروي هذا مرفوعا إليه صلى الله عليه وسلم.
تنبيه
ذكر بعض العلماء أن هذه الآية الكريمة التي هي قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} ، يؤخذ منها وقوع الطلاق الثلاث في لفظ واحد وأشار البخاري بقوله: "باب من جوز الطلاق الثلاث؛ لقول الله تعالى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} .
والظاهر أن وجه الدلالة المراد عند البخاري، هو ما قاله الكرماني من أنه تعالى لما قال: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [2/229]، علمنا أن إحدى المرتين جمع فيها بين تطليقتين، وإذا جاز جمع التطليقتين دفعة، جاز جمع الثلاث، ورد ابن حجر هذا بأنه قياس مع وجود الفارق وجعل الآية دليلا لنقيض ذلك.
قال مقيده عفا الله عنه: الظاهر أن الاستدلال بالآية غير ناهض؛ لأنه ليس المراد حصر الطلاق كله في المرتين حتى يلزم الجمع بين اثنتين في إحدى التطليقتين كما ذكر، بل المراد بالطلاق المحصور هو خصوص الطلاق الذي تملك بعده الرجعة كما ذكرنا، وكما فسر به الآية جماهير علماء التفسير. وقال بعض العلماء وجه الدليل في الآية أن قوله تعالى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ، عام يتناول إيقاع الثلاث دفعة واحدة، ولا يخفى عدم ظهوره. ولكن كون الآية لا دليل فيها على وقوع الثلاث بلفظ واحد، لا ينافي أن تقوم على ذلك أدلة وسنذكر أدلة ذلك، وأدلة من خالف فيه، والراجح عندنا في ذلك إن شاء الله تعالى، مع إيضاح خلاصة البحث كله في آخر الكلام إيضاحا تاما.
فنقول وبالله نستعين: اعلم أن من أدلة القائلين بلزوم الثلاث مجتمعة، حديث سهل بن سعد الساعدي، الثابت في الصحيح في قصة لعان عويمر العجلاني وزوجه؛ فإن فيه: "فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله، إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين".
أخرج البخاري هذا الحديث تحت الترجمة المتقدمة عنه ووجه الدليل منه: أنه أوقع الثلاث في كلمة واحدة، ولم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورد المخالف الاستدلال بهذا الحديث؛ بأن المفارقة وقعت بنفس اللعان فلم

(1/105)


--------------------------------------------------------------------------------

يصادف تطليقه الثلاث محلا، ورد هذا الاعتراض؛ بأن الاحتجاج بالحديث من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه إيقاع الثلاث مجموعة، فلو كان ممنوعا لأنكره، ولو كانت الفرقة بنفس اللعان. وبأن الفرقة لم يدل على أنها بنفس اللعان كتاب، ولا سنة صريحة، ولا إجماع. والعلماء مختلفون في ذلك.
فذهب مالك وأصحابه إلى أن الفرقة بنفس اللعان، وإنما تتحقق بلعان الزوجين معا، وهو رواية عن أحمد. وذهب الشافعي وأصحابه إلى أن الفرقة بنفس اللعان، وتقع عند فراغ الزوج من أيمانه قبل لعان المرأة، وهو قول سحنون من أصحاب مالك.
وذهب الثوري وأبو حنيفة وأتباعهما إلى أنها لا تقع حتى يوقعها الحاكم؛ واحتجوا بظاهر ما وقع في أحاديث اللعان، فقد أخرج البخاري في "صحيحه"، عن ابن عمر:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرق بين رجل وامرأة قذفها، وأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم". وأخرج أيضا في "صحيحه" عن ابن عمر من وجه آخر أنه قال:"لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجل وامرأة من الأنصار، وفرق بينهما". ورواه باقي الجماعة عن ابن عمر، وبه تعلم أن قول يحيى بن معين: إن الرواية بلفظ "فرق" بين المتلاعنين خطأ، يعني في خصوص حديث سهل بن سعد المتقدم، لا مطلقا، بدليل ثبوتها في الصحيح من حديث ابن عمر، كما ترى. قال ابن عبد البر: إن أراد من حديث سهل فسهل، وإلا فمردود. وقال ابن حجر في "فتح الباري"، ما نصه: ويؤخذ منه أن إطلاق يحيى بن معين وغيره تخطئة الرواية بلفظ فرق بين المتلاعنين، إنما المراد به في حديث سهل بخصوصه، فقد أخرجه أبو داود من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عنه بهذا اللفظ، وقال بعده لم يتابع ابن عيينة على ذلك أحد ثم أخرج من طريق ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر:"فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان" اهـ محل الغرض منه بلفظ، وقد قدمنا في حديث سهل: "فكانت سنة المتلاعنين".
واختلف في هذا اللفظ هل هو مدرج من كلام الزهري فيكون مرسلا وبه قال جماعة من العلماء ؟ أو هو من كلام سهل فهو مرفوع متصل ؟ ويؤيد كونه من كلام سهل ما وقع في حديث أبي داود من طريق عياض بن عبد الله الفهري عن ابن شهاب عن سهل. قال: فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ما صنع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة.
قال سهل: حضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين، أن

(1/106)


--------------------------------------------------------------------------------

يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدا.
قال الشوكاني في "نيل الأوطار": ورجاله رجال الصحيح.
قال مقيده عفا الله عنه: ومعلوم أن ما سكت عليه أبو داود فأقل درجاته عنده الحسن، وهذه الرواية ظاهرة في محل النزاع، وبها تعلم أن احتجاج البخاري لوقوع الثلاث دفعة بحديث سهل المذكور واقع موقعه؛ لأن المطلع على غوامض إشارات البخاري ـ رحمه الله ـ يفهم أن هذا اللفظ الثابت في "سنن أبي داود"، مطابق لترجمة البخاري، وأنه أشار بالترجمة إلى هذه الرواية ولم يخرجها؛ لأنها ليست على شرطه، فتصريح هذا الصحابي الجليل في هذه الرواية الثابتة:"بأن النبي صلى الله عليه وسلم أنفذ طلاق الثلاث دفعة" يبطل بإيضاح أنه لا عبرة بسكوته صلى الله عليه وسلم وتقريره له؛ بناء على أن الفرقة بنفس اللعان كما ترى.
وذهب عثمان البتي وأبو الشعثاء جابر بن زيد البصري، أحد أصحاب ابن عباس من فقهاء التابعين إلى أن الفرقة لا تقع حتى يوقعها الزوج، وذهب أبو عبيد إلى أنها تقع بنفس القذف وبهذا تعلم أن كون الفرقة بنفس اللعان ليس أمرا قطعيا، حتى ترد به دلالة تقرير النبي صلى الله عليه وسلم عويمر العجلاني، على إيقاع الثلاث دفعة، الثابت في الصحيح، لا سيما وقد عرفت أن بعض الروايات فيها التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم أنفذ ذلك، فإن قيل قد وقع في حديث لأبي داود عن ابن عباس وقضى أن ليس عليه قوت ولا سكنى، من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها.
فالجواب أن هذا التعليل لعدم إيجاب النفقة والسكنى؛ للملاعنة بعدم طلاق أو وفاة يحتمل كونه من ابن عباس، وليس مرفوعا إليه صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو الظاهر أن ابن عباس ذكر العلة لما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدم النفقة والسكنى، وأراه اجتهاده أن علة ذلك عدم الطلاق والوفاة.
والظاهر أن العلة الصحيحة لعدم النفقة والسكنى هي البينونة بمعناها الذي هو أعم من وقوعها بالطلاق أو بالفسخ، بدليل أن البائن بالطلاق لا تجب لها النفقة والسكنى على أصح الأقوال دليلا.
فعلم أن عدم النفقة والسكنى لا يتوقف على عدم الطلاق.
وأوضح دليل في ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله

(1/107)


--------------------------------------------------------------------------------

عنها:"أنها طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى" أخرجه مسلم في "صحيحه"، والإمام أحمد وأصحاب السنن، وهو نص صريح صحيح في أن البائن بالطلاق لا نفقة لها ولا سكنى، وهذا الحديث أصح من حديث ابن عباس المتقدم.
وصرح الأئمة بأنه لم يثبت من السنة ما يخالف حديث فاطمة هذا، وما وقع في بعض الروايات عن عمر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: "السكنى والنفقة". فقال قال الإمام أحمد: لا يصح ذلك عن عمر.
وقال الدارقطني: السنة بيد فاطمة قطعا، وأيضا تلك الرواية عن عمر من طريق إبراهيم النخعي ومولده بعد موت عمر بسنتين.
قال ابن القيم: ونحن نشهد بالله شهادة نسأل عنها إذا لقيناه، أنها كذب على عمر وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حققت أن السنة معها وأنها صاحبة القصة، فاعلم أنها لما سمعت قول عمر لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، قالت: بيني وبينكم كتاب الله. قال الله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [65/1]، حتى قال: { لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [65/1]. فأي أمر يحدث بعد الثلاث، رواه أبو داود، والنسائي، وأحمد، ومسلم بمعناه. فتحصل أن السنة بيدها، وكتاب الله معها.
وهذا المذهب بحسب الدليل هو أوضح المذاهب وأصوبها. وللعلماء في نفقة البائن وسكناها أقوال غير هذا. فمنهم من أوجبهما معا، ومنهم من أوجب السكنى دون النفقة، ومنهم من عكس.
فالحاصل أن حديث فاطمة هذا يرد تعليل ابن عباس المذكور، وأنه أصح من حديثه، وفيه التصريح بأن سقوط النفقة والسكنى لا يتوقف على عدم الطلاق، بل يكون مع الطلاق البائن. وأيضا فالتصريح بأنه صلى الله عليه وسلم أنفذ الثلاث دفعة في الرواية المذكورة أولى بالاعتبار من كلام ابن عباس المذكور؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. وهذا الصحابي حفظ إنفاذ الثلاث، والمثبت مقدم على النافي.
فإن قيل: إنفاذه صلى الله عليه وسلم الثلاث دفعة من الملاعن على الرواية المذكورة لا يكون حجة في غير اللعان؛ لأن اللعان تجب فيه الفرقة الأبدية. فإنفاذ الثلاث مؤكد لذلك الأمر

(1/108)


--------------------------------------------------------------------------------

الواجب بخلاف الواقع في غير اللعان.
ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب من إيقاع الثلاث دفعة في غير اللعان، وقال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟" كما أخرجه النسائي من حديث محمود بن لبيد فالجواب من أربعة أوجه:
الأول: الكلام في حديث محمود بن لبيد، فإنه تكلم من جهتين:
الأولى: أنه مرسل؛ لأن محمود بن لبيد لم يثبت له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كانت ولادته في عهده صلى الله عليه وسلم، وذكره في الصحابة من أجل الرؤية، وقد ترجم له أحمد في مسنده، وأخرج له عدة أحاديث ليس فيها شيء صرح فيه بالسماع.
الثانية: أن النسائي قال بعد تخريجه لهذا الحديث لا أعلم أحدا رواه غير مخرمة بن بكير. يعني ابن الأشج عن أبيه، ورواية مخرمة عن أبيه، وجادة من كتابه، قاله أحمد وابن معين وغيرهما.
وقال ابن المديني: سمع من أبيه قليلا. قال ابن حجر في "التقريب": روايته عن أبيه وجادة من كتابه، قال أحمد وابن معين وغيرهما، وقال ابن المديني: سمع من أبيه قليلا.
قال مقيده عفا الله عنه: أما الإعلال الأول بأنه مرسل، فهو مردود بأنه مرسل صحابي ومراسيل الصحابة لها حكم الوصل. ومحمود بن لبيد المذكور جل روايته عن الصحابة. كما قاله ابن حجر في "التقريب" وغيره.
والإعلال الثاني بأن رواية مخرمة عن أبيه وجادة من كتابه فيه أن مسلما أخرج في "صحيحه" عدة أحاديث من رواية مخرمة عن أبيه، والمسلمون مجمعون على قبول أحاديث مسلم؛ إلا بموجب صريح يقتضي الرد، فالحق أن الحديث ثابت إلا أن الاستدلال به يرده.
الوجه الثاني: وهو أن حديث محمود ليس فيه التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم أنفذ الثلاث، ولا أنه لم ينفذها، وحديث سهل على الرواية المذكورة فيه التصريح بأنه أنفذها، والمبين مقدم على المجمل، كما تقرر في الأصول بل بعض العلماء احتج لإيقاع الثلاث دفعة، بحديث محمود هذا.
ووجه استدلاله به أنه طلق ثلاثا يظن لزومها، فلو كانت غير لازمة لبين النبي صلى الله عليه وسلم

(1/109)


--------------------------------------------------------------------------------

أنها غير لازمة؛ لأن البيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة.
الوجه الثالث: أن إمام المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله أخرج حديث سهل تحت الترجمة التي هي قوله: "باب من جوز الطلاق الثلاث" وهو دليل على أنه يرى عدم الفرق بين اللعان وغيره، في الاحتجاج بإنفاذ الثلاث دفعة.
الوجه الرابع: هو ما سيأتي من الأحاديث الدالة على وقوع الثلاث دفعة، كحديث ابن عمر، وحديث الحسن بن علي، وإن كان الكل لا يخلو من كلام. وممن قال بأن اللعان طلاق لا فسخ: أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وحماد، وصح عن سعيد بن المسيب، كما نقله الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، وعن الضحاك والشعبي: إذا أكذب نفسه ردت إليه امرأته.
وبهذا كله تعلم أن رد الاحتجاج بتقريره صلى الله عليه وسلم عويمر العجلاني، على إيقاع الثلاث دفعة، بأن الفرقة بنفس اللعان لا يخلو من نظر، ولو سلمنا أن الفرقة بنفس اللعان فإنا لا نسلم أن سكوته صلى الله عليه وسلم لا دليل فيه، بل نقول لو كانت لا تقع دفعة لبين أنها لا تقع دفعة، ولو كانت الفرقة بنفس اللعان، كما تقدم.
ومن أدلتهم حديث عائشة الثابت في الصحيح في قصة رفاعة القرظي وامرأته، فإن فيه:"فقالت: يا رسول الله ! إن رفاعة طلقني فبت طلاقي" الحديث. وقد أخرجه البخاري تحت الترجمة المتقدمة، فإن قولها فبت طلاقي ظاهر في أنه قال لها: أنت طالق البتة.
قال مقيده عفا الله عنه: الاستدلال بهذا الحديث غير ناهض فيما يظهر؛ لأن مرادها بقولها: فبت طلاقي أي: بحصول الطلقة الثالثة.
ويبينه أن البخاري ذكر في كتاب الأدب من وجه آخر أنها قالت: طلقني آخر ثلاث تطليقات، وهذه الرواية تبين المراد من قولها فبت طلاقي، وأنه لم يكن دفعة واحدة، ومن أدلتهم حديث عائشة الثابت في الصحيح. وقد أخرجه البخاري تحت الترجمة المذكورة أيضا:"أن رجلا طلق امرأته ثلاثا، فتزوجت فطلق، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم أتحل للأول ؟ قال: "لا، حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول" فإن قوله ثلاثا ظاهر في كونها مجموعة، واعترض الاستدلال بهذا الحديث بأنه مختصر من قصة رفاعة، وقد قدمنا قريبا أن بعض الروايات الصحيحة دل على أنها ثلاث مفرقة لا مجموعة، ورد هذا

(1/110)


--------------------------------------------------------------------------------

الاعتراض بأن غير رفاعة قد وقع له مع امرأته نظير ما وقع لرفاعة، فلا مانع من التعدد، وكون الحديث الأخير في قصة أخرى كما ذكره الحافظ ابن حجر في الكلام على قصة رفاعة، فإنه قال فيها ما نصه: وهذا الحديث إن كان محفوظا فالواضح من سياقه أنها قصة أخرى. وأن كلا من رفاعة القرظي ورفاعة النضري وقع له مع زوجة له طلاق، فتزوج كلا منهما عبد الرحمن بن الزبير فلطقها قبل أن يمسها، فالحكم في قصتهما متحد مع تغاير الأشخاص. وبهذا يتبين خطأ من وحد بينهما ظنا منه أن رفاعة بن سموءل هو رفاعة بن وهب. ا هـ محل الحاجة منه بلفظه.
ومن أدلتهم ما أخرجه النسائي عن محمود بن لبيد قال:" أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام مغضبا، فقال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟" وقد قدمنا أن وجه الاستدلال منه: أن المطلق يظن الثلاث المجموعة واقعة، فلو كانت لا تقع لبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تقع؛ لأنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه.
وقد قال ابن كثير في حديث محمود هذا: أن إسناده جيد، وقال الحافظ في "بلوغ المرام": رواته موثقون، وقال في "الفتح": رجاله ثقات، فإن قيل: غضب النبي صلى الله عليه وسلم، وتصريحه بأن ذلك الجمع للطلقات لعب بكتاب الله يدل على أنها لا تقع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ، وفي رواية: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ، فالجواب أن كونه ممنوعا ابتداء لا ينافي وقوعه بعد الإيقاع، ويدل له ما سيأتي قريبا عن ابن عمر من قوله لمن سأله: وأن كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك، وعصيت الله فيما أمرك به من طلاق امرأتك، ولا سيما على قول الحاكم: إنه مرفوع، وهذا ثابت عن ابن عمر في الصحيح ويؤيده ما سيأتي إن شاء الله قريبا من حديثه المرفوع عند الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "كانت تبين منك وتكون معصية" ، ويؤيده أيضا ما سيأتي إن شاء الله عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه قال لمن سأله عن ثلاث أوقعها دفعة: "إنك لم تتق الله فيجعل لك مخرجا، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك".
وبالجملة، فالمناسب لمرتكب المعصية التشديد لا التخفيف بعدم الإلزام، ومن أدلتهم ما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال ": فقلت: يا رسول الله ! أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها ؟ قال: "لا، كانت تبين

(1/111)


--------------------------------------------------------------------------------

منك وتكون معصية" ، وفي إسناده عطاء الخراساني وهو مختلف فيه، وقد وثقه الترمذي، وقال النسائي وأبو حاتم: لا بأس به، وكذبه سعيد بن المسيب، وضعفه غير واحد، وقال البخاري: ليس فيمن روي عن مالك من يستحق الترك غيره، وقال شعبة: كان نسيا، وقال ابن حبان: كان من خبار عباد الله، غير أنه كثير الوهم سيىء الحفظ، يخطىء ولا يدري، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به. وأيضا الزيادة التي هي محل الحجة من الحديث أعني قوله: "أرأيت لو طلقتها" الخ مما تفرد به عطاء المذكور. وقد شاركه الحفاظ في أصل الحديث، ولم يذكروا الزيادة المذكورة. وفي إسنادها شعيب بن زريق الشامي وهو ضعيف، وأعل عبد الحق في أحكامه هذا الحديث، بأن في أسناده معلى بن منصور، وقال: رماه أحمد بالكذب.
قال مقيده عفا الله عنه: أما عطاء الخراساني المذكور فهو من رجال مسلم في "صحيحه"، وأما معلى بن منصور فقد قال فيه ابن حجر في "التقريب": ثقة سني فقيه طلب للقضاء فامتنع، أخطأ من زعم أن أحمد رماه بالكذب، أخرج له الشيخان وباقي الجماعة. وأما شعيب بن زريق أبو شيبة الشامي فقد قال فيه ابن حجر في "التقريب": صدوق يخطىء، ومن كان كذلك فليس مردود الحديث، لا سيما وقد اعتضدت روايته بما تقدم في حديث سهل، وبما رواه البيهقي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، فإنه قال في "السنن الكبرى"، ما نصه: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان: أنا أحمد بن عبيد الصفار، أنا إبراهيم بن محمد الواسطي، أنا محمد بن حميد الرازي، أنا سلمة بن الفضل، عن عمرو بن أبي قيس، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، قال: كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي رضي الله عنهما، فلما قتل علي رضي الله عنه قالت: لتهنك الخلافة، قال: بقتل علي تظهرين الشماتة، إذهبي فأنت طالق، يعني ثلاثا قال: فتلفعت بثيابها وقعدت حتى قضت عدتها، فبعث إليها ببقية بقيت لها من صداقها وعشرة آلاف صدقة، فلما جاءها الرسول قالت: متاع قليل من حبيب مفارق، فلما بلغه قولها بكى ثم قال: لولا أني سمعت جدي أو حدثني أبي أنه سمع جدي يقول: "أيما رجل طلق امرأته ثلاثا عند الأقراء" ، أو "ثلاثا مبهمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره" لراجعتها.
وكذلك روي عن عمرو بن شمر، عن عمران بن مسلم، وإبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة. اهـ منه بلفظه. وضعف هذا الإسناد بأن فيه محمد بن

(1/112)


--------------------------------------------------------------------------------

حميد بن حيان الرازي، قال فيه ابن حجر في "التقريب": حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه، أن فيه أيضا سلمة بن الفضل الأبرش، مولى الأنصار قاضي الري قال فيه في "التقريب": صدوق كثير الخطأ وروي من غير هذا الوجه وروي نحوه الطبراني من حديث سويد بن غفلة، وضعف الحديث إسحاق بن راهويه، ويؤيد حديث ابن عمر المذكور أيضا ما ثبت في الصحيح عن ابن عمر من أنه قال: "وإن كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك، وعصيت الله فيما أمرك به من طلاق امرأتك". ولا سيما على قول الحاكم: إنه مرفوع، وعلى ثبوت حديث ابن عمر المذكور، فهو ظاهر في محل النزاع.
فما ذكره بعض أهل العلم من أنه لو صح لم يكن فيه حجة؛ بناء على حمله على كون الثلاث مفرقة لا مجتمعة، فهو بعيد. والحديث ظاهر في كونها مجتمعة؛ لأن ابن عمر لا يسأل عن الثلاث المتفرقة إذ لا يخفى عليه أنها محرمة، وليس محل نزاع. ومن أدلتهم ما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"، عن عبادة بن الصامت، قال:"طلق جدي امرأة له ألف تطليقة، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما اتقى الله جدك، أما ثلاث فله. وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له " . وفي رواية: "إن أباك لم يتق الله فيجعل له مخرجا، بانت منه بثلاث على غير السنة، وتسعمائة وسبع وتسعون إثم في عنقه" ، وفي إسناده يحيى بن العلاء، وعبيد الله بن الوليد، وإبراهيم بن عبيد الله، ولا يحتج بواحد منهم.
وقد رواه بعضهم عن صدقة بن أبي عمران، عن إبراهيم بن عبيد الله بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده. ومن أدلتهم ما رواه ابن ماجه عن الشعبي قال: قلت لفاطمة بنت قيس: "حدثيني عن طلاقك، قالت: طلقني زوجي ثلاثا، وهو خارج إلى اليمن، فأجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وفي رواية أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه، عن فاطمة بنت قيس قالت:"يا رسول الله، إن زوجي طلقني ثلاثا، فأخاف أن يقتحم علي فأمرها فتحولت".
وفي مسلم من رواية أبي سلمة، أن فاطمة بنت قيس أخبرته أن أبا حفص بن المغيرة المخزومي طلقها ثلاثا ثم انطلق إلى اليمن الخ... وفيه عن أبي سلمة أيضا أنها قالت:"فطلقني البتة".
قالوا: فهذه الروايات ظاهرة، في أن الطلاق كان بالثلاث المجتمعة، ولا سيما

(1/113)


--------------------------------------------------------------------------------

حديث الشعبي؛ لقولها فيه: فأجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا يحتاج إلى الإخبار بإجازته إلا الثلاث المجتمعة، ورد الاستدلال بهذا الحديث بما ثبت في بعض الروايات الصحيحة، كما أخرجه مسلم من رواية أبي سلمة أيضا: أن فاطمة أخبرته أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة فطلقها آخر ثلاث تطليقات.
فهذه الرواية تفسر الروايات المتقدمة، وتظهر أن المقصود منها أن ذلك وقع مفرقا لا دفعة، ورد بعضهم هذا الاعتراض بأن الروايات المذكورة تدل على عدم تفريق الصحابة والتابعين بين صيغ البينونة الثلاث، يعنون لفظ البتة والثلاث المجتمعة، والثلاث المتفرقة؛ لتعبيرها في بعض الروايات بلفظ طلقني ثلاثا، وفي بعضها بلفظ: طلقني البتة، وفي بعضها بلفظ: فطلقني آخر ثلاث تطليقات. فلم تخص لفظا منها عن لفظ؛ لعلمها بتساوي الصيغ.
ولو علمت أن بعضها لا يحرم لاحترزت منه.
قالوا: والشعبي قال لها: حدثيني عن طلاقك، أي: عن كيفيته وحاله. فكيف يسأل عن الكيفية ويقبل الجواب بما فيه عنده إجمال من غير أن يستفسر عنه، وأبو سلمة روى عنها الصيغ الثلاث، فلو كان بينه عنده تفاوت لاعترض عليها باختلاف ألفاظها. وتثبت حتى يعلم منها بأي الصيغ وقعت بينونتها، فتركه لذلك دليل على تساوي الصيغ المذكورة عنده هكذا ذكره بعض الأجلاء.
والظاهر أن هذا الحديث لا دليل فيه؛ لأن الروايات التي فيها إجمال بينتها الرواية الصحيحة الأخرى كما هو ظاهر، والعلم عند الله تعالى.
ومن أدلتهم ما رواه أبو داود والدارقطني وقال: قال أبو داود: هذا حديث حسن صحيح، والشافعي، والترمذي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم عن ركانة بن عبد الله أنه طلق امرأته سهيمة البتة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. فقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"والله ما أردت إلا واحدة"؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلقها الثانية في زمان عمر بن الخطاب، والثالثة في زمن عثمان "، فهذا الحديث صححه أبو داود، وابن حبان، والحاكم.
وقال فيه ابن ماجه: سمعت أبا الحسن علي بن محمد الطنافسي يقول: ما أشرف هذا الحديث.

(1/114)


--------------------------------------------------------------------------------

وقال الشوكاني في "نيل الأوطار": قال ابن كثير: قد رواه أبو داود من وجه آخر، وله طرق أخر، فهو حسن إن شاء الله. وهو نص في محل النزاع؛ لأن تحليفه صلى الله عليه وسلم لركانة ما أراد بلفظ البتة إلا واحدة دليل على أنه لو أراد بها أكثر من الواحدة لوقع، والثلاث أصرح في ذلك في لفظ البتة؛ لأن البتة كناية والثلاث صريح، ولو كان لا يقع أكثر من واحدة، لما كان لتحليفه معنى مع اعتضاد هذا الحديث بما قدمنا من الأحاديث. وبما سنذكره بعده إن شاء الله تعالى، وإن كان الكل لا يخلو من كلام، مع أن هذا الحديث تكلم فيه: بأن في إسناده الزبير بن سعيد بن سليمان بن سعيد بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي.
قال فيه ابن حجر في "التقريب": لين الحديث، وقد ضعفه غير واحد. وقيل: إنه متروك، والحق ما قاله فيه ابن حجر من أنه لين الحديث.
وذكر الترمذي عن البخاري أنه مضطرب فيه. يقال ثلاثا، وتارة قيل واحدة. وأصحها أنه طلقها البتة، وأن الثلاث ذكرت فيه على المعنى.
وقال ابن عبد البر في "التمهيد": تكلموا في هذا الحديث، وقد قدمنا آنفا تصحيح أبي داود، وابن حبان، والحاكم له، وأن ابن كثير قال: إنه حسن وإنه معتضد بالأحاديث المذكورة قبله، كحديث ابن عمر عند الدارقطني، وحديث الحسن عند البيهقي، وحديث سهل بن سعد الساعدي في لعان عويمر وزوجه، ولا سيما على رواية فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني الثلاث بلفظ واحد كما تقدم.
ويعتضد أيضا بما رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، عن حماد بن زيد، قال: قلت لأيوب: هل علمت أحدا قال في أمرك بيدك أنها ثلاث غير الحسن ؟ قال: لا، ثم قال: اللهم غفرا إلا ما حدثني قتادة عن كثير، مولى ابن سمرة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث". فلقيت كثيرا فسألته فلم يعرفه فرجعت إلى قتادة فأخبرته فقال: نسي.
وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، وتكلم في هذا الحديث من ثلاث جهات:
الأولى: أن البخاري لم يعرفه مرفوعا، وقال إنه موقوف على أبي هريرة ويجاب عن هذا: بأن الرفع زيادة، وزيادة العدل مقبولة، وقد رواه سليمان بن حرب، عن

(1/115)


--------------------------------------------------------------------------------

حماد بن زيد مرفوعا وجلالتهما معروفة.
قال في "مراقي السعود": [الرجز]
والرفع والوصل وزيد اللفظ ... مقبولة عند إمام الحفظ
الثانية: أن كثيرا نسيه، ويجاب عن هذا بأن نسيان الشيخ لا يبطل رواية من روى عنه؛ لأنه يقل راو يحفظ طول الزمان ما يرويه، وهذا قول الجمهور.
وقد روى سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قضى بالشاهد واليمين ونسيه، فكان يقول: حدثني ربيعة عني ولم ينكر عليه أحد، وأشار إليه العراقي في ألفيته بقوله: [الرجز]
وإن يرده بلا أذكر أو ... ما يقتضي نسيانه فقد رأوا
الحكم للذاكر عند المعظم ... وحكي الإسقاط عن بعضهم
كقصة الشاهد واليمين إذ ... نسيه سهيل الذي أخذ عنه،
فكان بعد عن ربيعه ... عن نفسه يرويه لن يضيعه
الثالثة: تضعيفه بكثير مولى ابن سمرة، كما قال ابن حزم إنه مجهول، ويجاب عنه بأن ابن حجر قال في "التقريب": إنه مقبول، ومن أدلتهم ما رواه الدارقطني من حديث زاذان عن علي رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا طلق البتة فغضب، وقال: "أتتخذون آيات الله هزوا ؟ أو دين الله هزوا، أو لعبا ؟ من طلق البتة ألزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره"، وفيه إسماعيل بن أمية، قال فيه الدارقطني: كوفي ضعيف.
ومن أدلتهم ما رواه الدارقطني من حديث حماد بن زيد، حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت معاذ بن جبل يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا معاذ من طلق للبدعة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا ألزمناه بدعته" ، وفي إسناده إسماعيل بن أمية الذارع وهو ضعيف أيضا. فهذه الأحاديث وإن كانت لا يخلو شيء منها من مقال فإن كثرتها واختلاف طرقها وتباين مخارجها يدل على أن لها أصلا، والضعاف المعتبر بها إذا تباينت مخارجها شد بعضها بعضا فصلح مجموعها للاحتجاج، ولا سيما أن منها ما صححه بعض العلماء كحديث طلاق ركانة البتة، وحسنه ابن كثير ومنها ما هو صحيح، وهو رواية إنفاذه صلى الله عليه وسلم طلاق عويمر ثلاثا،

(1/116)


--------------------------------------------------------------------------------

مجموعة عند أبي داود.
وقد علمت معارضة تضعيف حديث ابن عمر عند الدارقطني من جهة عطاء الخراساني، ومعلى بن منصور، وشعيب بن زريق، إلى آخر ما تقدم: [الخفيف]
لا تخاصم بواحد أهل بيت ... فضعيفان يغلبان قويا
وقال النووي في "شرح مسلم"، ما نصه: واحتج الجمهور بقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [65/1].
قالوا: معناه أن المطلق قد يحدث له ندم فلا يمكنه تداركه؛ لوقوع البينونة، فلو كانت الثلاث لا تقع لم يقع طلاقه هذا إلا رجعيا، فلا يندم. اهـ محل الغرض منه بلفظه.
قال مقيده عفا الله عنه: ومما يؤيد هذا الاستدلال القرآني ما أخرجه أبو داود بسند صحيح من طريق مجاهد قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال إنه طلق امرأته ثلاثا، فسكت حتى ظننت أنه سيردها إليه، فقال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة، ثم يقول يا ابن عباس، إن الله قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [65/2]، وإنك لم تتق الله، فلا أجد لك مخرجا، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك. وأخرج له أبو داود متابعات عن ابن عباس بنحوه، وهذا تفسير من ابن عباس للآية بأنها يدخل في معناها {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ} ، ولم يجمع الطلاق في لفظة واحدة يجعل له مخرجا بالرجعة، ومن لم يتقه في ذلك بأن جمع الطلقات في لفظ واحد لم يجعل له مخرجا بالرجعة؛ لوقوع البينونة بها مجتمعة، هذا هو معنى كلامه، الذي لا يحتمل غيره. وهو قوي جدا في محل النزاع؛ لأنه مفسر به قرآنا، وهو ترجمان القرآن وقد قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم علمه التأويل" . وعلى هذا القول جل الصحابة، وأكثر العلماء، منهم الأئمة الأربعة. وحكى غير واحد عليه الإجماع، واحتج المخالفون بأربعة أحاديث الأول: حديث ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس عند أحمد وأبي يعلى، وصححه بعضهم قال: "طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف طلقتها" ؟ قال: ثلاثا في مجلس واحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما تلك واحدة، فارتجعها إن شئت" فارتجعها.
قال مقيده عفا الله عنه: الاستدلال بهذا الحديث مردود من ثلاثة أوجه:

(1/117)


--------------------------------------------------------------------------------

الأول: أنه لا دليل فيه البتة على محل النزاع على فرض صحته، لا بدلالة المطابقة، ولا بدلالة التضمن، ولا بدلالة الالتزام؛ لأن لفظ المتن أن الطلقات الثلاث واقعة في مجلس واحد، ولا شك أن كونها في مجلس واحد لا يلزم منه كونها بلفظ واحد، فادعاء أنها لما كانت في مجلس واحد، لا بد أن تكون بلفظ واحد في غاية البطلان كما ترى؛ إذ لم يدل كونها في مجلس واحد، على كونها بلفظ واحد. بنقل ولا عقل، ولا لغة كما لا يخفى على أحد. بل الحديث أظهر في كونها ليست بلفظ واحد، إذ لو كانت بلفظ واحد، لقال بلفظ واحد وترك ذكر المجلس؛ إذ لا داعي لترك الأخص والتعبير بالأعم بلا موجب، كما ترى.
وبالجملة فهذا الدليل يقدح فيه بالقادح المعروف عند أهل الأصول بالقول بالموجب، فيقال: سلمنا أنها في مجلس واحد، ولكن من أين لك أنها بلفظ واحد فافهم. وسترى تمام هذا المبحث إن شاء الله، في الكلام على حديث طاوس عند مسلم.
الثاني: أن داود بن الحصين الذي هو راوي هذا الحديث عن عكرمة ليس بثقة في عكرمة.
قال ابن حجر في "التقريب": داود بن الحصين الأموي مولاهم أبو سليمان المدني ثقة إلا في عكرمة، ورمى برأي الخوارج اهـ. وإذا كان غير ثقة في عكرمة كان الحديث المذكور من رواية غير ثقة. مع أنه قدمنا أنه لو كان صحيحا لما كانت فيه حجة.
الثالث: ما ذكره ابن حجر في "فتح الباري"، فإنه قال فيه ما نصه: الثالث: أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة، وهو تعليل قوي؛ لجواز أن يكون بعض رواته حمل البتة على الثلاث، فقال طلقها ثلاثا، فبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث ابن عباس. اهـ منه بلفظه.
يعني حديث ابن إسحاق عن داود بن الحصين المذكور عن عكرمة، عن ابن عباس، مع أنا قدمنا أن الحديث لا دليل فيه أصلا على محل النزاع. وبما ذكرنا يظهر سقوط الاستدلال بحديث ابن إسحاق المذكور.
الحديث الثاني من الأحاديث الأربعة التي استدل بها من جعل الثلاث واحدة: هو

(1/118)


--------------------------------------------------------------------------------

ما جاء في بعض روايات حديث ابن عمر، من أنه طلق امرأته في الحيض ثلاثا فاحتسب بواحدة، ولا يخفى سقوط هذا الاستدلال، وأن الصحيح أنه إنما طلقها واحدة، كما جاء في الروايات الصحيحة عند مسلم وغيره.
وقال النووي في "شرح مسلم"، ما نصه: وأما حديث ابن عمر فالروايات الصحيحة التي ذكرها مسلم وغيره أنه طلقها واحدة.
وقال القرطبي في "تفسيره"، ما نصه: والمحفوظ أن ابن عمر طلق امرأته واحدة في الحيض.
قال عبد الله: وكان تطليقه إياها في الحيض واحدة؛ غير أنه خالف السنة. وكذلك قال صالح بن كيسان، وموسى بن عقبة، وإسماعيل بن أمية. وليث بن سعد، وابن أبي ذئب، وابن جريج، وجابر، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن نافع، أن ابن عمر طلق تطليقة واحدة.
وكذا قال الزهري عن سالم عن أبيه، ويونس بن جبير والشعبي والحسن. اهـ منه بلفظه. فسقوط الاستدلال بحديث ابن عمر في غاية الظهور.
الحديث الثالث من أدلتهم: هو ما رواه أبو داود في "سننه"، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني بعض بني أبي رافع، مولى النبي صلى الله عليه وسلم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طلق عبد يزيد ـ أبو ركانة وإخوته، أم ركانة، ونكح امرأة من مزينة، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة ـ لشعرة أخذتها من رأسها ـ ففرق بيني وبينه. فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حمية، فدعا بركانة وإخوته، ثم قال لجلسائه: "أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد ؟ وفلانا يشبه منه كذا وكذا" ؟ قالوا: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "طلقها" ، ففعل، فقال: "راجع امرأتك أم ركانة" ، فقال: "إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله، قال: "قد علمت، راجعها"، وتلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [65/1].
قال مقيده عفا الله عنه: والاستدلال بهذا الحديث ظاهر السقوط؛ لأن ابن جريج قال: أخبرني بعض بني أبي رافع، وهي رواية عن مجهول لا يدرى من هو ؟ فسقوطها كما ترى. ولا شك أن حديث أبي داود المتقدم أولى بالقبول من هذا الذي لا خلاف في

(1/119)


--------------------------------------------------------------------------------

ضعفه.
وقد تقدم أن ذلك فيه أنه طلقها البتة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أحلفه ما أراد إلا واحدة، وهو دليل واضح على نفوذ الطلقات المجتمعة كما تقدم.
الحديث الرابع هو ما أخرجه مسلم في "صحيحه": حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع واللفظ لابن رافع.
قال إسحاق: أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا روح بن عبادة، أخبرنا ابن جريج، وحدثنا ابن رافع واللفظ له، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني ابن طاوس عن أبيه، أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثا من إمارة عمر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/5abr.3ala.sari3
 
تفسير اضواء البيان سورة البقرة 6
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير اضواء البيان سورة البقرة 5
» تفسير اضواء البيان سورة البقرة 7
» تفسير اضواء البيان سورة البقرة 8
» تفسير اضواء البيان سورة البقرة 9
» تفسير اضواء البيان سورة البقرة 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنوز النت الإسلامية :: © الأقسام الإسلامية © :: ©تحفيظ وتفسير القرآن الكريم©-
انتقل الى: