التوضيحات الجلية في بيان فساد منهج المدرسة الصوفية الحضرمية

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

إن الإسلام في أصوله وأحكامه وخصائصه ثابت لا يتغير، والمنتسبون إليه يتغيرون ويختلفون ، فمنهم الكامل ، ومنهم دون ذلك ، ومنهم المفرط ، وفيهم من ليس له من الإسلام إلا الاسم . فالتفاوت بحسب تطبيقهم لأْصوله وأْحكامه .
والتصوف فكرة ونحلة قديمة ، موجودة قبل الإسلام ، أصولها وأحكامها معروفة مستقرة ثابتة، بإقرار كافة الباحثين من متصوفة وغير متصوفة ومستشرقين . والمنتسبون للتصوف منهم المتحقق به ومنهم دون ذلك، ومنهم من ليس له إلا الاسم دون الحقيقة.

وبناء على هذا : إن أردنا التعرف على دين أو نحلة أو فكرة ما ، فعلينا أن نعتمد مصادرها التي منها نبعت وظهرت ، وبذلك نفهم حقيقة الفكرة كما هي . ولا يصح أن نلجأ إلى المنتسبين فنعتمدهم مصدراً ، إذ يتفاوتون في حقيقة الالتزام والتطبيق .
فالإسلام مثلا : لا تُعرف حقيقته كما هي إلا من خلال القران والسنة . أما محاولة معرفة ذلك من خلال ما يصدر من المسلمين فهو محض الخطأ ؛ فليسوا كلهم يطبقون الإسلام كما هو، وليس كل ما يصدر منهم يكون بالضرورة عن تطبيق لتعاليم الإسلام .

وكذلك التصوف لا يمكن معرفة حقيقته كما هي إلا بالوقوف على مصادره الأصلية ، وهو الذي نشأ و تأسس واستقر عليه في الثقافات القديمة ، بشهادة كافة الباحثين . أما الاعتماد على المنتسبين المقلدين من المسلمين فخطأ منهجي([1]).
ونستفيد من هذا التفصيل عند مناقشتنا لشبه المتصوفة وتلبيساتهم ، حين يخلطون بين تعاليم التصوف بتعاليم الإسلام ؛ بل يفرضون على العوام والجهال التصوف على أنه الإسلام ، مع التغييب المتعمد لحقيقة الإسلام ، فنشأت أجيال لا تعرف الإسلام إلا بمظهر التصوف ولباسه .

وصوفية حضرموت([2]) كغيرهم من صوفية العالم الإسلامي فكر واحد وشعائر واحدة وإن وجد اختلاف فهو شكلي ؛ وإن حاول أهله أن يجملوا صورته ويزعموا أنهم مدرسة فريدة قائمة على التعاليم الإسلامية والعقيدة الحنيفية ، والحقيقة أن كل ذلك دعاوى تفتقد إلى البينات ، وأماني تتبدد أمام الأدلة والبراهين الدامغات التي تبين وتكشف الأصول التي نشأت عليها مدرستهم الصوفية من كتبهم ومراجعهم قديما وحديثا.
ومن المدافعين في هذا العصر عن المدرسة الصوفية الحضرمية الشيخ أبوبكر المشهور العدني – هداه الله ووفقه للحق والصواب - ، حيث كتب في تزكية هذه المدرسة والدعوة إلى التزامها ونبذ كل ما يخالفها رسائل عديدة لا يخفى على المنصف تعصبه فيها .

وقبل الخوض في الردود أحب أن أذكر للقارئ الكريم بعض الأصول الهامة في الاعتقاد مما يجب على كل مسلم الإيمان به مما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع المسلمين لننظر ونقارن بين ما عليه تعاليم الإسلام وبين ما عليه صوفية حضرموت من ضلال وانحراف :

[1]) انظر ( مجلة البيان ) العدد 199 تحت مقال بعنوان " منهج في دراسة التصوف " للشيخ / لطف الله خوجة .
[2] ) حضرموت : محافظة يمنية عريقة تحتل مساحة واسعة من اليمن جهة الشرق ، وغالب أهلها على التصوف في السلوك ، وعلى المذهب الأشعري في الاعتقاد ، وعلى المذهب الشافعي في الفقه .
[3] ) انظر ( الإحياء : 4 \ 253 )



[4] ) يعتقد صوفية حضرموت بأبي حامد الغزالي اعتقاداً عظيماً ، ويعظمون كتبه جدا ، وخاصة ( إحياء علوم الدين ) . وأنا حينما احتج عليهم بما فيه ، فإنما هو من إقرارهم أنفسهم على الاحتجاج بما فيه .

* كتب الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر إلى السيد عيد روس بن عمر الحبشي وصية قال فيها : ( فصل ) : ألا فمن أراد النجاة و السلامة من شرور الدنيا والآخرة فعليه العمل بما جاء في كتاب ( إحياء علوم الدين ) ، كما قال ذلك أولياء الله العارفون ) . أنظر ( تقليب الأرض الخاشعة : 129) للمشهور .


= * وقال المشهور في ( المناصرة والمؤازرة : 61 ) : ( .. ومن طريقتهم حفظ أبنائهم وتلامذتهم من الاعتقادات الفاسدة .. والحث على التمسك بما في كتاب ( الإحياء ) للغزالي ، لما فيه من تدقيق علوم النفس والقلب ومعالجة أمراضهما ، ومن أراد أن يصح قلبه فليداوم على قراء ته ) .

* وكتب عبد الله بن علوي الحداد إلى بعض أصحابه موصياً : ( وعليك بالعلوم الغزالية وما جرى مجراها من الصوفيات ) . انظر ( تقليب الأرض الخاشعة :50\51 ) للمشهور .
* وقال المشهور في ( تقليب الأرض الخاشعة : 51 ): ( .. وغالب ما يوصي به السلف لأبنائهم ومريد يهم في المطالعة بقراءة الكتب الغزالية المذكورة في كلامه ، خصوصاً لما فيها من التحقيق والتدقيق المبني على الشرع الحنيف ، ولما جمع الله لصاحبه من العلم والعمل ونور القلب .. فكتابه ( بداية الهداية ) يعد لدى السلف الصالح أول كتب المبتدئين قراءة وتطبيقاً، وفيه يقولون : من قرأ ( بداية الهداية ) رزق الهداية . وكتابه( منهاج العابدين ) و ( ميزان العمل ) و( الأربعين ) وغيرها من الكتب والرسائل الشافية الوافية ،يجعلها السلف الصالح لهم ولمريديهم سلم الترقي في تربية النفس ، وإقامة العدل ، والعلم النافع .
وأعظم ما يرغب سلفنا ويوصون به وبقراءته تحقيقاً وتطبيقاً ( إحياء علوم الدين ) ولهم فيه مقولات تحث على قراءته ومطالعته والعمل بما فيه .. فمما قاله سلفنا عن ( الإحياء) : من طالع الإحياء رزق الخوف من الله تعالى ، ومن اشتغل بالإحياء قراءة ومطالعة فقد تحقق بالعلم ، ومن أراد أن يصحح قلبه فليداوم على قراءتها .
ولا يحب كتب الغزالي إلا نير القلب ، منصف من نفسه .. ولا يتم سلوكه حتى يقرأ كتب الغزالي ، فإنها تعينه على السلوك وتخرجه من شر نفسه وغلبة هواه ، ويعرف بها كيد الشيطان لعنه الله ، حتى أن بعض السلف حفظ ( الإحياء ) كله ، ومنهم من قرئ عليه المرات العديدة . وفيه يقول الحبيب عبدالله بن علوي الحداد :
بإحـياء علوم الدين تحيا قلوبنا ويكشف عنا غمنا وكروبنا
كتاب حوى العلم الذي هو نافع مؤلفــه أســتاذنا وطـبيــبنا
كتـاب حوى عـلم الكتاب وسنة ومـا قـاله أواهنـا ومنـيبـنا ) . أ . هـ
( قلت ) : هذا بعض ما حظي به الغزالي من مديح لذاته ومؤلفاته ، حتى فاق الصحابة عندهم ، ورفعوا مؤلفاته حتى صارت عندهم قرءانا . لكن ستفاجأ حين تقرأ ما سننقله عن الغزالي من أوابد و طامات ، وأوهام وخيالات ، وبدع ومنكرات ، سطرها الغزالي في كتبه ، وهي فلسفات يونانية ، و شركيات بوذية ، ورهبنة نصرانية ، هي وغيرها التي انحرفت بالأمة عن نور القرءان والسنة ، وكل ذلك ستراه في حينه موثقاً من مصدره .
[5] ) انظر كتاب ( الشيخ المحضار : 20 ) ، للمشهور .
1) تقليب الأرض الخاشعة : 45 .
[7] ) انظر كتاب (الفكر والمجتمع في حضرموت ) لكرامة مبارك سليمان بامؤمن .
[8] ) ( العلم النبراس في التنبيه على منج السادة الأكياس : 26 ) ، للسيد عبد الله بن علوي العطاس .
[9] ) جلاء الهم والحزن : 29 ، لأبي بكر المشهور .
[10] ) الفكر والمجتمع في حضرموت : 214 .
[11] ) أي أنه لا يدخل في الآية ! .. سبحانك هذا بهتان عظيم ! .
[12] ) ماذا أغنى عنه قوله هذا ؟ ، أليس هو الآن تحت التراب ، شاء أم أبى ؟ .
[13] ) يعتقد صوفية حضرموت في ( ابن عربي ) اعتقادات عظيمة من الولاية والصلاح وسعة العلم ، وقد استفاضت كتبهم بالثناء عليه وعلى كتبه . فهذا ( المشهور ) بنفسه يقول في كتابه ( جلاء الهم والحزن : 20 ) في الحاشية ، معلقا على قول ( أبي بكر العيدروس ) : " وكان والدي ينهى عن مطالعة كتاب ( الفتوحات ) و ( الفصوص ) لابن عربي ، ويأمر بحسن الظن فيه ، ويقول : إن كتبه اشتملت على حقائق لا يدركها إلا أرباب النهايات ، وتضر بأرباب البدايات " .
قال المشهور : ( في هذه العبارة إشارة إلى ما يسمى اليوم بالمستوى، حيث يشير الإمام العيدروس لولده أن كثيرا من الكتب التي سبح مؤلفوها في بحور الحقائق ، لا تتلائم مع المبتدئ ، لعدم تأهله لفهم ما فيها وأما أرباب النهايات ، وهم ما يمكن أن نطلق عليهم اليوم ( المتخصصين ) ، فهم قادرون على فهم العبارة ) .
إذن : هذا هو عين المدح والثناء لابن عربي وكتبه ، حيث وصفت علومه بأنها تشتمل على ( الحقائق ) ؛ بل يسبح في بحور الحقائق ، بل من نفاسة علومه أنه لا يفهمها إلا ( الكبار) وهم ( المتخصصون ) عند المشهور و( أرباب النهايات) عند العيدروس .
[14] ) هو أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري الشافعي المصري المعروف بالشعراني ، من أعيان القرن العاشر الهجري ، غلا في التصوف حتى جاء بالعجائب والطامات في كتبه ، من أشهر كتبه ( الطبقات ) ، أورد فيه ما يخجل الإنسان من ذكره !! .
[15] ) انظر ( النفائس العلوية في المسائل الصوفية : 123 ) .
[16] ) المصدر السابق ، ص : 123 .
[17] ) المصدر السابق ، ص : 132 .
[18] ) أخرجه الحاكم في مستدركه ، وهو في ( صحيح الجامع ) ، برقم : 328 .
[19] ) انظر ( المناصرة والمؤازرة : 62 ) ، للمشهور .
[20] ) انظر كتاب ( التجانية : 221 ) ، لعلي بن محمد الدخيل الله .
[21] ) تقليب الأرض الخاشعة : 25 ، لأبي بكر المشهور .
[22] ) المصدر السابق : 29 .
( [23] النفائس العلوية : 13 .
[24] ) الحال : هو ما يرد على القلب بمحض الموهبة ، كالبسط والقبض والشوق والذوق ..
[25] ) انظر ( الفكر والمجتمع في حضرموت : 219 ) .
[26] ) انظر ( شرح العينية : 193 ) .
[27] ) القطب: وهو أكبر الأولياء جميعا ، ويقال له ( الغوث ) ، وهو الخليفة الأعظم عن الله في جميع الوجود جملة وتفصيلا ، حيثما كان الرب إلها ، كان هو خليفة في تصريف الحكم ! . انظر ( جواهر المعاني : 2/ 90).
ومثل هذا التعريف ذكره أحمد بن عبد الله بن شهاب في كتابه ( التعرف على التصوف ) . وعلى الرغم من صغر كتابه هذا فإنه شحنه بالبلايا ، وقدم له الشيخ ( المشهور )- أصلحه الله - في مقدمته بالثناء مفتخرا به وبأمثاله !! .
[28] ) الحضرة : مشتقة من الحضور ، لكن حضور من ؟ ، إنهم يزعمون أن النبي r ، وكذا بقية الأنبياء والملائكة والأولياء ، الأحياء منهم والأموات يحضرونها ! ، نعم هكذا يقولون .. قال صاحب ( شرح العينية : 159 ) :( وكانت لسيدنا الفقيه نفع الله به حضرات = محضورة ، ومشاهد مشهورة ، ومجالس مشهودة ، يشهدها الملآئكة والأنبياء ورجال الغيب والخضر والأولياء والصالحون ، الأحياء بأجسامهم ، والأموات بأرواحهم ) !! .
أقول : بالله عليكم هل سمعتم قط ، خرافة مثل هذه ؟! ، لكنه التصوف !!! .
[29] ) رواه أبو داود
[30] ) إغاثة اللهفان : 1/ 70 ، لابن القيم .
[31] ) الاعتصام : 2/ 267 ، للشاطبي .
[32] ) الأبنية الفكرية : 63 ، لأبي بكر المشهور .
[33] ) انظر كتاب ( القبورية في اليمن : 196 ، 197 ) ، للشيخ أحمد بن حسن المعلم .
[34] ) القبورية في اليمن : 197 .
[35] ) الفكر والمجتمع في حضرموت : 252 ، 253 ، وانظر كذلك ( شرح العينية 167 ) .
[36] ) الباب عند الشيعة هو المبلغ عن الإمام .
[37] ) الخانقاه : دار خاصة يقصده المنقطعون للتصوف .
[38] ) انظر كتاب ( الفكر الصوفي : 629 ، 630 ) للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق .
[39] ) انظر ( شرح العينية : 83 ) .
[40] ) انظر ( الفكر والمجتمع : 185 ) .
[41] ) التعرف على التصوف : 54 ، لأحمد بن عبد الله بن شهاب .
[42] ) انظر كتاب ( القبورية في اليمن : 194 ) للشيخ أحمد بن حسن المعلم .
[43] ) انظر كتاب ( الصحابة وأهل البيت : 1 / 320 ) للدكتور علاء بكر .
[44] ) العوام: عند الشيعة وعند المتصوفة مصطلح يطلق على المخالف لهما ولو كان إماما عالما من الفقهاء الحفاظ .
) 1 ) و ( 2 ) انظر ( الفكر الصوفي : 664 ) للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق
[46] ) الفكر والمجتمع في حضرموت :
[47] ) الشيعة الإسماعيلية رؤية من الداخل : 113 ، لعلوي طه الجبل .
[48] ) وقائل هذا البيت هو عبد القادر بن شيخ العيدروس في ( غاية القرب ) .
[49] ) وقائل هذا هو قطب الصوفية الحضارم ( الفقيه المقدم ) كما قالها قبله ( الحلاج ) .
[50] ) انظر ( شرح العينية : 185
[51] ) الفكر والمجتمع في حضرموت : 183 .
[52] ) ومثل هذا القول يقوله الشيعة الإمامية وغيرهم ، من تسلسل علوم أئمتهم ، ويرجعون في الأخير إلى علي ابن أبي طالب ، وهو قول المشهور كما في كتابه ( الأبنية الفكرية : 14 ) مفتخرا فرحا بهذه النسبة .
[53] ) الأبنية الفكرية : 13 ، للمشهور .
[54] ) الأبنية الفكرية : 19 ، 20 .
[55] ) المصدر السابق : 35 .
[56] ) المصدر السابق : 18 ( الحاشية ) .
[57] ) أبو طالب المكي : واسمه محمد بن علي بن عطية . قال الحافظ ابن حجر في كتابه ( لسان الميزان ) عن أبي طالب المكي :
( قال الـخَطِيْبُ : ذكر فـي ( القوت ) أشياء منكرة فـي الصفـات ، وكان من أهل الـجبل ، ونشأ بـ ( مكة ). وقال لـي أبو طاهر العلاف : إن أبـا طالب وعظ بـ ( بغداد ) ، وخـلط فـي كلامه . وحفظ عنه أنه قال : لـيس علـى الـمخـلوقـين أضر من الـخالق، فبدّعوه وهجروه ،
فبطّل الوعظ . مات سنة ست وثمانـين وثلاثمائة ) .
ونفس هذا الكلام ذكره أيضا الإمام الذهبي في كتابه ( سير أعلام النبلاء ) عند ترجمته له.