| شرح وتفسير جزء عم كاملاً | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: شرح وتفسير جزء عم كاملاً السبت 05 ديسمبر 2009, 7:29 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواني وأحبائي في الله...
مرحباً بكم أحبة القرآن الكريم...
في هذا القسم سوف نقوم إن شاء الله تعالى بشرح وتفسير جزء [عم] كاملاً...
نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا وأن يكون علماً نافعاً لنا جيعاً وأن يعيننا على حفظ وفهم كتابه الكريم...
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى
عدل سابقا من قبل عرباوي في الأحد 06 ديسمبر 2009, 4:26 am عدل 3 مرات | |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الناس" السبت 05 ديسمبر 2009, 7:56 pm | |
| سورة النَّاس
الاستعاذة من شر الشياطين
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة النَّاس مكية، وهي ثاني المعوذتين، وفيها الاستجارة والاحتماء برب الأرباب من شر أعدى الأعداء، إِبليس وأعوانه من شياطين الإِنس والجن، الذين يغوون الناس بأنواع الوسوسة والإِغواء.
* وقد ختم الكتاب العزيز بالمعوذتين وبدأ بالفاتحة، ليجمع بين حسن البدء، وحسن الختم، وذلك غاية الحسن والجمال، لأن العبد يستعين بالله ويلتجئ إِليه، من بداية الأمر إِلى نهايته.
الاستعاذة من شر الشياطين
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6) }
{قُلْ أَعُوذُ} أي قل يا محمد أعتصم وألتجئ وأستجير {بِرَبِّ النَّاسِ} أي بخالق الناس ومربيهم ومدبر شئونهم، الذي أحياهم وأوجدهم من العدم، وأنعم عليهم بأنواع النعم قال المفسرون: إِنما خصَّ الناس بالذكر - وإِن كان جلت عظمته رب جميع الخلائق - تشريفاً وتكريماً لهم، من حيث إِنه تعالى سخَّر لهم ما في الكون، وأمدهم بالعقل والعلم، وأسجد لهم ملائكة قدسه، فهم أفضل المخلوقات على الإِطلاق {مَلِكِ النَّاسِ} أي مالك جميع الخلق حاكمين ومحكومين، ملكاً تاماً شاملاً كاملاً، يحكمهم، ويضبط أعمالهم، ويدبّر شؤونهم، فيعز ويذل، ويغني ويُفقر {إِلَهِ النَّاسِ} أي معبودهم الذي لا ربَّ لهم سواه. قال القرطبي: وإِنما قال {مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ} لأن في الناس ملوكاً فذكر أنه ملكهم، وفي الناس من يعبد غيره فذكر إنه إِلههم ومعبودهم، وأنه الذي يجب إن يستعاذ به ويُلجأ إِليه، دون الملوك والعظماء، وترتيب السورة بهذا الشكل في منتهى الإِبداع، وذلك لأن الإِنسان أولاً يعرف أن له رباً، لما يشاهده من أنواع التربية {رَبِّ النَّاسِ} ثم إِذا تأمل عرف أن هذا الرب متصرفٌ في خلقه، غني عن خلقه فهو الملك لهم {مَلِكِ النَّاسِ} ثم إِذا زاد تأمله عرف أنه يستحق أن يُعبد، لأنه لا عبادة إِلا للغني عن كل ما سواه، المفتقر إِليه كل ما عداه {إِلَهِ النَّاسِ} وإِنما كرر لفظ الناس ثلاثاً ولم يكتف بالضمير، لإِظهار شرفهم وتعظيمهم والاعتناء بشأنهم، كما حسن التكرار في قول الشاعر:
لا أرى الموتَ يسبقُ الموتَ شيء نغَّص الموتُ ذا الغِنَى والفقيرا
قال ابن كثير: هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل "الربوبية" و "الملك" و "الإِلهية" فهو ربُّ كل شيء ومليكه وإِلهه، وجميع الأشياء مخلوقة ومملوكة له، فأُمر المستعيذَ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} أي من شر الشيطان الذي يلقي حديث السوء في النفس، ويوسوس للإِنسان ليغريه بالعصيان { الْخَنَّاسِ} الذي يخنس أي يختفي ويتأخر إِذا ذكر العبد ربه، فإِذا غفل عن الله عاد فوسوس له وفي الحديث "إِن الشيطان واضع خطمه - أنفه - على قلب ابن آدم، فإِذا ذكر الله خنس، وإِذا نسي الله التقم قلبه فوسوس" {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} أي الذي يلقي لشدّة خبثه في قلوب البشر صنوف الوساوس والأوهام. قال القرطبي: ووسوستُه هو الدعاء لطاعته بكلام خفي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع صوت {مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} {مِنْ} بيانية أي هذا الذي يوسوس في صدور الناس، هو من شياطين الجِن والإِنس كقوله تعالى: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} فالآية استعاذة من شر الإِنس والجن جميعاً، ولا شك أن شياطين الإِنس، أشدُّ فتكاً وخطراً من شياطين الجن، فإِن شيطان الجن يخنس _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الفلق" السبت 05 ديسمبر 2009, 8:00 pm | |
| سورة الْفَلَق
الاستعاذة بالله من المخلوقات الشريرة
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الْفَلَق مكية، وفيها تعليم للعباد أن يلجأوا إِلى حمى الرحمن، ويستعيذوا بجلاله وسلطانه من شر مخلوقاته، ومن شر الليل إِذا أظلم، لما يصيب النفوس فيه من الوحشة، ولانتشار الأشرار والفجار فيه، ومن شر كل حاسد وساحر، وهي إحدى المعوذتين اللتين كان صلى الله عليه وسلم يعوِّذ نفسه بهما.
الاستعاذة بالله من المخلوقات الشريرة
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ(3)وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4)وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5) }
سبب نزول المعوذتين:
السبب: قصة سحر لَبيد بن الأعصم اليهودي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين عن عائشة، فإنه سحره في جُفّ (قشر الطلع) فيه مشاطة رأسه صلى الله عليه وسلم، وأسنان مشطه، ووتر معقود فيه إحدى عشرة عُقْدة مغروز بالإبر، فأنزلت عليه المعوذتان، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد صلى الله عليه وسلم في نفسه خِفّة، حتى انحلت العُقْدة الأخيرة، فقام، فكأنما نشط من عِقال. وجعل جبريل يَرْقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول : "باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر حاسد وعَيْن، والله يشفيك".
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} أي قل يا محمد ألتجئ وأعتصم برب الصبح الذي ينفلق عنه الليل، وينجلي عنه الظلام قال ابن عباس: {الْفَلَقِ} الصبحُ كقوله تعالى: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} وفي أمثال العرب: هو أبينُ من فلق الصبح قال المفسرون: سبب تخصيص الصبح بالتعوذ أن انبثاق نور الصبح بعد شدة الظلمة، كالمثل لمجيء الفرج بعد الشدة، فكما أن الإِنسان يكون منتظراً لطلوع الصباح، فكذلك الخائف يترقب مجيء النجاح {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} أي من شر جميع المخلوقات من الإِنس، والجن، والدواب، والهوام، ومن شر كل مؤذٍ خلقه الله تعالى {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} أي ومن شر الليل إِذا أظلم واشتد ظلامه، فإِن ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإِنس والجن ولهذا قالوا في المثل "الليلُ أخفى للويل" قال الرازي: وإِنما أُمر أن يتعوذ من شر الليل، لأن في الليل تخرج السباع من آجامها، والهوام من مكانها، ويهجم السارقُ والمكابر، ويقع الحريق، ويقل فيه الغوث {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} أي ومن شر السواحر اللواتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن - أي ينفخن - فيها ليضروا عباد الله بسحرهن، ويفرقوا بين الرجل وزوجه {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} قال أبو حيّان: وسبب نزول المعوذتين قصة "لبيد بن الأعصم" الذي سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشطٍ ومشاطة وجف - قشر الطلع - طليعةٍ ذكر، ووترٍ معقود فيه إِحدى عشر عقدة، مغروزٍ بالإِبر، فأنزلت عليه المعوذتان، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد في نفسه خفة صلى الله عليه وسلم حتى انحلت العقدة الأخيرة فقام فكأنما نشط من عقال {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} أي ومن شر الحاسد الذي يتمنى زوال النعمة عن غيره، ولا يرضى بما قسمه الله تعالى له. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الاخلاص" السبت 05 ديسمبر 2009, 8:05 pm | |
| سورة الإخلاص
توحيد الله وتنزيهه
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الإِخلاص مكية، وقد تحدثت عن صفات الله جل وعلا الواحد الأحد، الجامع لصفات الكمال، المقصود على الدوام، الغني عن كل ما سواه، المتنزه عن صفات النقص، وعن المجانسة والمماثلة، وردت على النصارى بالقائلين بالتثليث، وعلى المشركين الذين جعلوا لله الذرية والبنين.
توحيد الله وتنزيهه
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4) }
سبب نزول السورة:
أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن جرير عن أبي بن كعب: أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *}.
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستهزئين: إِن ربي الذي أعبده، والذي أدعوكم لعبادته هو واحد أحد لا شريك له، ولا شبيه له ولا نظير، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهو جل وعلا واحد أحد، ليس كما يعتقد النصارى بالتثليث "الآب، والابن، وروح القدس" ولا كما يعتقد المشركون بتعدد الآلهة قال ابن جزي: واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معانٍ، كلها صحيحة في حقه تعالى:
الأول: أنه واحد لا ثاني معه فهو نفيٌ للعدد.
والثاني: أنه واحد لا نظير ولا شريك له، كما تقول: فلان واحد في عصره أي لا نظير له. والثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض.
والمراد بالسورة نفي الشريك رداً على المشركين، وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته تعالى، وذلك كثير جداً، وأوضحها أربعة براهين:
الأول: قوله تعالى {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ}؟ - وهذا دليل الخلق والإِيجاد - فإِذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات، لم يصح أن يكون واحد منها شريكاً له.
والثاني: قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} وهو دليل الإِحكام والإِبداع.
والثالث: قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا} وهو دليل القهر والغلبة.
الرابع: قوله تعالى {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} -وهو دليل التنازع والاستعلاء ثم أكد تعالى وحدانيته واستغناءه عن الخلق فقال: {اللَّهُ الصَّمَدُ} أي هو جل وعلا المقصود في الحوائج على الدوام، يحتاج إِليه الخلق وهو مستغنٍ عن العالمين قال الألوسي: الصَّمد السيدُ الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمدُ إِليه-أي يلجأ إِليه- الناسُ في حوائجهم وأمورهم{لَمْ يَلِدْ} أي لم يتخذ ولداً، وليس له أبناء وبنات، فكما هو متصف بالكمالات، منزَّه عن النقائص قال المفسرون: في الآية ردٌّ على كل من جعل لله ولداً، كاليهود في قولهم: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} والنصارى في قولهم: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} وكمشركي العرب في زعمهم أن {الملائكة بنات الله} فردَّ الله تعالى على الجميع في أنه ليس له ولد، لأن الولد لا بدَّ أن يكون من جنس والده، والله تعالى أزلي قديم، ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يكون له ولد، ولأن الولد لا يكون إِلا لمن له زوجة، والله تعالى ليس له زوجة وإِليه الإِشارة بقوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} ؟! {وَلَمْ يُولَدْ} أي ولم يولد من أبٍ ولا أُمٍ، لأن كل مولود حادث، والله تعالى قديم أزلي، فلا يصح أن يكون مولوداً ولا أن يكون له والد، وقد نفت الآية عنه تعالى إِحاطة النسب من جميع الجهات، فهو الأول الذي لا ابتداء لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} أي وليس له جل وعلا مثيلٌ، ولا نظير، ولا شبيه أحدٌ من خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} قال ابن كثير: هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه، أو قريب يدانيه ؟ تعالى وتقدَّس وتنزَّه، وفي الحديث القدسي (يقول الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إِياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إِعادته، وأما شتمه إِياي فقوله: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وأنا الأحد الصمد، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ). _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "المسد" السبت 05 ديسمبر 2009, 8:07 pm | |
| سورة المسد
جزاء أبي لهب وامرأته
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة المسد مكية، وتسمى سورة اللهب، وسورة تبَّتْ، وقد تحدثت عن هلاك "أبي لهب" عدّو الله ورسوله، الذي كان شديد العداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يترك شغله ويتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ليفسد عليه دعوته، ويصدَّ الناس عن الإِيمان به، وقد توعدته السورة في الآخرة بنارٍ موقدة يصلاها ويشوى بها، وقرنت زوجته به في ذلك، واختصها بلون من العذاب شديد، هو ما يكون حول عنقها من حبلٍ من ليفٍ تجذب به في النار، زيادة في التنكيل والدمار.
جزاء أبي لهب وامرأته
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(1)مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ(2)سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ(3)وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ(4)فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ(5) }
سبب النزول:
عن ابن عباس قال: لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ونادى: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون من قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إِذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو الخبر، فاجتمعت قريش وجاء عمه "أبو لهب" فقالوا: ما وراءك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أرأيتكم لو أخبرتكم أنَّ خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدِّقي ؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً قط، قال: {نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} فقال له أبو لهب: تباً لك يا محمد سائر اليوم، ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} .. السورة.
ب- وعن طارق المحاربي قال: "بينا أنا بسوق ذي المجاز إِذْ أنا بشاب حديث السن يقول أيها الناس: "قولوا لا إِله إِلا الله تفلحوا" وإِذا رجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه - مؤخر القدم - ويقول : يا أيها الناس إِنه كذابٌ فلا تصدقوه، فقلت: من هذا ؟ فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي، وهذا عمه "أبو لهب" يزعم أنه كذاب".
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} أي هلكت يدا ذلك الشقي {أَبِي لَهَبٍ} وخاب وخسر وضلَّ عمله {وَتَبَّ} أي وقد هلك وخسر، الأول دعاءٌ، والثاني إِخبارٌ كما يقال: أهلكه اللهُ وقد هلك قال المفسرون: التبات هو الخسار المفضي إِلى الهلاك، والمراد من اليد صاحبُها، على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله وجميعه، وأبو لهب هو "عبد العُزى بن عبد المطلب" عم النبي صلى الله عليه وسلم وامرأته العوراء "أم جميل" أخت أبي سفيان، وقد كان كلٌ منهما شديد العداوة للرسول صلى الله عليه وسلم فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وفي يدها فهْر - قطعة - من الحجارة، فلما دنت من الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الله بصرها عنه فلم تر إِلاّ أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر: بلغني أن صاحبك يهجوني، فوالله لو وجدته لضربت بهذا الحجر فاه، ثم أنشدت تقول:
مُذمَّماً عصينا. وأمره أبينَا. ودينه قليْنا
ثم انصرفت فقال أبو بكر يا رسول الله: أما تراها رأتك ؟ قال: ما رأتني لقد أخذ الله بصرها عني، وكانت قريش يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون: مذمماً بدل "محمد" وكان يقول صلوات الله عليه: ألا تعجبون كيف صرف الله عني أذى قريش ؟ يسبون ويهجون مذمماً وأنا محمد! ؟ قال الخازن: فإِن قلت: لم كناه وفي التكنية تشريف وتكرمة؟ فالجواب من وجوه:
أحدهما: أنه كان مشتهراً بالكنية دون الاسم، فلو ذكره باسمه لم يعرف.
الثاني: أنه كان اسمه "عبد العزى" فعدل عنه إِلى الكنية لما فيه من الشرك -لأن العزَّى صنم فلم تضف العبودية إِلى صنم.
الثالث: أنه لما كان من أهل النار، ومآله إِلى النار، والنارُ ذاتُ لهب، وافقت حاله كنيته وكان جديراً بأن يذكر بها {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} أي لم يفده ماله الذي جمعه، ولا جاهه وعزه الذي اكتسبه قال ابن عباس: {وَمَا كَسَبَ} من الأولاد، فإِن ولد الرجل من كسبه .. روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إِلى الإِيمان، قال أبو لهب: إِن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإِني أفتدي نفسي من العذاب بمالي وولدي فنزلت قال الألوسي: كان لأبي لهب ثلاثة أبناء "عُتبة" و "معتب" و "عُتيبة" وقد أسلم الأولان يوم الفتح، وشهدا حنيناً والطائف، وأما "عُتيبة" فلم يسلم، وكانت "أم كلثوم" بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، وأختها "رُقية" عند أخيه عُتبة، فلما نزلت السورة قال أبو لهب لهما: رأسي ورأسكما حرام إِن لم تطلقا ابنتي محمد، فطلقاهما ولما أراد "عُتيبة" - بالتصغير - الخروج إلى الشام مع أبيه قال: لآتينَّ محمداً وأوذينَّه فأتاه فقال يا محمد: إِني كافر بالنجم إِذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل أمام النبي صلى الله عليه وسلم وطلَّق ابنته "أم كلثوم" فغضب صلى الله عليه وسلم ودعا عليه فقال: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك) فافترسه الأسد، وهلك أبو لهب بعد وقعة بدر بسبع ليالٍ بمرضٍ معدٍ كالطاعون يسمى "العدسة" وبقي ثلاثة أيام حتى أنتن، فلما خافوا العار حفروا له حفرة ودفعوه إِليها بعود حتى وقع فيها ثم قذفوه بالحجارة حتى واروه، فكان الأمر كما أخبر به القرآن {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} أي سيدخل ناراً حامية، ذات اشتعال وتوقُّد عظيم، وهي نار جهنم {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} أي وستدخل معه نار جهنم، امرأته العوراء "أم جميل" التي كانت تمشي بالنميمة بين الناس، وتوقد بينهم نار العداوة والبغضاء قال أبو السعود: كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لإِيذائه وقال ابن عباس: كانت تمشي بالنميمة بين الناس لتفسد بينهم {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} أي في عنقها حبلٌ من ليف قد فتل فتلاً شديداً، تعذب به يوم القيامة قال مجاهد: هو طوقٌ من حديد وقال ابن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت: واللاتِ والعُزَّى لأنفقنها في عداوة محمد، فأعقبها الله منها حبلاً في جيدها من مسد النار. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "النصر" السبت 05 ديسمبر 2009, 8:09 pm | |
| سورة النصر
قرب أجل النبي صلى الله عليه وسلم
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة النصر مدنية، وهي تتحدث عن "فتح مكة" الذي عزَّ به المسلمون، وانتشر الإِسلام في الجزيرة العربية، وتقلمت أظافر الشرك والضلال، وبهذا الفتح المبين دخل الناس في دين الله، وارتفعت راية الإِسلام، واضمحلت ملة الأصنام، وكان الإِخبار بفتح مكة قبل وقوعه، من أظهر الدلائل على صدق نبوته عليه أفضل الصلاة والسلام.
قرب أجل النبي صلى الله عليه وسلم
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ(1)وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا(2)فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا(3) }.
سبب نزولها:
أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال: "كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُدْخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وَجَد في نفسه، فدعاهم ذات يوم، فأدخله معهم. قال ابن عباس: فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم، فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نَصَرنا وفتَح علينا، وسكت بعضهم، فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول ؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول".
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكّره ربه بالنعمة والفضل عليه وعلى سائر المؤمنين، والمعنى: إِذا نصرك الله يا محمد على أعدائك، وفتح عليك مكة أم القرى قال المفسرون: الإِخبارُ بفتح مكة قبل وقوعه إِخبارٌ بالغيب، فهو من أعلام النبوَّة {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} أي ورأيت العرب يدخلون في الإِسلام جماعاتٍ جماعات من غير حربٍ ولا قتال، وذلك بعد فتح مكة صارت العرب تأتي من أقطار الأرض طائعة قال ابن كثير: إِنَّ أحياء العرب كانت تنتظر فتح مكة، يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبيٌّ، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجاً فلم تمض سنتان حتى استوثقت جزيرة العرب إِيماناً، ولم يبق في سائر قبائل العرب إِلا مظهرٌ للإِسلام {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي فسبّح ربك وعظمه ملتبساً بحمده على هذه النعم، واشكره على ما أولاك من النصر على الأعداء، وفتح البلاد، وإِسلام العباد {وَاسْتَغْفِرْهُ} أي اطلب منه المغفرة لك ولأُمتك {إِنَّهُ كانَ تَوَّابًا} أي إِنه جلّ وعلا كثير التوبة، عظيم الرحمة لعباده المؤمنين. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الكافرون" السبت 05 ديسمبر 2009, 8:11 pm | |
| سورة الْكَافِرُون
البراءة من الشرك والضلال
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الْكَافِرُون مكية، وهي سورة التوحيد والبراءة من الشرك والضلال، فقد دعا المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى المهادنة، وطلبوا منه أن يعبد آلهتم سنة، ويعبدوا إِلهه سنة، فنزلت السورة تقطع أطماع الكافرين، وتفصل النزاع بين الفريقين: أهل الإِيمان، وعبدة الأوثان، وترد على الكافرين تلك الفكرة السخيفة في الحال والاستقبال.
البراءة من الشرك والضلال
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ(1)لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2)وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(3)وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ(4)وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(5)لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ(6) }.
سبب نزولها:
أخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس: "أن قريشاً دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالاً، فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوِّجوه ما أراد من النساء، فقالوا: هذا لك يا محمد، وتكفّ عن شتم آلهتنا، ولا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة، قال: حتى أنظر ما يأتيني من ربي، فأنزل الله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} إلى آخر السورة، وأنزل: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64]".
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} أي قل يا محمد لهؤلاء الكفار الذين يدعونك إِلى عبادة الأوثان والأحجار {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} أي لا أعبد هذه الأصنام والأوثان التي تعبدونها، فأنا بريءٌ من آلهتكم ومعبوداتكم التي لا تضر ولا تنفع ولا تغني عن عابدها شيئاً قال المفسرون: إِن قريشاً طلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إِلهه سنة، فقال، معاذ الله أن نشرك بالله شيئاً فقالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدّقك ونعبد إلهك، فنزلت السورة فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش، فقام على رؤوسهم فقرأها عليهم فأيسوا منه وآذوه وآذوا أصحابه وفي قوله {قُلْ} دليل على أنه مأمور بذلك من عند الله، وخطابه صلى الله عليه وسلم لهم بلفظ {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ونسبتهم إلى الكفر -وهو يعلم أنهم يغضبون من أن يُنسبوا إلى ذلك- دليلٌ على أنه محروسٌ من عند الله، فهو لا يبالي بهم ولا بطواغيتهم {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي ولا أنتم يا معشر المشركين عابدون إلهي الحق الذي أعبده وهو الله وحده، فأنا أعبد الإله الحقَّ وهو الله ربُّ العالمين، وأنتم تعبدون الأحجار والأوثان، وشتان بين عبادة الرحمن، وعبادة الهوى والأوثان !! {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ} تأكيدٌ لما سبق من البراءة من عبادة الأحجار، وقطعٌ لأطماع الكفار كأنه قال: لا أعبد هذه الأوثان في الحال ولا في الاستقبال، فأنا لا أعبد ما تعبدونه أبداً ما عشتُ، لا أعبد أصنامكم الآن، ولا فيما يستقبل من الزمان {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي ولستم أنتم في المستقبل بعابدين إِلهي الحق الذي أعبده {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} أي لكم شرككم، ولي توحيدي، وهذا غاية في التبرؤ من عبادة الكفار، والتأكيد على عبادة الواحد القهار، قال المفسرون: معنى الجملتين الأوليين: الاختلاف التام في المعبود، فإِله المشركين الأوثان، وإِله محمد الرحمن، ومعنى الجملتين الآخرتين: الاختلاف التام في العبادة، كأنه قال: لا معبودنا واحد، ولا عبادتنا واحدة. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الكوثر" الأحد 06 ديسمبر 2009, 4:30 am | |
| سورة الْكَوْثَر
إكرام النبي صلى الله عليه وسلم بنهر الكوثر
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الْكَوْثَر مكية، وقد تحدثت عن فضل الله العظيم على نبيه الكريم، بإِعطائه الخير الكثير والنعم العظيمة في الدنيا والآخرة، ومنها نهر { الْكَوْثَرَ} وغير ذلك من الخير العظيم العميم، وقد دعت الرسول إلى إِدامة الصلاة، ونحر الهدي شكراً لله.
* وختمت السورة ببشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بخزي أعدائه، ووصفت مبغضيه بالذلة والحقارة، والانقطاع من كل خير في الدنيا والآخرة، بينما ذِكرُ الرسول مرفوعٌ على المنائر والمنابر، واسمه الشريف على كل لسان، خالدٌ إِلى آخر الدهر والزمان.
إكرام النبي صلى الله عليه وسلم بنهر الكوثر
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ(1)فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(2)إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ(3)}.
سبب نزول السورة:
أخرج البزار وغيره بسند صحيح عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة، فقال له قريش: أنت سيدهم، ألا ترى هذا المنصبر المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السقاية، وأهل السدانة ! قال: أنتم خير منه، فنزلت: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}.
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم تكريماً لمقامه الرفيع وتشريفاً أي نحن أعطيناك يا محمد الخير الكثير الدائم في الدنيا والآخرة، ومن هذا الخير "نهر الكوثر" وهو كما ثبت في الصحيح (نهرٌ في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدُّر والياقوت، تربتُه أطيبُ من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأبيض من الثلج، من شرب منه شربةً لما يظمأ بعدها أبداً) عن أنس قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إِذْ أغفى إِغفاءةً ثم رفع رأسه مبتسماً فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال: أُنزلت عليَّ آنفاً سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} السورة ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم قال: فإِنه نهرٌ وعدنيه ربي عز وجل، فيه خيرٌ كثير، هو حوضٌ ترد عليه أُمتي يوم القيامة، آنيتُه عدد النجوم، فيختلج العبد - أي ينتزع ويقتطع - منهم فأقول: إِنه من أمتي! فيقال إِنك لا تدري ما أحدث بعدك) قال أبو حيان: وذكر في الكوثر ستةً وعشرون قولاً، والصحيحُ هو ما فسره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هو نهرٌ في الجنة حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربتُه أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل) وعن ابن عباس: الكوثرُ: الخير الكثير {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} أي فصلِّ لربك الذي أفاض ما أفاض عليك من الخير خالصاً لوجهه الكريم، وانحر الإِبل التي هي خيار أموال العرب شكراً له على ما أولاك ربك من الخيرات والكرامات قال ابن جزي: كان المشركون يصلون مكاءً وتصدية، وينحرون للأصنام فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: صلِّ لربك وحده، وانحر لوجهه لا لغيره، فيكون ذلك أمراً بالتوحيد والإِخلاص {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} أي إِن مبغضك يا محمد هو المنقطع عن كل خير قال المفسرون: لما مات "القاسم" ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال العاص بن وائل: دعوه فإنه رجلٌ أبتر لا عقب له -أي لا نسل له- فإِذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله تعالى هذه السورة، وأخبر تعالى أن هذا الكافر هو الأبتر وإِن كان له أولاد، لأنه مبتور من رحمة الله -أي مقطوع عنها- ولأنه لا يُذكر إِلا ذكر باللعنة، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإِن ذكره خالد إِلى آخر الدهر، مرفوع على المآذن والمنابر، مقرون بذكر الله تعالى، والمؤمنون من زمانه إِلى يوم القيامة أتباعه فهو كالوالد لهم صلوات الله وسلامه عليه. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الماعون" الأحد 06 ديسمبر 2009, 4:32 am | |
| سورة الْمَاعُون
حال الكافر الجاحد والمنافق المرائي
بَين يَدَيْ السُّورَة
* هذه السورة مكية، وقد تحدثت بإِيجاز عن فريقين من البشر هما:
أ- الكافر الجاحد لنعم الله، المكذب بيوم الحساب والجزاء.
ب- المنافق الذي لا يقصد بعمله وجه الله، بل يرائي في أعماله وصلاته.
* أما الفريق الأول: فقد ذكر تعالى من صفاتهم الذميمة، أنهم يهينون اليتيم ويزجرونه غلظةً لا تأديباً، ولا يفعلون الخير، حتى ولو بالتذكير بحق المسكين والفقير، فلا هم أحسنوا في عبادة ربهم، ولا أحسنوا إِلى خلقه.
* وأما الفريق الثاني: فهم المنافقون، الغافلون عن صلاتهم، الذين لا يؤدونها في أوقاتها، والذين يقومون بها "صورة" لا "معنى" المراءون بأعمالهم، وقد توعدت الفريقين بالويل والهلاك، وشنعت عليهم أعظم تشنيع، بأسلوب الاستغراب والتعجيب من ذاك الصنيع !!.
حال الكافر الجاحد والمنافق المرائي
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1)فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2)وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(3)فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4)الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ(5)الَّذِينَ هُمْ يُرَاءونَ(6)وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(7)}.
سبب النزول:
نزول الآية (1):
{أَرَأَيْتَ} قال ابن عباس: نزلت في العاص بن وائل السَّهْمي وقال السُّدِّي: نزلت في الوليد بن المغيرة. وقيل: في أبي جهل، كان وصياً ليتيم، فجاءه عرياناً يسأله من مال نفسه، فدفعه. وقال ابن جريج: نزلت في أبي سفيان، وكان ينحر في كل أسبوع جَزُوراً، فطلب منه يتيم شيئاً، فقَرَعه بعصاه، فأنزل الله هذه السورة.
نزول الآية (4):
{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ}: أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} قال: نزلت في المنافقين كانوا يراؤون المؤمنين بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا، ويمنعونهم العارِيّة، أي الشيء المستعار.
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} ؟ استفهام للتعجيب والتشويق أي هل عرفت الذي يكذب الجزاء والحساب في الآخرة ؟ هل عرفت من هو، وما هي أوصافه ؟ إِن أردت أنْ تعرفه {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} أي فذلك هو الذي يدفع اليتيم دفعاً عنيفاً بجفوة وغلظة، ويقهره ويظلمه ولا يعطيه حقه {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أي ولا يحث على إِطعام المسكين قال أبو حيان : وفي قوله {وَلا يَحُضُّ} إِشارة إِلى أنه هو لا يُطعم إِذا قدر، وهذا من باب الأولى لأنه إِذا لم يحضَّ غيره بخلاً، فلأن يترك هو ذلك فعلاً أولى وأحرى وقال الرازي: فإِن قيل: لِم قال {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} ولم يقل: ولا يُطعم المسكين ؟ فالجواب أنه إِذا منَع اليتيم حقه، فكيف يطعم المسكين من مال نفسه ؟ بل هو بخيل من مال غيره، وهذا هو النهاية في الخسة، ويدل على نهاية بخله، وقساوة قلبه، وخساسة طبعه، والحاصل أنه لا يُطعم المسكين ولا يأمر بإِطعامه، لأنه يكذّب بالقيامة، ولو آمن بالجزاء وأيقن بالحساب لما صدر عنه ذلك {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} أي هلاكٌ وعذابٌ للمصلين المنافين، المتصفين بهذه الأوصاف القبيحة {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} أي الذين هم غافلون عن صلاتهم، يؤخرونها عن أوقاتها تهاوناً بها قال ابن عباس: هو المصلي الذي إِن صلى لم يزح لها ثواباً، وإِن تركها لم يخش عليها عقاباً وقال أبو العالية: لا يصلونها لمواقيتها، ولا يتمون ركوعها ولا سجودها، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآية فقال: (هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها) قال المفسرون: لمَّا قال تعالى {عنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} بلفظة {عَنْ} عُلم أنها في المنافقين، ولهذا قال بعض السلف: الحمد لله الذي قال {عَنْ صَلاتِهِمْ} ولم يقل "في صلاتهم" لأنه لو قال "في صلاتهم" لكانت في المؤمنين، والمؤمنُ قد يسهو في صلاته، والفرق بين السهوين واضح، فإِن سهو المنافق سهو تركٍ وقلة التفات إِليها، فهو لا يتذكرها ويكون مشغولاً عنها، والمؤمن إِذا سها في صلاته تداركه في الحال وجبره بسجود السهو، فظهر الفارق بين السهوين، ثم زاد في بيان أوصافهم الذميمة فقال {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءونَ} أي يصلون أمام الناس رياءً ليقال إِنهم صلحاء، ويتخشعون ليقال إِنهم أتقياء، ويتصدقون ليقال إِنهم كرماء، وهكذا سائر أعمالهم للشهرة والرياء {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} أي ويمنعون الناس المنافع اليسيرة، من كل ما يستعان به كالإِبرة، والفأس، والقدر، والملح، والماء وغيرها قال مجاهد: الماعون العارية للأمتعة وما يتعاطاه الناس بينهم كالفأس والدلو والآنية وقال الطبري: أي يمنعون الناس منافع ما عندهم، وأصل الماعون من كل شيء منفعته .. وفي الآية زجر عن البخل بهذه الأشياء القليلة الحقيرة، فإِن البخل بها نهاية البخل وهو مخل بالمروءة. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "قريش" الأحد 06 ديسمبر 2009, 4:33 am | |
| سورة قُرَيْش
التذكير بنعم الله على قريش
بَين يَدَيْ السُّورَة
* تحدثت هذه السورة عن نعم الله الجليلة على أهل مكة، حيث كانت لهم رحلتان: رحلة في الشتاء إِلى اليمن، ورحلة في الصيف إِلى الشام من أجل التجارة، وقد أكرم الله تعالى قريشاً بنعمتين عظميتين من نعمه الكثيرة هما: نعمةُ الأمن والاستقرار، ونعمة الغنى واليسار {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}.
التذكير بنعم الله على قريش
{لإِيلافِ قُرَيْشٍ(1)إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ(2)فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ(3)الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4)}.
سبب النزول:
نزول الآية (1): روى البيهقي في كتاب الخلافيات عن أم هانئ بنت أبي طالب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضّل الله قريشاً بسبع خلال: أني منهم، وأن النبوة فيهم، والحجابة والسقاية فيهم، وأن الله نصرهم على الفيل، وأنهم عبدوا الله عز وجل عشر سنين لا يعبده غيرهم، وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ . لإيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ*}" قال ابن كثير: وهو حديث غريب.
{لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ } هذه اللام متعلقة بالفعل الذي بعدها {فَلْيَعْبُدُوا} ومعنى {الإِيلاف} الإِلفُ والاعتياد يقال: ألف الرجل الأمر إلفاً وإِلافاً، وآلفه غيره إيلافاً والمعنى: من أجل تسهيل الله على قريش وتيسيره لهم ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إِلى اليمن، وفي الصيف إِلى الشام كما قال تعالى {رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} أي في رحلتي الشتاء والصيف، حيث كانوا يسافرون للتجارة، ويأتون بالأطعمة والثياب، ويربحون في الذهاب والإِياب، وهم آمنون مطمئنون لا يتعرض لهم أحد بسوء، لأن الناس كانوا يقولون: هؤلاء جيرانُ بيت الله وسُكان حرمه، وهم أهل الله لأنهم ولاة الكعبة، فلا تؤذوهم ولا تظلموهم، ولما أهلك الله أصحاب الفيل، وردَّ كيدهم في نحورهم، ازداد وقع أهل مكة في القلوب، وازداد تعظيم الأمراء والملوك لهم، فازدادت تلك المنافع والمتاجر، فلذلك جاء الامتنان على قريش، وتذكيرهم بنعم الله ليوحدوه ويشكروه {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} أي فليعبدوا الله العظيم الجليل، ربَّ هذا البيت العتيق، وليجعلوا عبادتهم شكراً لهذه النعمة الجليلة التي خصَّهم بها قال المفسرون: وإِنما دخلت الفاء {فَلْيَعْبُدُوا} لما في الكلام من معنى الشرط كأنه قال: إِن لم يعبدوه لسائر نعمه، فليعبدوه من أجل إِيلافهم الرحلتين، التي هي من أظهر نعمه عليهم، لأنهم في بلادٍ لا زرع ولا ضرع، ولهذا قال بعده {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} أي هذا الإِله الذي أطعمهم بعد شدة جوع، وآمنهم بعد شدة خوف، فقد كانوا يسافرون آمنين لا يتعرض لهم أحد، ولا يُغير عليهم أحد لا في سفرهم ولا في حضرهم كما قال تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} وذلك ببركة دعوة أبيهم الخليل إِبراهيم عليه السلام حيث قال {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} وقوله {وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ} أفلا يجب على قريش أن يفردوا بالعبادة هذا الإله الجليل، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ؟! _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الفيل" الأحد 06 ديسمبر 2009, 4:34 am | |
| سورة الْفِيل
قصة أصحاب الفيل
بَين يَدَيْ السُّورَة * سورة الْفِيل مكية، وهي تتحدث عن قصة "أصحاب الفيل" حين قصدوا هدم الكعبة المشرفة، فردَّ الله كيدهم في نحورهم، وحمى بيته من تسلطهم وطغيانهم، وأرسل على جيش "أبرهة الأشرم" وجنوده أضعف مخلوقاته، وهي الطير التي تحمل في أرجلها ومناقيرها حجارة صغيرة، ولكنها أشدُّ فتكاً وتدميراً من الرصاصات القاتلة، حتى أهلكهم الله وأبادهم عن آخرهم، وكان ذلك الحدث التاريخي الهام، في عام ميلاد سيد الكائنات محمد بن عبد الله، سنة سبعين وخمسمائة ميلادية، وكان من أعظم الإِرهاصات الدالة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم.
قصة أصحاب الفيل
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3)تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ(4)فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ(5) }
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} أي ألم يبلغك يا محمد وتعلم علماً يقيناً كأنه مشاهد بالعين، ماذا صنع الله العظيم الكبير بأصحاب الفيل الذين قصدوا الاعتداء على البيت الحرام ؟ قال المفسرون: روي أن "أبرهة الأشرم" ملك اليمن، بنى كنيسةً بصنعاء وأراد أن يصرف إِليها الحجيج، فجاء رجلٌ من كنانة وتغوَّط فيها ليلاً ولطخ جدرانها بالنجاسة احتقاراً لها، فغضب "أبرهة" وحلف أن يهدم الكعبة، وجاء مكة بجيش كبير على أفيال، يتقدمهم فيل هو أعظم الفيلة، فلما وصل قريباً من مكة فرَّ أهلها إلى الجبال، خوفاً من جنده وجبروته، وأرسل الله تعالى على جيش أبرهة طيوراً سوداً، مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحجران في رجليه، فرمتهم الطيور بالحجارة، فكان الحجر يدخل في رأس الرجل ويخرج من دبره فيرميه جثة هامدة، حتى أهلكهم الله ودمَّرهم عن آخرهم، وكانت قصتهم عبرة للمعتبرين قال أبو السعود: وتعليقُ الرؤية بكيفية فعله جل وعلا {كَيْفَ فَعَلَ} لا بنفسه بأن يقال: "ألم تر ما فعل ربك" الخ لتهويل الحادثة، والإِيذان بوقوعها على كيفية هائلة، وهيئةٍ عجيبة دالة على عظم قدرة الله تعالى، وكمال علمه وحكمته وشرف رسوله صلى الله عليه وسلم فإِن ذلك من الإِرهاصات لما روي أن القصة وقعت في السنة التي ولد فيها النبي عليه الصلاة والسلام {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} أي ألم يهلكهم ويجعل مكرهم وسعيهم في تخريب الكعبة في ضياعٍ وخسار؟! {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} أي وسلَّط عليهم من جنوده طيراً أتتهم جماعات، متتابعة بعضها في إِثر بعض، وأحاطت بهم من كل ناحية {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} أي تقذفهم بحجارة صغيرة من طين متحجر، كأنها رصاصات ثاقبة لا تصل إلى أحدٍ إِلا قتلته {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} أي فجعلهم كورق الشجر الذي عصفت به الريح، وأكلته الدواب ثم راثته، فأهلكهم عن بَكْرة أبيهم، وهذه القصة تدل على كرامة الله للكعبة، وإِنعامه على قريش بدفع العدو عنهم، فكان يجب عليهم أن يعبدوا الله ويشكروه على نعمائه، وفيها مع ذلك عجائب وغرائب من قدرة الله على الانتقام من أعدائه قال أبو حيّان: كان صرف ذلك العدو العظيم عام مولده السعيد عليه السلام، إِرهاصاً بنبوته إِذ مجيء تلك الطيور على الوصف المنقول، من خوارق العادات والمعجزات المتقدمة بين أيدي الأنبياء عليهم السلام، وقد أهلكهم الله تعالى بأضعف جنوده وهي الطير التي ليست من عادتها أنها تقتل. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الهمزة" الأحد 06 ديسمبر 2009, 4:36 am | |
| سورة الهُمَزَة جزاء الطَّعان بالناس بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الهُمَزَة مكية، وقد تحدثت عن الذين يعيبون الناس،ويأكلون أعراضهم، بالطعن والانتقاص والازدراء، وبالسخرية والاستهزاء فعل السفهاء.
* كما ذمت الذين يشتغلون بجمع الأموال، وتكديس الثروات، كأنهم مخلدون في هذه الحياة، يظنون - لفرط جهلهم وكثرة غفلتهم - أن المال سيخلدهم في الدنيا.
* وختمت بذكر عاقبة هؤلاء التعساء الأشقياء، حيث يدخلون ناراً لا تخمد أبداً، تحطم المجرمين ومن يلقى فيها من البشر، لأنها الحطمة نار سقر ! !
جزاء الطَّعان بالناس
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ(1)الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ(2)يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ(3)كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ(4)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ(5)نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ(6)الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ(7)إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ(8)فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ(9)}.
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} أي عذاب شديد وهلاك ودمار، لكل من يعيب الناس ويغتابهم ويطعن في أعراضهم، أو يلمزهم سراً بعينه أو حاجبه قال المفسرون: نزلت في السورة في "الأخنس ابن شريق" لأنه كان كثير الوقيعة في الناس، يلمزهم ويعيبهم مقبلين ومدبرين، والحكم عامٌ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، {الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ} أي الذي جمع مالاً كثيراً وأحصاه، وحافظ على عدده لئلا ينقص فمنعه من الخيرات قال الطبري: أي أحصى عدده ولم ينفقه في سبيل الله ولم يؤد حقَّ الله فيه ولكنه جمعه فأوعاه وحفظه {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} أي يظن هذا الجاهل لفرط غفلته أن ماله سيتركه مخلداً في الدنيا لا يموت {كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} أي ليرتدع عن هذا الظنّ فواللهِ ليطرحنَّ في النار التي تحطم كل ما يُلقى فيها وتلتهمه {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} تفخيمٌ وتهويلٌ لشأنها أي وما الذي أعلمك ما حقيقة هذه النار العظيمة؟ إِنها الحطمة التي تحطم العظام وتأكل اللحوم، حتى تهجم على القلوب، ثم فسرها بقوله {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} أي هي نار الله المسعَّرة بأمره تعالى وإِرادته، ليست كسائر النيران فإِنها لا تخمد أبداً، وفي الحديث (أُوقد على النار ألفُ سنة حتى احمرت، ثم أُوقد عليها ألف سنة حتى ابيضَّت، ثم أُوقد عليها ألفُ سنة حتى اسودَّت، فهي سوداء مظلمة) {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ} أي التي يبلغ ألمها ووجعها إلى القلوب فتحرقها قال القرطبي: وخصَّ الأفئدة لأن الألم إِذا صار إِلى الفؤاد مات صاحبه، فإِنهم في حال من يموت وهم لا يموتون كما قال تعالى {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} فهم إِذاً أحياء في معنى الأموات {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ} أي إِن جهنم مطبقة مغلقةٌ عليهم، لا يدخل إِليهم روح ولا ريحان {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} أي وهم موثوقون في سلاسل وأغلال، تشدُّ بها أيديهم وأرجلهم، بعد إِطباق أبواب جهنم عليهم، فقد يئسوا من الخروج بإِطباق الأبواب عليهم، وتمدد العمد إِيذاناً بالخلود إِلى غير نهاية. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
عدل سابقا من قبل عرباوي في الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 4:29 pm عدل 1 مرات | |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "العصر" الأحد 06 ديسمبر 2009, 4:37 am | |
| سورة الْعَصْر
منهج الاستقامة في الحياة
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الْعَصْر مكية، وقد جاءت في غاية الإِيجاز والبيان، لتوضيح سبب سعادة الإِنسان أو شقاوته، ونجاحه في هذه الحياة أو خسرانه ودماره.
* أقسم تعالى بالعصر وهو الزمان الذي ينتهي فيه عمر الإِنسان، وما فيه من أصناف العجائب، والعِبَر الدالة على قدرة الله وحكمته، على أن جنس الإِنسان في خسارة ونقصان، إلا من اتصف بالأوصاف الأربعة وهي {الإِيمان} و {العمل الصالح} و {التواصي بالحق} و {الاعتصام بالصبر} وهي أسس الفضيلة، وأساس الدين، لهذا قال الإِمام الشافعي رحمه الله: لو لم ينزل الله سوى هذه السورة لكفت الناس.
منهج الاستقامة في الحياة
{وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)}
{وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} أي أُقسمُ بالدهر والزمان لما فيه من أصناف الغرائب والعجائب، والعبر والعظات، على أن الإِنسان في خسران، لأنه يفضِّل العاجلة على الآجلة، وتغلب عليه الأهواء والشهوات قال ابن عباس: العصر هو الدهر أقسم تعالى به لاشتماله على أصناف العجائب وقال قتادة: العصرُ هو آخر ساعات النهار، أقسم به كما أقسم بالضحى لما فيهما من دلائل القدرة الباهرة، والعظة البالغة .. وإِنما أقسم تعالى بالزمان لأنه رأس عمر الإِنسان، فكل لحظةٍ تمضي فإِنها من عمرك ونقص من أجلك، كما قال القائل :
إِنــا لنفـرحُ بالأيـام نقطعــها وكلُّ يومٍ مضى نقصٌ من الأجل
قال القرطبي: أقسم الله عز وجل بالعصر - وهو الدهر - لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها، وما فيها من الدلالة على الصانع، وقيل: هو قسمٌ بصلاة العصر لأنها أفضل الصلوات {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي جمعوا بين الإِيمان وصالح الأعمال، فهؤلاء هم الفائزون لأنهم باعوا الخسيس بالنفيس، واستبدلوا الباقيات الصالحات عوضاً عن الشهوات العاجلات {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} أي أوصى بعضهم بعضاً بالحق، وهو الخير كله، من الإِيمان، والتصديق، وعبادة الرحمن {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} أي وتواصوا بالصبر على الشدائد والمصائب، وعلى فعل الطاعات، وترك المحرمات .. حكم تعالى بالخسار على جميع الناس إِلا من أتى بهذه الأشياء الأربعة وهي: الإِيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، فإِن نجاة الإِنسان لا تكون إِلا إِذا كمَّل الإِنسان نفسه بالإِيمان والعمل الصالح، وكمَّل غيره بالنصح والإِرشاد، فيكون قد جمع بين حق الله، وحق العباد، وهذا هو السرُّ في تخصيص هذه الأمور الأربعة. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "التكاثر" الأحد 06 ديسمبر 2009, 4:38 am | |
| سورة التَّكَاثُر الالتهاء بالتفاخر بزينة الدنيا
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة التَّكَاثُر مكية، وهي تتحدث عن انشغال الناس بمغريات الحياة، وتكالبهم على جمع حطام الدنيا، حتى يقطع الموت عليهم متعتهم، ويأتيهم فجأة وبغتة، فينقلهم من القصور إِلى القبور.
الموتُ يأتي بغتةً والقبرُ صندوقُ العمل
* وقد تكرر في هذه السورة الزجر والإِنذار تخويفاً للناس، وتنبيهاً لهم على خطئهم، باشتغالهم بالفانية عن الباقية {كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ *ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}. * وختمت السورة الكريمة ببيان المخاطر والأهوال التي سيلقونها في الآخرة، والتي لا يجتازها ولا ينجو منها إِلا المؤمن الذي قدَّم صالح الأعمال.
الالتهاء بالتفاخر بزينة الدنيا
{أَلْهاكُمُ التَّكَاثُرُ(1)حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ(2)كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ(3)ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ(4)كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ(5)لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ(6)ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ(7)ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ(8)}
سبب النزول:
تقدم سبب نزول السورة.
أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن الشِّخِّير قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: "{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت".
وقال مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول العبد: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأمضى، وما سوى ذلك فذاهب، وتاركه للناس".
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} أي شغلكم أيها الناسُ التفاخر بالأموال والأولاد والرجال عن طاعة الله، وعن الاستعداد للآخرة {حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ} أي حتى أدرككم الموت، ودفنتم في المقابر، والجملةُ خبرٌ يراد به الوعظ والتوبيخ قال القرطبي: المعنى شغلكم المباهاة بكثرة المال والأولاد عن طاعة الله، حتى مُتُّم ودفنتم في المقابر {كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} زجرٌ وتهديدٌ أي ارتدعوا أيها الناس وانزجروا عن الاشتغال بما لا ينفع ولا يفيد، فسوف تعلمون عاقبة جهلكم وتفريطكم في جنب الله، وانشغالكم بالفاني عن الباقي {ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وعيدٌ إِثر وعيد، زيادة في الزجر والتهديد أي سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إِذا نزل بكم العذاب في القبر {ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي في الآخرة إِذا حلَّ بكم العذاب {كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} أي ارتدعوا وانزجروا فلو علمتم العلم الحقيقي الذي لا شك فيه ولا امتراء، وجواب {لَوْ} محذوفٌ لقصد التهويل أي لو عرفتم ذلك لما ألهاكم التكاثر بالدنيا عن طاعة الله، ولما خُدعتم بنعيم الدنيا عن أهوال الآخرة وشدائدها كما قال صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) الحديث قال ابن جزي : وجوابُ {لَوْ} محذوفٌ تقديره: لو تعلمون لازدجرتم واستعددتم للآخرة، وإِنما حذف لقصد التهويل، فيقدر السامع أعظم ما يخطر بباله كقوله تعالى {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} {لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ} أي أُقسم وأؤكد بأنكم ستشاهدون الجحيم عياناً ويقيناً قال الألوسي: هذا جواب قسم مضمر، أكد به الوعيد، وشدَّ به التهديد، وأوضح به ما أنذروه بعد إِبهامه تفخيماً أي والله لترون الجحيم {ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} أي ثم لترونها رؤية حقيقة بالمشاهدة العينية قال أبو حيّان: زاد التوكيد بقوله {عَيْنَ الْيَقِينِ} نفياً لتوهم المجاز في الرؤية الأولى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ} أي ثم لتسألنَّ في الآخرة عن نعيم الدنيا من الأمن والصحة، وسائر ما يُتلذذ به من مطعم، ومشرب، ومركب، ومفرش. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
عدل سابقا من قبل عرباوي في الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 4:28 pm عدل 1 مرات | |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "القارعة" الأحد 06 ديسمبر 2009, 4:39 am | |
| سورة الْقَارِعَة أهوال القيامة، وحال الناس مع الميزان بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الْقَارِعَةُ مكية، وهي تتحدث عن القيامة وأهوالها، والآخرة وشدائدها، وما يكون فيها من أحداث وأهوال عظام، كخروج الناس من القبور، وانتشارهم في ذلك اليوم الرهيب كالفراش المتطاير، المنتشر هنا وهناك، يجيئون ويذهبون على غير نظام من شدة حيرتهم وفزعهم. * كما تحدثت عن نسف الجبال وتطايرها حتى تصبح كالصوف المنبث المتطاير في الهواء، بعد أن كانت صلبةً راسخة فوق الأرض، وقد قرنت بين الناس والجبال تنبيهاً على تأثير تلك القارعة في الجبال حتى صارت كالصوف المندوف، فكيف يكون حال البشر في ذلك اليوم العصيب ؟
* وختمت السورة الكريمة بذكر الموازين التي توزن بها أعمال الناس، وانقسام الخلق إِلى سعداء وأشقياء حسب ثقل الموازين وخفتها، وسميت السورة الكريمة بالقارعة لأنها تقرع القلوب والأسماء بهولها.
أهوال القيامة، وحال الناس مع الميزان
a{الْقَارِعَةُ(1)مَا الْقَارِعَةُ(2)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ(3)يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ(4)وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ(5)فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(7)وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ(8)فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ(9)وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ(10)نَارٌ حَامِيَةٌ(11)}
{الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} أي القيامة وأيُّ شيء هي القيامة ؟ إِنها في الفظاعة والفخامة بحيث لا يدركها خيال، ولا يبلغها وهمُ إنسان فهي أعظم من أن توصف أو تصوَّر، ثم زاد في التفخيم والتهويل لشأنها فقال {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} ؟ أي أيُّ شيء أعلمك ما شأن القارعة في هولها على النفوس ؟ إِنها لا تُفزع القلوب فحسب، بل تؤثّر في الأجرام العظيمة، فتؤثر في السماوات بالانشقاق، وفي الأرض بالزلزلة، وفي الجبال بالدكّ والنسف، وفي الكواكب بالانتثار، وفي الشمس والقمر بالتكوير والانكدار إِلى غير ما هنالك قال أبو السعود: سميت القيامة قارعة لأنها تقرع القلوب والأسماع بفنون الأهوال والأفزاع، ووضع الظاهر موضع الضمير {مَا الْقَارِعَةُ} تأكيداً للتهويل، والمعنى أيُّ شيء عجيب هي في الفخامة والفظاعة، ثم أكد هولها وفظاعتها بقوله {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} ؟ ببيان خروجها عن دائرة علوم الخلق، بحيث لا تكاد تنالها دراية أحد .. وبعد هذا التخويف والتشويق إِلى معرفة شيءٍ من أحوالها، جاء التوضيح والبيان بقوله تعالى {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} أي ذلك يحدث عندما يخرج الناسُ من قبورهم فزعين، كأنهم فراش متفرق منتشر هنا وهناك، يموج بعضهم في بعض من شدة الفزع والحيرة قال الرازي: شبه تعالى الخلق وقت البعث ههنا بالفراش المبثوث، وفي آية أُخرى بالجراد المنتشر، أما وجه التشبيه بالفراش، فلأن الفراش إِذا ثار لم يتجه إِلى جهةٍ واحدة، بل كل واحدة منها تذهب إِلى غير جهة الأُخرى، فدلَّ على أنهم إِذا بُعثوا فزعوا، وأما وجه التشبيه بالجراد فهو في الكثرة، يصبحون كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضاً، فكذلك الناس إِذا بُعثوا يموج بعضُهم في بعض كالجراد والفراش كقوله تعالى {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بعْضٍ} {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} هذا هو الوصف الثاني من صفات ذلك اليوم المهول أي وتصير الجبال كالصوف المنتثر المتطاير، تتفرق أجزاؤها وتتطاير في الجو، حتى تكون كالصوف المتطاير عند الندف قال الصاوي: وإِنما جمع بين حال الناس وحال الجبال، تنبيهاً على أن تلك القارعة أثَّرت في الجبال العظيمة الصلبة، حتى تصير كالصوف المندوف مع كونها غير مكلفة، فكيف حال الإِنسان الضعيف المقصود بالتكليف والحساب !! ثم ذكر تعالى حالة الناس في ذلك اليوم، وانقسامهم إِلى شقي وسعيد فقال {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} أي رجحت موازين حسناته، وزادت حسناتُه على سيئاته {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي فهو في عيش هنيءٍ رغيد سعيد، في جنان الخلد والنعيم {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} أي نقصت حسناته عن سيئاته، أولم يكن له حسناتٌ يُعتدُّ بها {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} أي فمسكنه ومصيره جهنم يهوي في قعرها، سَّماها أُماً لأن الأم مأوى الولد ومفزعه، فنار جهنم تؤوي هؤلاء المجرمين، كما يأوي الأولاد إِلى أمهم، وتضمهم إِليها كما تضم الأم الأولاد إِليها قال أبو السعود: {هَاوِيَةٌ} اسم من أسماء النار، سميت بها لغاية عمقها وبعد مهواها، روي أن أهل النار يهوون فيها سبعين خريفاً {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ}؟ استفهام للتفخيم والتهويل أي وما أعلمك ما الهاوية؟ ثم فسَّرها بقوله {نَارٌ حَامِيَةٌ} أي هي نار شديدة الحرارة، قد خرجت عن الحد المعهود، فإِن حرارة أي نارٍ إذا سُعرت وأُلقي فيها أعظم الوقود لا تعادل حرارة جهنم، أجارنا الله منها بفضله وكرمه.
_________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "العاديات" الأحد 06 ديسمبر 2009, 4:42 am | |
| سورة الْعَادِيَات جحود الإنسان لنعم الله وإهماله الاستعداد للآخرة بَين يَدَيْ السُّورَة * سورة الْعَادِيَات مكية، وهي تتحدث عن خيل المجاهدين في سبيل الله، حين تغير على الأعداء، فيسمع لها عند عَدوها بسرعة صوتٌ شديد، وتقدح بحوافرها الحجارة فيتطاير منها النار، وتثير التراب والغبار، وقد بدأت السورة بالقسم بخيل الغُزاة - إِظهاراً لشرفها وفضلها عند الله - على أن الإِنسان كفور لنعمة الله تعالى عليه، جحودٌ لآلائه وفيوض نعمائه، وهو معلن لهذا الكفران والجحود بلسان حاله ومقاله، كما تحدثت عن طبيعة الإِنسان وحبه الشديد للمال، وختمت السورة الكريمة ببيان أن مرجع الخلائق إِلى الله للحساب والجزاء، ولا ينفع في الآخرة مال ولا جاه، وإِنما ينفع العمل الصالح.
جحود الإنسان لنعم الله وإهماله الاستعداد للآخرة
{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا(1)فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا(2)فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا(3)فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا(4)فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا(5)إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ(6)وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ(7)وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ(8)أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ(9)وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ(10)إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ(11)} سبب النزول:
نزول الآية (1):
أخرج البزار وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً، ولبثت شهراً، لا يأتيه منها خبر، فنزلت : {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}.
{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} أي أُقسمُ بخيل المجاهدين المسرعات في الكرّ على العدو، يُسمع لأنفاسها صوتٌ جهير هو الضبحُ قال ابن عباس: الخيل إِذا عدت قالت: أُحْ، أُحْ فذلك ضبحها قال أبو السعود: أقسم سبحانه بخيل الغزاة التي تعدو نحو العدو وتضبح وهو صوت أنفاسها عند عدوها {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} أي فالخيل شرر النار من الأرض بوقع حوافرها على الحجارة من شدة الجري {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} أي فالخيل التي تغير على العدو وقت الصباح قبل طلوع الشمس قال الألوسي: هذا هو المعتادُ في الغارات، كانوا يعدون ليلاً لئلا يشعر بهم العدو، ويهجمون صباحاً ليروا ما يأتون وما يذرون {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} أي فأثارت الخيل الغبار الكثيف لشدة العدو، في الموضع الذي أغرن به {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} أي فتوسطن به جموع الأعداء، وأصبحن وسط المعركة .. أقسم سبحانه وتعالى بأقسام ثلاثة على أمور ثلاثة، تعظيماً للمقسم به وهو خيل المجاهدين في سبيل الله، التي تسرع على أعداء الله، وتقدح النار بحوافرها، وتُغير على الأعداء وقت الصباح، فتثير الغبار، وتتوسط العدو فتصيبه بالرعب والفزع، أما الأمور التي أقسم عليها فهي قوله {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} أي إِن الإِنسان لجاحد لنعم ربه، شديد الكفران قال ابن عباس: جاحدٌ لنعم الله وقال الحسن: يذكر المصائب وينسى النعم {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} أي وإِن الإِنسان لشاهد على كنوده، لا يقدر أن يجحده لظهور أثره عليه {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي وإِنه لشديد الحب للمال حريصٌ على جمعه، وهو لحب عبادة الله وشكر نعمه ضعيفٌ متقاعس .. ثم بعد أن عدَّد عليه قبائح أفعاله خوَّفه فقال {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} أي أفلا يعلم هذا الجاهل إِذا أُثير ما في القبور وأُخرج ما فيها من الأموات {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} أي وجمع وأبرز ما في الصدور من الأسرار والخفايا التي كانوا يسرونها {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} أي إِنَّ ربهم لعالم بجميع ما كانوا يصنعون، ومجازيهم عليها أوفر الجزاء، وإِنما خص علمه بهم في ذلك اليوم - يوم القيامة - لأنه يوم الجزاء، بقصد الوعيد والتهديد، فهو تعالى عالم بهم في ذلك اليوم وغيره. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الزلزلة" الأحد 06 ديسمبر 2009, 5:02 am | |
| سورة الزلزلة
علامات القيامة، ومجازاة المطيع والعاصي
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الزلزلة مدنية، وهي في أسلوبها تشبه السور المكية، لما فيها من أهوال وشدائد يوم القيامة، وهي هنا تتحدث عن الزلزال العنيف الذي يكون بين يدي الساعة، حيث يندك كل صرحٍ شامخ، وينهار كل جبل راسخ، ويحصل من الأمور العجيبة الغريبة ما يندهش له الإِنسان، كإِخراج الأرض ما فيها من موتى، وإِلقائها ما في بطنها من كنوز ثمينة من ذهبٍ وفضة، وشهادتها على كل إِنسان بما عمل على ظهرها تقول: عملت يوم كذا، كذا وكذا، وكل هذا من عجائب ذلك اليوم الرهيب، كما تتحدث عن انصراف الخلائق من أرض المحشر إِلى الجنة أو النار، وانقسامهم إِلى أصناف ما بين شقي وسعيد.
علامات القيامة، ومجازاة المطيع والعاصي
{إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا(2)وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا(3)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5)يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ(6)فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)}.
سبب النزول : نزول الآية (7،8): {فَمَنْ يَعْمَلْ..} : أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} الآية، كان المسلمون يرون أنهم لا يُؤْجَرون على الشيء القليل، إذا أَعْطَوْه، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير: الكذبة، والنظرة، والغيبة، وأشباه ذلك، ويقولون: إنما وعد الله النار على الكبائر، فأنزل الله : {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}.
وقد سمّى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ..} الجامعة الفاذّة، حين سئل عن زكاة الْحُمُر، فقال فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة : "ما أنزل الله فيها شيئاً إلا هذه الآية الفاذَّة الجامعة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}". {إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} أي إِذا حركت الأرض تحريكاً عنيفاً، واضطربت اضطراباً شديداً، واهتزت بمن عليها اهتزازاً يقطع القلوب ويُفزع الألباب كقوله تعالى {اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} قال المفسرون: إِنما أضاف الزلزلة إِليها {زِلْزَالَهَا} تهويلاً كأنه يقول: الزلزلة التي تليق بها على عظم جرمها، وذلك عند قيام الساعة تتزلزل وتتحرك تحريكاً متتابعاً، وتضطرب بمن عليها، ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل وشجر وبناءٍ وقلاع {وأخرجتِ الأرضُ أثقالها} أي وأخرجت الأرض ما في بطنها من الكنوز والموتى قال ابن عباس: أخرجت موتاها وقال منذر ابن سعيد: أخرجت كنوزها وموتاها وفي الحديث (تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلتُ،ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعتُ رحمي، ويجيء السارقُ فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً) {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا} ؟ أي وقال الإِنسان: ما للأرض تزلزلت هذه الزلزلة العظيمة، ولفظت ما في بطنها ؟! يقول ذلك دهشة وتعجباً من تلك الحالة الفظيعة {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} أي في ذلك اليوم العصيب - يوم القيامة - تتحدث الأرض وتخبر بما عُمل عليها من خير أو شر، وتشهد على كل إِنسان بما صنع على ظهرها، عن أبي هريرة قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} فقال: (أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا: اللهُ ورسولهُ أعلم، قال: فإِن أخبارها أن تشهد على كل عبدٍ أو أمةٍ بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا، كذا وكذا، فهذه أخبارها) وفي الحديث (تحفَّظوا من الأرض فإِنها أمكم، وإِنه ليس من أحدٍ عاملٍ عليها خيراً أو شراً إِلا وهي مخبرة به) {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أي ذلك الإِخبار بسبب أن الله جلت عظمته أمرها بذلك، وأذن لها أن تنطق بكل ما حدث وجرى عليها، فهي تشكو العاصي وتشهد عليه، وتشكر المطيع وتثني عليه، والله على كل شيء قدير {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} أي في ذلك اليوم يرجع الخلائق من موقف الحساب، وينصرفون متفرقين فرقاً فرقاً، فآخذٌ ذات اليمين إِلى الجنة، وآخذٌ ذات الشمال إِلى النار {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} أي لينالوا جزاء أعمالهم من خير أو شر {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} أي فمن يفعل من الخير زنة ذرةٍ من التراب، يجده في صحيفته يوم القيامة ويلق جزاءه عليه قال الكلبي: الذرةُ أصغرُ النمل وقال ابن عباس: إِذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها، فكلُّ واحد مما لصق به من التراب ذرة {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} أي ومن يفعل من الشر زنة ذرةٍ من التراب، يجده كذلك ويلق جزاءه عليه قال القرطبي: وهذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى في أنه لا يغفل من عمل ابن آدم صغيرة ولا كبيرة، وهو مِثْلَ قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}.
_________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "البينة" الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 3:36 pm | |
| سورة الْبَيِّنَة
تكذيب اليهود والنصارى ببعثته صلى الله عليه وسلم
مآل كل من الأشرار والأبرار في دار الجزاء
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الْبَيِّنَة وتسمى {سورة لَمْ يَكُنِ } مدنية، وهي تعالج القضايا الآتية:
1- موقف أهل الكتاب من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
2- موضوع إِخلاص العبادة لله جلّ وعلا.
3- مصير كل من السعداء والأشقياء في الآخرة.
* ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن "اليهود والنصارى" وموقفهم من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن بان لهم الحقُّ وسطعت أنواره، وبعد أن عرفوا أوصاف النبي المبعوث آخر الزمان، وكانوا ينتظرون بعثته ومجيئه، فلما بعث خاتم الرسل كذبوا برسالته، وكفروا وعاندوا.
* ثم تحدثت السورة عن عنصر هام من عناصر الإِيمان، وهو "إِخلاص العبادة" لله العلي الكبير، الذي أمر به جميع أهل الأديان، وإِفراده جلَّ وعلا بالذكر، والقصد، والتوجه في جميع الأقوال والأفعال والأعمال، خالصة لوجهه الكريم.
* كما تحدثت عن مصير أهل الإِجرام - شرِّ البرية - من كفرة أهل الكتاب والمشركين، وخلودهم في نار الجحيم، وعن مصير المؤمنين، أصحاب المنازل العالية - خير البرية - وخلودهم في جنات النعيم، مع النبيّين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، جزاء طاعتهم وإِخلاصهم لرب العالمين.
تكذيب اليهود والنصارى ببعثته صلى الله عليه وسلم
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ(1)رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً(2)فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ(3)وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءتْهُمْ الْبَيِّنَةُ(4)وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ(5) }
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي لم يكن أهل الكفر والجحود، الذين كفروا بالله وبرسوله، ثم بيَّنهم بقوله {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} أي من اليهود والنصارى أهل الكتاب، ومن المشركين عبدة الأوثان والأصنام {مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ} أي منفصلين ومنتهين عما هم عليه من الكفر، حتى تأتيهم الحجة الواضحة، وهي بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا فسَّرها بقوله {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} أي هذه البيّنة هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم المرسل من عند الله تعالى {يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً} أي يقرأ عليهم صحفاً منزَّهة عن الباطل عن ظهر قلب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أميٌ لا يقرأ ولا يكتب قال القرطبي: أي يقرأ ما تتضمن الصحف من المكتوب، يتلوها عن ظهر قلبه لا عن كتاب، لأنه عليه السلام كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ قال ابن عباس: {مُطَهَّرَةً} من الزور، والشك، والنفاق، والضلالة وقال قتادة: مطهَّرة عن الباطل {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} أي فيها أحكام قيمة لا عوج فيها، تبيّن الحق من الباطل قال الصاوي: المراد بالصحف القراطيس التي يكتب فيها القرآن، والمراد بالكتب الأحكام المكتوبة فيها، وإِنما قال {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} لأن القرآن جمع ثمرة كتب الله المتقدمة .. ثم ذكر تعالى من لم يؤمن من أهل الكتاب فقال {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءتْهُمْ الْبَيِّنَةُ} أي وما اختلف اليهود والنصارى في شأن محمد صلى الله عليه وسلم، إِلا من بعد ما جاءتهم الحجة الواضحة، الدالة على صدق رسالته، وأنه الرسول الموعود به في كتبهم قال أبو السعود: والآية مسوقةٌ لغاية التشنيع على أهل الكتاب خاصة، وتغليظ جناياتهم، ببيان أن تفرقهم لم يكن إِلا بعد وضوح الحق، وتبيّن الحال، وانقطاع الأعذار بالكلية، كقوله تعالى {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ} وقال ابن جزي: أي ما اختلفوا في نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إِلا من بعد ما علموا أنه حق، وإِنما خصَّ أهل الكتاب هنا بالذكر، لأنهم كانوا يعلمون صحة نبوته، بما يجدون في كتبهم من ذكره {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي والحال أنهم ما أُمروا في التوراة والإِنجيل إِلا بأن يعبدوا الله وحده، مخلصين العبادة لله جلّ وعلا، ولكنهم حرَّفوا وبدَّلوا، فعبدوا أحبارهم ورهبانهم كما قال تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} {حُنَفَاءَ} أي مائلين عن الأديان كلها إِلى دين الإِسلام، مستقيمين على دين إِبراهيم، دين الحنيفية السمحة، الذي جاء به خاتم المرسلين {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} أي وأُمروا بأن يؤدوا الصلاة على الوجه الأكمل، في أوقاتها بشروطها وخشوعها وآدابها، ويعطوا الزكاة لمستحقيها عن طيب نفس قال الصاوي: وخصَّ الصلاة والزكاة لشرفهما {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أي وذلك المذكور من العبادة والإِخلاص، وإِقام الصلاة وإِيتاء الزكاة، هو دين الملة المستقيمة - دين الإِسلام - فلماذا لا يدخلون فيه ؟
مآل كل من الأشرار والأبرار في دار الجزاء
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ(6)إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ(7)جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ(8)}
ثم ذكر تعالى مآل كل من الأبرار والأشرار، في دار الجزاء والقرار فقال {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} أي إِنَّ الذين كذبوا بالقرآن وبنبوة محمد عليه السلام، من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان، هؤلاء جميعهم يوم القيامة في نار جهنم، ماكثين فيها أبداً لا يخرجون منها ولا يموتون {أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} أي أولئك هم شر الخلق على الإِطلاق قال الإمام الفخر الرازي: فإِن قيل: لم ذكر {كَفَرُوا} بلفظ الفعل، {وَالْمُشْرِكِينَ} باسم الفاعل؟ فالجواب تنبيهاً على أن أهل الكتاب ما كانوا كافرين من أول الأمر، لأنهم كانوا مصدقين بالتوراة والإِنجيل، ومقرين بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم ثم إِنهم كفروا بذلك بعد مبعثه عليه السلام، بخلاف المشركين فإِنهم ولدوا على عبادة الأوثان، وإِنكار الحشر والقيامة، وقوله {أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} لإِفادة الحصر أي شرٌ من السراق لأنهم سرقوا من كتاب الله صفة محمد صلى الله عليه وسلم وشرٌّ من قطاع الطريق، لأنهم قطعوا طريق الحق على الخلق، ولما ذكر مقر الأشقياء، ذكر بعده مقر السعداء فقال {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي إِن المؤمنين الذين جمعوا بين الإِيمان وصالح الأعمال {أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} أي هم خير الخليقة التي خلقها الله وبرأها {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي ثوابهم في الآخرة على ما قدموا من الإِيمان والأعمال الصالحة {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي جنات إِقامة تجري من تحت قصورها أنهار الجنة {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أي ماكثين فيها أبداً، لا يموتون ولا يخرجون منها، وهم في نعيم دائم لا ينقطع {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} أي رضي الله عنهم بما قدموا في الدنيا من الطاعات وفعل الصالحات، ورضوا عنه بما أعطاهم من الخيرات والكرامات {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} أي ذلك الجزاء والثواب الحسن لمن خاف الله واتقاه، وانتهى عن معصية مولاه. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "القدر" الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 3:41 pm | |
| سورة الْقَدْر
بدء نزول القرآن، وفضائل ليلة القدر
بَين يَدَيَّ السّورَة
* سورة الْقَدْر مكية، وقد تحدثت عن بدء نزول القرآن العظيم، وعن فضل ليلة القدر على سائر الأيام والشهور، لما فيها من الأنوار والتجليات القدسية، والنفحات الربانية، التي يفيضها الباري جل وعلا على عباده المؤمنين، تكريماً لنزول القرآن المبين، كما تحدثت عن نزول الملائكة الأبرار حتى طلوع الفجر، فيا لها من ليلةٍ عظيمة القدر، هي خير عند الله من ألف شهر !!
بدء نزول القرآن، وفضائل ليلة القدر
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ(4)سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ(5)}
سبب النزول:
نزول الآية (1):
أخرج ابن أبي حاتم والواحدي عن مجاهد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ*} التي لبس ذلك الرجل السلاح فيها في سبيل الله.
نزول الآية (3):
أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، فعمل ذلك ألف شهر، فأنزل الله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} عملها ذلك الرجل.
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} أي نحن أنزلنا هذا القرآن المعجز في ليلة القدر والشرف قال المفسرون: سميت ليلة القدر لعظمها وقدرها وشرفها، والمرادُ بإِنزال القرآن إِنزالهُ من اللوح المحفوظ إِلى السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل إِلى الأرض في مدة ثلاث وعشرين سنة كما قال ابن عباس: أنزل الله القرآن جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إِلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} تعظيمٌ وتفخيمٌ لأمرها أي وما أعلمك يا محمد ما ليلةُ القدر والشرف ؟ قال الخازن: وهذا على سبيل التعظيم لها والتشويق لخبرها كأنه قال: أي شيء يبلغ علمك بقدرها ومبلغ فضلها ؟! ثم ذكر فضلها من ثلاثة أوجه فقال تعالى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي ليلة القدر في الشرف والفضل خيرٌ من ألف شهر، لما اختصت به من شرف إِنزال القرآن الكريم فيها قال المفسرون: العمل الصالح في ليلة القدر خيرٌ من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وقد روي أن رجلاً لبس السلاح وجاهد في سبيل الله ألف شهر، فعجب رسول الله والمسلمون من ذلك، وتمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُمته فقال يا رب: جعلت أُمتي أقصر الأمم أعماراً، وأقلها أعمالاً !! فأعطاه الله ليلة القدر، وقال: ليلةُ القدر خيرٌ لك ولأمتك من ألف شهر، جاهد فيها ذلك الرجل قال مجاهد: علمها وصيامها وقيامها خيرٌ من ألف شهر، هذا هو الوجه الأول من فضلها ثم قال تعالى {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} أي تنزل الملائكةُ وجبريل إِلى الأرض في تلك الليلة بأمر ربهم من أجل كل أمرٍ قدَّره الله وقضاه لتلك السنة إِلى السنة القابلة، وهذا هو الوجه الثاني من فضلها، والوجه الثالث قوله تعالى {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أي هي سلام من أول يومها إِلى طلوع الفجر، تسلّم فيها الملائكة على المؤمنين، ولا يُقدّر الله فيها إلا الخير والسلامة لبني الإِنسان. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "العلق" الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 3:45 pm | |
| سورة العَلَق
حث الإنسان على العلم، والتحذير من اتباع الهوى فرعون هذه الأمة وتهديد الطغاة ووعيدهم
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة العَلَق وتسمى {سورة اقْرَأْ} مكية وهي تعالج القضايا الآتية:
أولاً: موضوع بدء نزول الوحي على خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: موضوع طغيان الإِنسان بالمال وتمرده على أوامر الله.
ثالثاً: قصة الشقي "أبي جهل" ونهيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة.
* ابتدأت السورة ببيان فضل الله على رسوله الكريم بإِنزاله هذا القرآن "المعجزة الخالدة" وتذكيره بأول النعماء وهو يتعبد ربه بغار حراء، حيث تنزَّل عليه الوحي بآيات الذكر الحكيم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ.. إلى .. عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
* ثم تحدثت عن طغيان الإِنسان في هذه الحياة بالقوة الثراء، وتمرده على أوامر الله بسبب نعمة الغنى، وكان الواجب عليه أن يشكر ربه على إِفضاله، لا أن يجحد النعماء، وذكَّرته بالعودة إِلى ربه لينال الجزاء {كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَّءآهُ اسْتَغْنَى* إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}.
* ثم تناولت قصة "أبي جهل" فرعون هذه الأمة، الذي كان يتوعد الرسول ويتهدده، وينهاه عن الصلاة، انتصاراً للأوثان والأصنام {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى} الآيات.
* وختمت السورة بوعيد ذلك الشقي الكافر، بأشد العقاب إِن استمر على ضلاله وطغيانه، كما أمرت الرسول الكريم بعدم الإِصغاء إلى وعيد ذلك المجرم الأثيم {كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَا بِالنَّاصِيَةِ} إِلى ختام السورة {كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}.
* وقد بدأت السورة بالدعوة إِلى القراءة والتعلم، وختمت بالصلاة والعبادة، ليقترن العلم بالعمل، ويتناسق البدء مع الختام.
حث الإِنسان على العلم، والتحذير من اتباع الهوى
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ(3)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5)كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى(6)أَنْ رَّءآهُ اسْتَغْنَى(7)إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى(8) }.
سبب النزول:
نزول (6):
{كَلا إِنَّ الإِنسَانَ.. }: أخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن المنذر وغيرهم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يُعفِّر محمدٌ وجْهَه بين أظهركم ؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل لأطأنّ على رقبته، ولأعفرنّ وجهه في التراب، فأنزل الله: {كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى} الآيات.
ثم إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فنكص على عقبيه، فقالوا له: مالك يا أبا الحكم ؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار، وهولاً شديداً.
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} هذا خطاب إِلهي وجه إِلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دعوةٌ إِلى القراءة والكتابة والعلم، لأنه شعار دين الإِسلام أي إِقرأ يا محمد القرآن مبتدئاً ومستعيناً باسم ربك الجليل، الذي خلق جميع المخلوقات، وأوجد جميع العوالم، ثم فسَّر الخلق تفخيماً لشأن الإِنسان فقال {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} أي خلق هذا الإِنسان البديع الشكل، الذي هو أشرف المخلوقات من العلقة - وهي الدودة الصغيرة - وقد أثبت الطبُّ الحديث أن المنيّ الذي خلق منه الإِنسان محتوٍ على حيواناتٍ وديدان صغيرة لا تُرى بالعين، وإِنما ترى بالمجهر الدقيق - الميكروسكوب - وأن لها رأساً وذنباً، فتبارك الله أحسن الخالقين قال القرطبي: خصَّ الإِنسان بالذكر تشريفاً له، والعلقةُ قطعة من دمٍ رطب، سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمرُّ عليه {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} أي اقرأ يا محمد وربك العظيم الكريم، الذي لا يساويه ولا يدانيه كريم، وقد دلَّ على كمال كرمه أنه علَّم العباد ما لم يعلموا {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} أي الذي علَّم الخطَّ والكتابة بالقلم، وعلَّم البشر ما لم يكونوا يعرفونه من العلوم والمعارف، فنقلهم من ظلمة الجهل إِلى نور العلم، فكما علَّم سبحانه بواسطة الكتابة بالقلم، فإِنه يعلمك بلا واسطة وإِن كنت أمياً لا تقرأ ولا تكتب قال القرطبي: نبَّه تعالى على فضل علم الكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إِنسان، وما دُونت العلوم ولا قُيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتبُ الله المنزَّلة إِلا بالكتابة، ولولاها ما استقامت أمور الدنيا والدين .. وهذه الآيات الخمس هي أول ما تنزَّل من القرآن، كما ثبت في الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه الملك وهو يتعبَّد بغار حراء، فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ .. إلخ قال ابن كثير: أول شيء نزل من القرآن هذه الآيات المباركات، وهنَّ أوّل رحمةٍ رحم الله بها العباد، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإِنسان من علقة، وأن من كرمه تعالى أن علَّم الإِنسان ما لم يعلم، فشرفه وكرَّمه بالعلم، وهو القدر الذي امتاز به "آدم" على الملائكة .. ثم أخبر تعالى عن سبب بطر الإِنسان وطغيانه فقال {كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى} أي حقاً إِن الإِنسان ليتجاوز الحد في الطغيان، واتباع هوى النفس، ويستكبر على ربه عز وجل {أَنْ رَّءآهُ اسْتَغْنَى} أي من أجل أن رأى نفسه غنياً، وأصبح ذا ثروة ومال أشر وبطر، ثم توعَّده وتهدده بقوله {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} أي إِنَّ إِلى ربك - أيها الإِنسانُ - المرجعُ والمصير فيجازيك على أعمالك، وفي الآية تهديدٌ وتحذير لهذا الإِنسان من عاقبة الطغيان، ثم هو عام لكل طاغٍ متكبر قال المفسرون: نزلت هذه الآيات إِلى آخر السورة في "أبي جهل" بعد نزول صدر السورة بمدة طويلة، وذلك أن أبا جهل كان يطغى بكثرة ماله، ويبالغ في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم والعبرةُ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فرعون هذه الأمة وتهديد الطغاة ووعيدهم
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى(9)عَبْدًا إِذَا صَلَّى(10)أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى(11)أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى(12)أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى(13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى(14)كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَا بِالنَّاصِيَةِ(15)نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ(16)فَلْيَدْعُ نَادِيَه(17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ(18)كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وِاقْتَرِب}:
سبب النزول:
نزول الآية (9):
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى}: أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاءه أبو جهل، فنهاه، فأنزل الله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى} إلى قوله: {كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}.
سبب نزول الآية: (17):
{فَلْيَدْعُ نَادِيَه}: أخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاءه أبو جهل، فقال: ألم أنهك عن هذا ؟ فزجره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل: إنك لتعلم ما بها نادٍ أكثر مني، فأنزل الله: {فَلْيَدْعُ نَادِيَه* سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} وهو حسن صحيح كما قال الترمذي.
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى*عَبْدًا إِذَا صَلَّى} تعجيبٌ من حال ذلك الشقي الفاجر أي أخبرني يا محمد عن حال ذلك المجرم الأثيم، الذي ينهى عبداً من عباد الله عن الصلاة، ما أسخف عقله، وما أشنع فعله !! قال أبو السعود: هذه الآية تقبيحٌ وتشنيعٌ لحال الطاغي وتعجيب منها، وإِيذان بأنها من الشناعة والغرابة بحيث يقضى منها العجب، وقد أجمع المفسرون على أن العبد المصلي هو محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الذي نهاه هو اللعين "أبو جهل" حيث قال: لئن رأيتُ محمداً يصلي لأطأن على عنقه {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} أي أخبرني إِن كان هذا العبد المصلي - وهو النبي صلى الله عليه وسلم - الذي تنهاه عن الصلاة صالحاً مهتدياً، على الطريقة المستقيمة في قوله وفعله!! {أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} أي أو كان آمراً بالإِخلاص والتوحيد، داعياً إِلى الهدى والرشاد، كيف تزجره وتنهاه !! فما أبلهك أيها الغبي الذي تنهي من هذه أوصافه: عبدٌ لله مطيعٌ مهتدٍ منيب، داع إِلى الهدى والرشاد ؟! وما أعجب هذا ؟ ! ثم عاد لخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أي أخبرني يا محمد إِن كذَّب بالقرآن، وأعرض عن الإِيمان {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} أي ألم يعلم ذلك الشقي أن الله مطَّلع على أحواله، مراقب لأفعاله، وسيجازيه عليها !! ويله ما أجهله وأغباه ؟! ثم ردعه وزجره فقال {كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} أي ليرتدع هذا الفاجر "أبو جهل" عن غيه وضلاله، فوالله لئن لم ينته عن أذى الرسول، ويكف عمَّا هو عليه من الكفر والضلال {لَنَسْفَعَا بِالنَّاصِيَةِ} أي لنأخذنه بناصيته - مقدم شعر الرأس - فلنجرنه إِلى النار بعنفٍ وشدة ونقذفه فيها {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} أي صاحب هذه الناصية كاذبٌ فاجرٌ، كثير الذنوب والإِجرام قال ابن جزي: ووصفها بالكذب والخطيئة مجازٌ، والكاذب الخاطئ في الحقيقة صاحبها، والخاطئ الذي يفعل الذنب معتمداً، والمخطئ الذي يفعله بدون قصد {فَلْيَدْعُ نَادِيَه} أي فليدع أهل ناديه وليستنصر بهم {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} أي سندعوا خزنة جهنم، الملائكة الغلاظ الشداد، روي أن أبا جهل مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي عند المقام فقال: ألم أنهك عن هذا يا محمد ! فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم القول، فقال أبو جهل: بأي شيء تهددني يا محمد ! والله إِني لأكثر أهل الوادي هذا نادياً فأنزل الله {فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته {كَلا لا تُطِعْهُ} أي ليرتدع هذا الفاجر، ولا تطعه يا محمد فيما دعاك إِليه من ترك الصلاة {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} أي وواظب على سجودك وصلاتك، وتقرَّب بذلك إِلى ربك وفي الحديث "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد". _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
عدل سابقا من قبل عرباوي في الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 4:27 pm عدل 1 مرات | |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "التين" الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 3:53 pm | |
| سورة التِّين
تكريم بني البشر وتحذيرهم من التكذيب بالبعث والجزاء
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة التِّين مكية، وهي تعالج موضوعين بارزين هما:
الأول: تكريم الله جل وعلا للنوع البشري.
الثاني: موضوع الإِيمان بالحساب والجزاء.
* ابتدأت السورة بالقسم بالبقاع المقدسة والأماكن المشرفة، التي خصها الله تعالى بإِنزال الوحي فيها على أنبيائه ورسله وهي "بيت المقدس" و "جبل الطور" و "مكة المكرمة" على أن الله تعالى كرَّم الإِنسان، فخلقه في أجمل صورة، وأبدع شكل، وإِذا لم يشكر نعمة ربه فسيرد إِلى أسفل دركات الجحيم {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ* وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ}.
* ووبخت الكافر على إِنكاره للبعث والنشور، بعد تلك الدلائل الباهرة التي تدل على قدرة رب العالمين، في خلقه للإِنسان في أحسن شكل، وأجمل صورة {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.
* وختمت ببيان عدل الله بإِثابة المؤمنين، وعقاب الكافرين {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ* أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} ؟ وفيها تقرير للجزاء، وإِثبات للمعاد.
تكريم بني البشر وتحذيرهم من التكذيب بالبعث والجزاء
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1)وَطُورِ سِينِينَ(2)وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ(3)لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(4)ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ(5)إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ(6)فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ(7)أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ(8) } {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} هذا قسمٌ أي أُقسمُ بالتين والزيتون لبركتهما وعظيم منفعتهما قال ابن عباس: هو تينكم الذي تأكلون، وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت وقال عكرمة: أقسم تعالى بمنابت التين والزيتون، فإِن التين ينبتُ كثيراً بدمشق، والزيتون ببيت المقدس .. وهو الأظهر، ويدل عليه أن الله تعالى عطف عليه الأماكن "جبل الطور" و "البلد الأمين" فيكون بالجبل المبارك الذي كلَّم الله عليه موسى وهو "طُورِ سيناء" ذو الشجر الكثير، الحسن المبارك قال الخازن: سمي "سِينِينَ" و "سنياء" لحسنه ولكونه مباركاً، وكلُّ جبلٍ فيه أشجارٌ مثمرة يسمى سينين وسيناء {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} أي وأُقسم بالبلد الأمين "مكة المكرمة" التي يأمن فيها من دخلها على نفسه وماله كقوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} ! ! قال الألوسي: هذه أقسام ببقاع مباركة شريفة على ما ذهب إليه الكثيرون، فأما البلد الأمين فمكة المكرمة - حماها الله - بلا خلاف، وأما طور سينين فالجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليه، ويقال له: طور سيناء، وأما التين والزيتون منبتيهما، وقيل: المراد بهما الشجران المعروفان وهو قول ابن عباس ومجاهد، والغرض من القسم بتلك الأشياء الإِبانة عن شرف البقاع المباركة، وما ظهر فيها من الخير والبركة ببعثة الأنبياء والمرسلين وقال ابن كثير: ذهب بعض الأئمة إلى أن هذه محالٌ ثلاث، بعث الله في كلٍ منها نبياً مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار فالأول: محلة التين والزيتون وهي "بيت المقدس" التي بعث الله فيها عيسى عليه السلام والثاني: طور سينين وهو "طور سيناء" الذي كلَّم الله عليه موسى بن عمران والثالث: البلد الأمين الذي من دخله كان آمناً، وهو الذي أرسل الله فيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر في آخر التوراة هذه الأماكن الثلاثة "جاء اللهُ من طور سيناء - الجبل الذي كلم الله عليه موسى - وأشرق من ساعير - يعني جبل بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى - واستعلن من جبال فاران - يعني جبال مكة التي أرسل الله منها محمداً صلى الله عليه وسلم" فذكرهم بحسب ترتيبهم بالزمان، وأقسم بالأشرف ثم الأشرف منه، ثم جنس الإِنسان في أحسن شكل، متصفاً بأجمل وأكمل الصفات، من حسن الصورة، وانتصاب القامة، وتناسب الأعضاء، مزيناً بالعلم والفهم، والعقل والتمييز، والنطق والأدب، قال مجاهد: {أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} أحسن صورة، وأبدع خلق {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} أي ثم أنزلنا درجته إِلى أسفل سافلين، لعدم قيامه بموجب ما خلقناه عليه، حيث لم يشكر نعمة خلقنا له في أحسن صورة، ولم يستعمل ما خصصناه به من المزايا في طاعتنا، فلذلك سنرده إِلى أسفل سافلين وهي جهنم قال مجاهد والحسن: {أَسْفَلَ سَافِلِينَ} أسفل دركات النار وقال الضحاك: أي رددناه إِلى أرذل العمر، وهو الهرم بعد الشباب، والضعف بعد القوة قال الألوسي: والمتبادرُ من السياقِ الإِشارة إلى حالة الكفار يوم القيامة، وأنه يكون على أقبح صورة وأبشعها، بعد أن كان على أحسن صورة وأبدعها {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي إِلا المؤمنين المتقين الذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي فلهم ثواب دائم غير مقطوع عنهم، وهو الجنة دار المتقين {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} الخطاب للإِنسان على طريقة الالتفات فما سبب تكذيبك أيها الإنسان، بعد هذا البيان وبعد وضوح الدلائل والبراهين ؟ فإِن خلق الإِنسان من نطفة، وإِيجاده في أجمل شكل وأبدع صورة، من أوضح الدلائل على قدرة الله عز وجل على البعث والجزاء، فما الذي يدعوك إِلى التكذيب بيوم الدين بعد هذه البراهين ؟ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} أي أليس الله الذي خلق وأبدع، بأعدل العادلين حكماً وقضاءً وفضلاً بين العباد ؟ وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا قرأها قال: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الشرح" الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 3:57 pm | |
| سورة الشرح
نعم الله على نبيه صلى الله عليه وسلم
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الشرح مكية، وهي تتحدث عن مكانة الرسول الجليلة، ومقامه الرفيع عند الله تعالى، وقد تناولت الحديث عن نعم الله العديدة على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بشرح صدره بالإِيمان، وتنوير قلبه بالحكمة والعرفان، وتطهيره من الذنوب والأوزار، وكل ذلك بقصد التسلية لرسول الله عليه السلام عما يلقاه من أذى الفجار، وتطييب خاطره الشريف بما منحه الله من الأنوار {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ}.
* ثم تحدثت عن إِعلاء منزلة الرسول، ورفع مقامه في الدنيا والآخرة، وقرن اسمه صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}.
* وتناولت السورة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بمكة يقاسي مع المؤمنين الشدائد والأهوال من الكفرة المكذبين، فآنسه بقرب الفرج وقرب النصر على الأعداء {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
* وختمت بالتذكير للمصطفى صلى الله عليه وسلم بواجب التفرغ لعبادة الله، بعد انتهائه من تبليغ الرسالة، شكراً لله على ما أولاه من النعم الجليلة {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ *وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}.
* * *
نعم الله على نبيه صلى الله عليه وسلم
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1)وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ(2)الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ(3)وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4)فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5)إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(6)فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ(7)وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ(8) }.
سبب النزول:
نزول الآية (6):
{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}: نزلت لما عيَّر المشركون المسلمين بالفقر. وأخرج ابن جرير عن الحسن البصري قال: لما نزلت هذه الآية: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشروا أتاكم اليسر، لن يغلب عسر يسرين".
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} استفهامٌ بمعنى التقرير أي قد شرحنا لك صدرك يا محمد بالهدى والإِيمان، ونور القرآن كقوله تعالى {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} قال ابن كثير: أي نَوَّرناه وجعلناه فسيحاً، رحيباً، واسعاً، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً، سمحاً، سهلاً، لا حرج فيه ولا إصرْ ولا ضيق وقال أبو حيان: شرحُ الصدر تنويره بالحكمة، وتوسيعه لتلقي ما يوحى إِليه وهو قول الجمهور، وقيل: هو شق جبريل لصدره في صغره وهو مرويٌ عن ابن عباس {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} أي حططنا عنك حملك الثقيل {الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} أي الذي أثقل وأوهن ظهرك قال المفسرون: المراد بالوزر الأمور التي فعلها صلى الله عليه وسلم، وَوَضْعُها عنه هو غفرانها له كقوله تعالى {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وليس المراد بالذنوب المعاصي والآثام، فإِن الرسل معصومون من مفارقة الجرائم، ولكن ما فعله عليه السلام عن اجتهاد وعوقب عليه، كإِذنه صلى الله عليه وسل للمنافقين في التخلف عن الجهاد حين اعتذروا، وأخذه الفداء من أسرى بدر، وعبسه في وجه الأعمى ونحو ذلك، قال ابن جزي: وإِنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثقل، وهي صغائر مغفورة لهم، لهمِّهم بها وتحسرهم عليها، فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله وهذا كما ورد في الأثر (إِنَّ المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه، والمنافق يرى ذنوبه كالذبابة تطير فوق أنفه) والنقيضُ هو الصوتُ الذي يسمع من المحمل فوق ظهر البعير من شدة الحمل {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} أي رفعنا شأنك، وأعلينا مقامك في الدنيا والآخرة، وجعلنا اسمك مقروناً باسمي قال مجاهد: لا أُذكر إِلا ذكرت معي وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إِلا ينادي: أشهد أن لا إِله إِلا الله وأن محمداً رسول الله، وفي الحديث (أتاني جبريل فقال لي يا محمد: إِن ربك يقول: أتدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت: الله تعالى أعلم، قال: إِذا ذكرتُ ذكرتَ معي) قال أبو حيّان: قرن الله ذكر الرسول بذكره جل وعلا في كلمة الشهادة، والأذان والإِقامة، والتشهد، والخطب، وفي غير موضع من القرآن، وأخذ على الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا به كما قال حسان بن ثابت:
وضمَّ الإِله اسم النبي إِلى اسمه إِذا قـال في الخمس المؤذن أشهد
وشـقَّ له مـن اسمه ليُجلـه فـذو العـرش محمودٌ وهذا محمد
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} أي بعد الضيق يأتي الفرج، وبعد الشدة يكون المخرج قال المفسرون: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة في ضيق وشدة هو وأصحابه، بسبب أذى المشركين للرسول والمؤمنين، فوعده الله باليسر، كما عدَّد عليه النعم في أول السورة تسلية وتأنيساً له، لتطيب نفسه ويقوى رجاؤه، وكأن الله تعالى يقول: إِنَّ الذي أنعم عليك بهذه النعم الجليلة، سينصرك عليهم، ويظهر أمرك، ويبدل لك هذا العسر بيسرٍ قريب، ولذلك كرره مبالغة فقال: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} أي سيأتي الفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر فلا تحزن ولا تضجر وفي الحديث "لن يغلب عسرٌ يسرين" {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} أي فإِذا فرغت يا محمد من دعوة الخلق، فاجتهد في عبادة الخالق، وإِذا انتهيت من أمور الدنيا، فأتعب نفسك في طلب الآخرة {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} أي اجعل همَّك ورغبتك فيما عند الله، لا في هذه الدنيا الفانية قال ابن كثير: المعنى إِذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها، وقطعت علائقها، فانصب إِلى العبادة، وقم إِليها نشيطاً فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الضحى" الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 4:02 pm | |
| سورة الضُّحَى
إنعام الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الضُّحَى مكية، وهي تتناول شخصية النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وما حباه الله به من الفضل والإِنعام في الدنيا والآخرة، ليشكر الله على تلك النعم الجليلة.
* ابتدأت السورة الكريمة بالقسم على جلالة قدر الرسول صلى الله عليه وسلم وأن ربه لم يهجره ولم يبغضه كما زعم المشركون، بل هو عند الله رفيع القدر، عظيم الشأن والمكانة {وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى* وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى*}.
* ثم بشرته بالعطاء الجزيل في الآخرة، وما أعدَّه الله تعالى لرسوله من أنواع الكرامات، ومنها الشفاعة العظمى {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
* ثم ذكَّرته بما كان عليه في الصغر، من اليتم، والفقر، والفاقة، والضياع، فآواه ربه وأغناه، وأحاطه بكلأه وعنايته {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}.
* وختمت السورة بتوصيته صلى الله عليه وسلم بوصايا ثلاث، مقابل تلك النعم الثلاث، ليعطف على اليتيم، ويرحم المحتاج، ويمسح دمعة البائس المسكين {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} وهو ختمٌ يتناسق فيه جمال اللفظ مع روعة البيان.
إنعام الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم
{وَالضُّحَى(1)وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(2)مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى(3)وَللآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى(4)وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى(5)أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى(6)وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى(7)وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى(8)فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ(9)وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ(10)وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ(11) }. سبب النزول:
نزول الآية (1) : وما بعدها:
أخرج الشيخان وغيرهما عن جندب قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة، فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله: {وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى*}.
نزول الآية (4):
{لَلآخِرَةُ خَيْرٌ..}: أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرض عليّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي، فسرّني" فأنزل الله: {لَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى} وإسناده حسن.
نزول الآية (5):
أخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال: عُرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته كَفْراً كَفْراً - أي قرية قرية - فسُرّ به، فأنزل الله : {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
{وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} أقسم تعالى بوقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمسُ، وأقسم بالليل إِذا اشتد ظلامه، وغطَّى كل شيء في الوجود قال ابن عباس: {سَجَى} أقبل بظلامه قال ابن كثير: هذا قسمٌ منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء، وبالليل إِذا سكن فأظلم وادلهمَّ، وذلك دليلٌ ظاهر على قدرته تعالى {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} أي ما تركك ربك يا محمد منذ اختارك، ولا أبغضك منذ أحبك، وهذا ردٌّ على المشركين حين قالوا: هجره ربه، وهو جواب القسم {وَللآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى} أي وللدارُ الأخرة خيرٌ لك يا محمد من هذه الحياة الدنيا، لأن الآخرة باقية، والدنيا فانية، ولهذا كان عليه السلام يقول : اللهم لا عيش إِلا عيشُ الآخرة {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} أي سوف يعطيك ربك في الآخرة من الثواب، والكرامة، والشفاعة، وغير ذلك إِلى أن ترضى قال ابن عباس: هي الشفاعة في أُمته حتى يرضى، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أمته فقال: اللهم أُمتي أُمتي وبكى، فقال الله يا جبريل اذهب إِلى محمد واسأله ما يبكيك ؟ - وهو أعلم – فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله فأخبره رسول الله بما قال ، قال الله: يا جبريل اذهب إِلى محمد وقل له: إِنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك، وفي الحديث (لكل نبي دعوةٌ مستجابة، فتعجَّل كل نبي دعوته، وإِني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي يوم القيامة) الحديث قال الخازن: والأولى حملُ الآية على ظاهرها ليشمل خيري الدنيا والآخرة معاً، فقد أعطاه الله تعالى في الدنيا النصر والظفر على الأعداء، وكثرة الأتباع والفتوح، وأعلى دينه، وجعل أمته خير الأمم، وأعطاه في الآخرة الشفاعة العامة، والمقام المحمود، وغير لك من خيري الدنيا والآخرة .. ثم لما وعده بهذا الوعد الجليل، ذكَّره بنعمه عليه في حال صغره ليشكر ربه فقال {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} أي ألم تكنْ يا محمد يتيماً في صغرك، فآواك الله إِلى عمك أبي طالب وضمَّك إِليه ؟ قال ابن كثير: وذلك أن أباه توفي وهو حملٌ في بطن أمه، ثم توفيت أُمه وله من العمر ست سنين، ثم كان في كفالة جده "عبد المطلب" إِلى أن تُوفي وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه "أبو طالب" ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره حتى ابتعثه الله على رأس الأربعين وأبو طالب على عبادة الأوثان مثل قومه ومع ذلك كان يدفع الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلُّ هذا من حفظ الله له، وكلاءته وعنايته به {وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى} أي ووجدك تائهاً عن معرفة الشريعة والدين فهداك إِليها كقوله تعالى {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} قال الإِمام الجلال: أي وجدك ضالاً عما أنت عليه الآن من الشريعة فهداك إليها، وقيل: ضلَّ في بعض شعاب مكة وهو صغير فردَّه الله إلى جده قال أبو حيان: لا يمكن حمله على الضلال الذي يقابله الهدى، لأن الأنبياء معصومون من ذلك قال ابن عباس: هو ضلاله وهو في صغره في شعاب مكة، وقيل: ضلَّ وهو مع عمه في طريق الشام {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} أي ووجدك فقيراً محتاجاً فأغناك عن الخلق، بما يسَّر لك من أسباب التجارة .. ولمَّا عدَّد عليه هذه النعم الثلاث، وصَّاه بثلاث وصايا مقابلها فقال {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} أي فأما اليتيم فلا تحتقره ولا تغلبه على ماله قال مجاهد: أي لا تحتقره وقال سفيان: لا تظلمه بتضييع ماله، والمراد كن لليتيم كالأب الرحيم، فقد كنت يتيماً فآواك الله {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} أي وأمَّا السائل المستجدي الذي يسأل عن حاجة وفقر، فلا تزجره إِذا سألك ولا تُغلظ له القول بل أعطه أو ردَّه رداً جميلاً قال قتادة: ردَّ المسكين برفقٍ ولين {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} أي حدِّثْ الناس بفضل الله وإِنعامه عليك، فإِن التحدث بالنعمة شكر لها قال الألوسي: كنت يتيماً وضالاً وعائلاً، فآواك الله وهداك وأغناك، فلا تنس نعمة الله عليك في هذه الثلاث، فتعطَّف على اليتيم، وترحَّم على السائل، فقد ذقت اليُتْمَ والفقر، وأرشد العباد إِلى طريق الرشاد، كما هداك ربك. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
عدل سابقا من قبل عرباوي في الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 4:26 pm عدل 1 مرات | |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الليل" الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 4:24 pm | |
| سورة اللَّيْل
اختلاف عمل الخلائق وتباين طرقهم قد أعذر من أنذر
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة اللَّيْل مكية، وهي تتحدث عن سعي الإِنسان وعمله، وعن كفاحه ونضاله في هذه الحياة، ثم نهايته إلى النعيم أو إِلى الجحيم.
* ابتدأت السورة الكريمة بالقسم بالليل إِذا غشي الخليقة بظلامه، وبالنهار إِذا أنار الوجود بإِشراقه وضيائه، وبالخالق العظيم الذي أوجد النوعين الذكر والأنثى، أقسم على أن عمل الخلائق مختلف، وطريقهم متباين {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى *إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}.
* ثم وضحت سبيل السعادة، وسبيل الشقاء، ورسمت الخطَّ البياني لطالب النجاة، وبينت أوصاف الأبرار والفجار، وأهل الجنة وأهل النار {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى *وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى *وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.
* ثم نبهت إِلى اغترار بعض الناس بأموالهم التي جمعوها، وثرواتهم التي كدسوها، وهي لا تنفعهم في القيامة شيئاً، وذكَّرتهم بحكمة الله في توضيحه لعباده طريق الهداية وطريق الضلالة {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى *إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى *وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى}.
* ثم حذَّرت أهل مكة من عذاب الله وانتقامه، ممن كذَّب بآياته ورسوله، وأنذرهم من نار حامية تتوهج من شدة حرها، لا يدخلها ولا يذوق سعيرها إِلا الكافر الشقي، المعرض عن هداية الله {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى* لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}.
* وختمت السورة بذكر نموذج للمؤمن الصالح، الذي ينفق ماله في وجوه الخير، ليزكي نفسه ويصونها من عذاب الله، وضربت المثل بأبي بكر الصديق رضي الله عنه حين اشترى بلالاً وأعتقه في سبيل الله {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى* وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى* إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى* وَلَسَوْفَ يَرْضَى}.
* * *
اختلاف عمل الخلائق وتباين طرقهم
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1)وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2)وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى(3)إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4)فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى(11)}. سبب النزول: نزول الآية (5):
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى..}: أخرج ابن جرير والحاكم عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه (أبو قحافة): أي بني ! أراك تعتق أناساً ضعفاء، فلو أنك تعتق رجالاً جلداء، يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبتِ، إنما أريد ما عند الله، فنزلت هذه الآيات فيه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى..} إلى آخر السورة.
نزول الآية (8):
{وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ }: قال ابن عباس: نزلت في أُمية بن خَلَف.
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} أي أُقسمُ بالليل إِذا غطَّى بظلمته الكون، وستر بشبحه الوجود {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} أي وأُقسمُ بالنهار إِذا تجلَّى وانكشف، وأنار العالم وأضاء الكون قال المفسرون: أقسم تعالى بالليل لأنه سكنٌ لكافة الخلق، يأوي فيه الإِنسان والحيوان إِلى مأواه، ويسكن عن الاضطراب والحركة، ثم أقسم بالنهار لأن فيه حركة الخلق وسعيهم إِلى اكتساب الرزق، والحكمة في هذا القسم ما في تعاقب الليل والنهار من مصالح لا تُحصى فإِنه لو كان العمر كله ليلاً لتعذر المعاش، ولو كان كله نهاراً لما سكن الإِنسان إِلى الراحة، ولاختلت مصالح البشر {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} أي وأُقسمُ بالقادر العظيم الذي خلق صنفي الذكر والأنثى، من نطفةٍ إِذا تمنى .. أقسم تعالى بذاته على خلق النوعين {الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} للتنبيه على أنه الخالق المبدع الحكيم، إِذْ لا يُعقل أن هذا التخالف بين الذكر والأنثى يحصل بمحض الصدفة من طبيعة بلهاء لا شعور لها فإِن الأجزاء الأصلية في المنيّ متساوية، فتكوينُ الولد من عناصر واحدة تارةً ذكراً، وتارة أنثى، دليلٌ على أن واضع هذا النظام عالم، بما يفعل، محكم لما يصنع {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} هذا هو جواب القسم أي إِن عملكم لمختلف، فمنكم تقيٌ ومنكم شقي، ومنكم صالحٌ ومنكم طالح، ثم فسَّره بقوله {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} أي فأما من أعطى ماله وأنفق ابتغاء وجه الله، واتقى ربه فكف عن محارم الله قال ابن كثير: أعطى ما أُمر بإخراجه، واتقى الله في أموره {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} أي وصدَّق بالجنة التي أعدَّها الله للأبرار {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أي فسنهيئه لعمل الخير، ونسهّل عليه الخصلة المؤدية لليسر، وهي فعل الطاعات وترك المحرمات {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاستَغْنَى} أي وأمَّا من بخل بإِنفاق المال، واستغنى عن عبادة ذي الجلال قال ابن عباس: بخل بماله، واستغنى عن ربه عزَّ وجل {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} أي وكذَّب بالجنة ونعيمها {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} أي فسنهيئه للخصلة المؤدية للعسر، وهي الحياة السيئة في الدنيا والآخرة وهي طريق الشر قال المفسرون: سمَّى طريقة الخير يسرى لأن عاقبتها اليسر وهي دخول الجنة دار النعيم، وسمَّى طريقة الشرِّ عسرى لأن عاقبتها العسر وهو دخول الجحيم {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} استفهام إِنكاري أيْ أيُّ شيء ينفعه ماله إِذا هلك وهوى في نار جهنم ؟ هل ينفعه المال، ويدفع عنه الوبال ؟
قد أعذر من أنذر
{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12)وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى(13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى(14)لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى(15)الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى(16)وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى(17)الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18)وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى(19)إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى(20)وَلَسَوْفَ يَرْضَى(21)}. سبب النزول:
نزول الآية (17):
{ وَسَيُجَنَّبُهَا..}: أخرج ابن أبي حاتم عن عروة: أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة، كلهم يعذب في الله، وفيه نزلت: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} إلى آخر السورة.
نزول الآية (19)}:
{وَمَا لأَحَدٍ.. }: روى عطاء عن ابن عباس قال: إن بلالاً لما أسلم، ذهب إلى الأصنام فسلم عليها، وكان عبداً لعبد الله بن جُدْعان، فشكا إليه المشركين ما فعل، فوهبه لهم، ومئة من الإبل ينحرونها لآلهتهم، فأخذوه وجعلوا يعذبونه في الرمضاء، وهو يقول: أحَدٌ أحَدٌ فمرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ينجيك أحدٌ أحدٌ. ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر: أن بلالاً يعذّب في الله، فحمل أبو بكر رطلاً من ذهب، فابتاعه به. فقال المشركون: ما فعل أبو بكر ذلك إلا لِيَدٍ كانت لبلال عنده، فأنزل الله تعالى: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى}.
{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} أي إِنَّ علينا أن نبيِّن للناس طريق الهدى من طريق الضلالة، ونوضّح سبيل الرشد من سبيل الغي كقوله {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} أي لنا ما في الدنيا والآخرة، فمن طلبهما من غير الله فقد أخطأ الطريق {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} أي فحذرتكم يا أهل مكة ناراً تتوقَّد وتتوهج من شدة حرارتها {لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى} أي لا يدخلها للخلود فيها ولا يذوق سعيرها، إِلاّ الكافر الشقي .. ثم فسَّره تعالى بقوله {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أي كذَّب الرسل وأعرض عن الإِيمان {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} أي وسيبعد عن النار التقيُ النقيُّ، المبالغ في اجتناب الشرك والمعاصي .. ثم فسَّره تعالى بقوله {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} أي الذي ينفق ماله في وجوه الخير ليزكي نفسه {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} أي وليس لأحدٍ عنده نعمة حتى يكافئه عليها، وإِنما ينفق لوجه الله قال المفسرون: نزلت الآيات في حقِّ "أبي بكر الصديق" حين اشترى بلالاً وأعتقه في سبيل الله فقال المشركون: إِنما فعل ذلك لِيَدٍ كانت له عنده فنزلت {إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} أي ليس له غاية إِلا مرضاة الله {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} أي ولسوف يعطيه الله في الآخرة ما يرضيه وعْدٌ كريم من رب رحيم.
_________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
عرباوي المدير العام
عدد الرسائل : 22560 تاريخ الميلاد : 06/02/1980 العمر : 44 نقاط : 58155 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: تفسير سورة "الشمس" الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 4:31 pm | |
| سورة الشَّمْس
قسمه تعالى بنفسه ومخلوقاته على فلاح التقيّ وخسران الشقيّ الاعتبار بقصة ثمود، وحال من طغى
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة الشَّمْس مكية، وقد تناولت موضوعين اثنين وهما:
1- موضوع النفس الإِنسانية، وما جبَلها الله عليه من الخير والشر، والهدى والضلال.
2- وموضوع الطغيان ممثلاً في {ثَمُودُ} الذين عقروا الناقة فأهلكهم الله ودمرهم.
* ابتدأت السورة الكريمة بالقسم بسبعة أشياء من مخلوقات الله جل وعلا، فأقسم تعالى بالشمس وضوئها الساطع، وبالقمر إِذا أعقبها وهو طالع، ثم بالنهار إِذا جلا ظلمة الليل بضيائه، وبالليل إِذا غطَّى الكائنات بظلامه، ثم بالقادر الذي أحكم بناء السماء بلا عمد، وبالأرض الذي بسطها على ما جمد، وبالنفس البشرية التي كملها الله وزينها بالفضائل والكمالات، أقسم بهذه الأمور على فلاح الإِنسان ونجاحه إِذا اتقى الله، وعلى شقاوته وخسرانه إِذا طغى وتمرد.
* ثم ذكر تعالى قصة {ثَمُودُ} قوم صالح حين كذبوا رسولهم، وطغوا وبغوا في الأرض، وعقروا الناقة التي خلقها الله تعالى من صخر أصم معجزةً لرسوله صالح عليه السلام، وما كان من أمر هلاكهم الفظيع الذي بقي عبرةً لمن يعتبر، وهو نموذج لكل كافرٍ فاجرٍ مكذب لرسل الله.
* وقد ختمت السورة الكريمة بأنه تعالى لا يخاف عاقبة إِهلاكهم وتدميرهم، لأنه {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
قسمه تعالى بنفسه ومخلوقاته على فلاح التقيّ وخسران الشقيّ
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا(1)وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا(2)وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا(3)وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا(4)وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا(5)وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا(6)وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7)فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)}.
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} أي أُقسم بالشمس وضوئها الساطع إِذا أنار الكون وبدَّد الظلام {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} أي وأُقسم بالقمر إِذا سطع مضيئاً، وتبع الشمس طالعاً بعد غروبها قال المفسرون: وذلك في النصف الأول من الشهر، إِذا غربت الشمس تلاها القمر في الإِضاءة وخلقها في النور، وحكمةُ القسم بالشمس أن العالم في وقت غيبة الشمس عنهم كالأموات، فإِذا ظهر الصبح وبزغت الشمس دبت فيهم الحياة، وصار الأموات أحياء فانتشروا لأعمالهم وقت الضحوة، وهذه الحالة تشبه أحوال القيامة، ووقتُ الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها، والشمسُ والقمر مخلوقان لمصالح البشر، والقسم بهما للتنبيه على ما فيهما من المنافع العظيمة {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا} أي وأقسم بالنهار إِذا جلا ظلمة الله بضيائه، وكشفها بنوره وقال ابن كثير: إِذا جلا البسيطة وأضاء الكون بنوره {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} أي وأقسمُ بالليل إِذا غطَّى الكون بظلامه، ولفَّه بشبحه، فالنهار يجلي المعمورة ويظهرها، والليل يغطيها ويسترها، قال الصاوي: وأتى بالفعل مضارعاً { يَغْشَاهَا} ولم يقل {غشيها} مراعاةً للفواصل {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} أي وأقسم بالقادر العظيم الذي بنى السماء، وأحكم بناءها بلا عمد قال المفسرون: {وَمَا} اسم موصول بمعنى "منْ" أي والسماء ومن بناها والمراد به الله رب العالمين، بدليل قوله بعده {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} كأنه قال: والقادر العظيم الشأن الذي بناها، فدلَّ بناؤها وإِحكامها على وجوده، وكمال قدرته {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} أي وأقسمُ بالأرض ومن بسطها من كل جانب، وجعلها ممتدة ممهَّدة، صالحة لسكنى الإِنسان والحيوان، وهذا لا ينافي كرويتها كما قال المفسرون، لأن الغرض من الآية الامتنان بجعل الأرض ممتدة واسعة، ميسّرة للزراعة والفلاحة وسكنى الإِنسان {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} أي وأقسمُ بالنفس البشرية وبالذي أنشأها وأبدعها، وجعلها مستعدة لكمالها، وذلك بتعديل أعضائها، وقواها الظاهرة والباطنة، ومن تمام تسويتها أن وهبها العقل الذي تميز به بين الخير والشر، والتقوى والفجور، ولهذا قال {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} أي وعرَّفها الفجور والتقوى، وما تميز به بين رشدها وضلالها قال ابن عباس: بيَّن لها الخير والشر، والطاعة والمعصية، وعرَّفها ما تأتي وما تتقي قال المفسرون: أقسم سبحانه بسبعة أشياء "الشمس، والقمر، والليل، والنهار، والسماء، والأرض، والنفس البشرية" إِظهاراً لعظمة قدرته، وانفراده بالألوهية، واشارةً إِلى كثرة مصالح تلك الأشياء وعظم نفعها وأنها لا بد لها من صانع ومدبر لحركاتها وسكناتها وقال الإِمام الفخر الرازي: لما كانت الشمس أعظم المحسوسات، ذكرها تعالى مع أوصافها الأربعة الدالة على عظمها، ثم ذكر سبحانه ذاته المقدسة، ووصفها - جلَّ وعلا - بصفاتٍ ثلاث ليحظى العقل بإِدراك جلال الله تعالى وعظمته، كما يليق به جلَّ جلاله، فكان ذلك طريقاً إِلى جذب العقل من حضيض عالم المحسوسات، إِلى بيداء أوج كبريائه جلَّ شأنه {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} هذا هو جواب القسم أي لقد فاز وأفلح من زكَّى نفسه بطاعة الله، وطهَّرها من دنس المعاصي والآثام {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} أي وقد خسر وخاب من حقَّر نفسه بالكفر والمعاصي، وأوردها موارد الهلكة، فإِنَّ من طاوع هواه، وعصى أمر مولاه، فقد نقص من عداد العقلاء، والتحق بالجهلة الأغبياء.
العبرة بقصة ثمود، وحال من طغى
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا(11)إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا(12)فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا(13)فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا(14)وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا(15) }.
ثم ضرب تعالى مثلاً لمن طغى وبغى، ولم يطهر نفسه من دنس الكفر والعصيان، فذكر {ثَمُودَ} قوم صالح عليه السلام فقال {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} أي كذبت ثمود نبيها بسبب طغيانها {إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} أي حين انطلق أشقى القوم بسرعةٍ ونشاط يعقر الناقة قال ابن كثير: وهو "قدار بن سالف" الذي قال الله فيه {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} وكان عزيزاً شريفاً في قومه، ورئيساً مطاعاً فيهم، وهو أشقى القبيلة {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ} أي فقال لهم صالح عليه السلام {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} أي احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء، واحذروا أيضاً أن تمنعوها من سُقياها أي شربها ونصيبها من الماء كما قال تعالى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} أي فكذبوا نبيهم صالحاً وقتلوا الناقة، ولم يلتفتوا إلى تحذيره {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} أي فأهلكهم اللهُ ودمَّرهم عن آخرهم بسبب إِجرامهم وطغيانهم قال الخازن: والدمدمة: هلاكٌ باستئصال والمعنى أطبق عليهم العذاب طبقاً فلم ينفلت منهم أحد {فَسَوَّاهَا} أي فسوَّى بين القبيلة في العقوبة فلم يفلت منهم أحد، لا صغير ولا كبير، ولا غنيٌ ولا فقير {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} أي ولا يخاف تعالى عاقبة إِهلاكهم وتدميرهم، كما يخاف الرؤساء والملوك عاقبة ما يفعلون، لأنه تعالى لا يُسأل عما يفعل. _________________ قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
| |
|
| |
| شرح وتفسير جزء عم كاملاً | |
|