[center][center]س: ما الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر من حيث التعريف والأحكام؟
ج:
الشرك الأكبر: أن يجعل الإنسان لله نداً إما في أسمائه وصفاته فيسميه بأسماء الله ويصفه بصفاته، قال الله تعالى:
وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ
يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأعراف:180]، ومن الإلحاد في أسمائه تسمية غيره باسمه المختص به، أو وصفه بصفته كذلك.
وإما أن يجعل له نداً في العبادة بأن يضرع إلى غيره تعالى من شمس أو قمر
أو نبي أو ملك أو ولي مثلاً بقربة من القرب صلاة، أو استغاثة به في شدة أو
مكروه، أو استعانة به في جلب مصلحة أو دعاء ميت أو غائب لتفريج كربة، أو
تحقيق مطلوب، أو نحو ذلك ممن هو من اختصاص الله سبحانه، فكل هذا وأمثاله
عبادة لغير الله، واتخاذ لشريك مع الله، قال الله تعالى:
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ
فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ
أَحَداً [الكهف:110] وأمثالها من آيات توحيد العبادة كثير.
وإما أن يجعل لله نداً في التشريع: بأن يتخذ مشرعاً له سوى الله، أو
شريكاً لله في التشريع يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم؛ عبادةً
وتقرباً وقضاءً وفصلاً في الخصومات، أو يستحله وإن لم يره ديناً، وفي هذا
يقول تعالى في اليهود والنصارى:
اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ
وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ
إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ [التوبة:31]، وأمثال هذا من الآيات والأحاديث التي جاءت في الرضا بحكم سوى
حكم الله، أو الإعراض عن التحاكم إلى حكم الله، والعدول عنه إلى التحاكم
إلى قوانين وضعية، أو عادات قبلية، أو نحو ذلك، فهذه الأنواع الثلاثة من
الشرك الأكبر الذي يرتد به فاعله أو معتقده عن ملة الإسلام، فلا يصلى عليه
إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث عنه ماله، بل يكون لبيت
مال المسلمين، ولا تؤكل ذبيحته، ويحكم بوجوب قتله، ويتولى ذلك ولي أمر
المسلمين، إلا أنه يستتاب قبل قتله، فإن تاب قُبلت توبته ولم يقتل وعومل
معاملة المسلمين.
أما
الشرك الأصغر: فكل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى
الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه، وجاء في النصوص ما تسميته شركاً كالحلف
بغير الله، فإنه مظنة للإنحدار إلى الشرك الأكبر؛ ولهذا نهى عنه النبي
، فقد ثبت عنه
أنه قال:
{ ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت } بل سماه مشركاً، روى ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي
قال:
{ من حلف بغير الله فقد أشرك }[رواه أحمد والترمذي والحاكم بإسناد جيد]، لأن الحلف بغير الله فيه غلو في
تعظيم غير الله، وقد ينتهي ذلك التعظيم بمن حلف بغير الله إلى الشرك
الأكبر.
ومن أمثلة الشرك الأصغر أيضاً: ما يجري على ألسنة كثير من المسلمين من
قولهم: ( ما شاء الله وشئت )، ( لولا الله وأنت )، ونحو ذلك، وقد نهى
النبي
عن ذلك، وأرشد من قاله إلى أن يقول:
{ ما شاء الله وحده - أو - ما شاء الله ثم شئت }؛
سداً لذريعة الشرك الأكبر من اعتقاد شريك لله في إرادة حدوث الكونيات
ووقوعها، وفي معنى ذلك قولهم: ( توكلت على الله وعليك )، وقولهم: ( لولا
صياح الديك أو البط لسرق المتاع )، ومن أمثلة ذلك: الرياء اليسير في أفعال
العبادات وأقوالها، كأن يطيل في الصلاة أحياناً ليراه الناس، أو يرفع صوته
بالقراءة أو الذكر أحياناً ليسمعه الناس فيحمدوه، روى الإمام أحمد بإسناد
حسن عن محمود بن لبيد
قال: قال رسول الله
:
{ إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء }،
أما إذا كان لا يأتي بأصل العبادة إلا رياء ولو لا ذلك ما صلى ولا صام ولا
ذكر الله ولا قرأ القرآن فهو مشرك شركاً أكبر، وهو من المنافقين الذين قال
الله فيهم:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا
قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ
يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ
لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن
تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ
تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً
(144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ
وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ
وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ
فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ
أَجْراً عَظِيماً [النساء:142-146]، وصدق فيهم قوله تعالى في الحديث القدسي:
{ أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه } [رواه مسلم في صحيحه].
والشرك الأصغر لا يخرج من ارتكس فيه من ملة الإسلام، ولكنه أكبر الكبائر
بعد الشرك الأكبر؛ ولذا قال عبدالله بن مسعود: ( لأن أحلف بالله كاذباً
أحب إلي أن أحلف بغيره صادقاً )، وعلى هذا فمن أحكامه: أن يعامل معاملة
المسلمين فيرثه أهله، ويرثهم حسب ما ورد بيانه في الشرع، ويصلى عليه إذا
مات ويدفن في مقابر المسلمين، وتؤكل ذبيحته إلى أمثال ذلك من أحكام
الإسلام، ولا يخلد في النار إن أدخلها كسائر مرتكبي الكبائر عند أهل السنة
والجماعة، خلافاً للخوارج والمعتزلة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء].
س: هل هناك فرق بين المسلمين الذين عندهم نوع من الشرك، وبين المشركين الذين لم يعترفوا بالإسلام؟
ج: لا فرق بين من يرتكب في بدع شركية تخرج من ينتسب إلى الإسلام منه، وبين
من لم يدخل في الإسلام مطلقاً في تحريم المناكحة، ومنع التوارث بينهم وبين
المسلمين، ولكن بينهم تفاوتاً في درجة طغيانهم، فمثلاً الأول: يعتبر
مرتداً عن الإسلام يستتاب فإن تاب وإلا قتل لردته، وماله لبيت المال لا
لزوجه وأهله؛ لقول النبي
:
{ من بدل دينه فاقتلوه }والثاني: يدعى إلى الإسلام فإن استجاب فبها، وإلا شرع جهاده وقتاله كسائر
الكافرين، وماله فيء أو غنيمة للمسلمين إن أخذوه في جهاد، ولورثته من أهل
دينه إن مات في غير جهاد، إلا أن يكون المشرك من أهل الكتاب والمجوس فإنهم
يقرون بالجزية إذا التزموا بها عن يد وهم صاغرون وإلا قوتلوا عند القدرة
على ذلك؛ لقوله سبحانه:
قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ
وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ
دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ
الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، وثبت عنه
أنه أخذ الجزية من مجوسي هجر.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصبحه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء].