وقع كتيب صغير بين يدي هذا الصباح
تحت عنوان ( ارحموا الشباب ) بقـلم
الداعية الكبير رحمه الله الشيـخ علي
الطنطاوي وقد كتبه منذ حوالي ثلاثين
سنة ، وما جعلني أنـقله لكم شعوري
كأنه يتحدث عن الحاضر الذي نـحن
فيه ، يقول رحمه الله وغفر له :
هذا حديث أذعته من إذاعـة دمشـق قبـل إحـدى وثلاثـن سنـة،
كان مـن (المفـروض) أن يكـون قـد مضـى زمانـه وذهبـت
مناسبته ، وصار خبرا للتاريـخ بعـد أن كـان وصفـا للحاضـر.
وكنت (كما قلت لكـم ) أكتـب أحاديثـي فوقـع فـي يـدي اليـوم
فنظـرت فيـه ، فـإذا هـو لا يـزال جديـدا كـأن هـذه السنيـن
الثلاثين لـم تصلـح مـن أمورنـا شيئـا ، وكـأن هـذه الخطـب
والمواعـظ وهـذه المقـالات والمباحـث قـد ذهـبـت هــدرا ،
ولم تخلف أثرا. لهـذا ، ولأنـه ليـس فـي الألـف مـن القـراء
واحـد سمعـه او اطلـع عليـه ، ولأن النفـع مـنـه لا يــزال
بحمد الله مرجوا كما كان بالأمـس ، أستأذكـم فـي نشـره هنـا.
أنا أعلم أني تكلمت في هذا الموضوع كلامـا كثيـرا ولكـن مـاذا
أصنع إذا كنت أرى الحريـق فـي الحـي ، وأبصـر لهـب النـار،
يعلو في الـدار، ودعـوت فلـم يستمـع أحـد ، واستنجـدت فلـم
ينجدني أحد ؟ أترونني قد عملت كـل مـا علـي ولـم يبـق إلا أن
أذهـب فأنـام ، وأغطـي وجهـي باللحـاف ؟ إن علـى كـاتـب
الجريدة، وخطيب المنبر ، ومعلم المدرسـة، وكـل مـن يستطيـع
أن يسهم في الإصلاح ، أن يستمر فيـه ولـو لـم يقطـف الثمـرة
عاجلة ، ولا يقول قد ملّ النـاس , فمـا كنـت مغنيـا أطربهـم ،
ولا مسليـا أو مضحكـا أضحكهـم ، ولكننـي طبيـب أعالجهـم ،
فهل يغلق الطبيب عيادته إذا جاء عشـرون فـي اليـوم يحملـون
المرض الواحد يقول لهم لقد مللـت مـن عـلاج هـذا المـرض ،
فهاتوا لـي مرضـا أو انصرفـوا عنـي . جاءنـي يومئـذ كتـاب
حمله إلي البريد فيما يحمل مـن كتـب ورسائـل لبرنامجـي فـي
الإذاعة ، يقص فيـه صاحبـه ( ولسـت أدري مـن هـو وليـس
في الكتاب ما يدل عليـه ) يقـص قصـة يقطـر مـن سطورهـا
الدمع ، ويشم منها رائحة القلـب المحتـرق، يقـول : إنـه رجـل
مستور صالح متمسك بحبال الديانة ، مقيم علـى عهـد الفضيلـة ،
وله بنت مشت في طريق الشـر خطـوة خطـوة ، حتـى صحبـت
الأشرار ، وهتكت الأستار، فسقطت في حفـرة العـار، وتلـك هـي
النهاية التي تنتهي إليها كل فتاة تسلك سبيـل الغوايـة والضـلال .
ويقول : إن سبب ذلـك كلـه المدرسـة أولا ، والجامعـة ثانيـا ،
ويلعن المدارس التي علمت البنات الاختـلاط والقعـود إلـى جنـب
الرجال ومبادلتهم الأحاديث وما يجر إليـه الحديـث مـن أضـرار،
ويلعن المجتمع الذي أفسدهن الى آخـر مـا جـاء فـي الكتـاب.
وكتبت إليه يومئذ أقول له : أنا أعرف أنـك متألـم مصـاب ولكـن
ماذا أصنـع لـك الآن ؟ مـاذا أعمـل الان بعدمـا شبـت النـار ،
في الدار، وطغى السيل في الليـل ، واحتـرق مـا احتـرق أو أودى
به الغرق ؟ ماذا يصنع الطبيب إن دعي بعدمـا مـات المريـض أو
كاد ؟ هلا دعوته والمرض في بدايته فهو ضعيـف ، والأمـل فـي
الشفاء قوي؟ لا يا أخي لست أملـك لـك إلا العـزاء ، وأن أسـأل
الله لك الصبر على البلاء. علي إن عجـزت عـن إسعافـه فلسـت
أعجز عن إسعاف غيره ممن لم تزل به بعـد الحـال ، إلـى هـذا
المآل ، ولولا الحياء من أن أكون مع الدهـر عليـه ، وأن أزيـده
ألما على ألمه ، لقلت له : إن الأمر منك أنـت ، منـك أيهـا الأب ،
وأيتهـا الأم ، وإن أولـى النـاس بمـا سقـت مــن اللعـنـات
( لو كان يجوز اللعن ) انتما الاثنان . لو كنت تشـرف علـى بيتـك
وبنتك ، لا يلهيك عنهما العمـل، ولا اللهو والكسـل، ولا السهـرات
والقهـوات، ولـو كنـت أنـت تشرفيـن علـى بيتـك وبنـتـك ،
لا تشغلـك عنهمـا الخيـاطـات والمزيـنـات ، والاستقـبـالات
والزيـارات ، ولـو لـم تدعـي البنـت للخادمـات والمربـيـات،
لـمـا كــان الــذي كان.عـلـي أن أبــرئ الـمـدرسـة ،
ولا أنزه المجتمع ، فالأب مسؤول ، والمعلـم مسـؤول، والصحفـي
مسؤول ، ومن بيده الأمر مسؤول ، كلهم مسـؤول ولعـل آخرهـم
سؤالا وأقلهم تبعة البنت التي فسقت ، والولـد الـذي فسـد. علـى
أننا ننكر الفسوق والفساد على كـل حـال. لقـد وضـع الله هـذه
الغريزة في النفس ورسم لها طريقا تمشي فيه ، كما يمشـي مـاء
السيل في مجراه الذي أعد له ، ووضع فيه من السدود مـا يمنعـه
من أن يطغى عليه، ويخرج عنه كما يخرج النهـر أحيانـا فيغـرق
الحقل ، ويهلك الحـرث والنسـل. أمـا المجـرى الطبيعـي فهـو
الزواج ، وأما الطغيان فالبغـاء والفسـاد ، فجئنـا نحـن فخالفنـا
فطـرة الله فسددنـا المجـرى الطبيعـي ،وأزحنـا عنـه السـدود
والحدود ، وتركناه ينطلـق كمـا يشـاء ، فيدمـر البـلاد، ويهلـك
العباد ، ورأينا قوما فـي شمالـي أوروبـا وفـي أمريكايصنعـون
هذا فقلنا إنهم هم المتمدنـون ، وهـم أهـل الحضـارة ،فلنصنـع
صنيعهم ، ولنمش وراءهـم . قلنـا للشابـة : الزواجممنـوع لأن
الشبـاب شغلـوا عنـه بالحـرام ، ولأن الآبـاء طمعـوا بمهـور
النسـاء ، وجعلـوا بناتهـم تجـارة للربـح ، لا بـابـا للحـيـاة
الشريقة العفيفـة، ورددنـا الخاطـب التقـي الصالـح الموافـق ،
وأطلقنا البنت تخرج بادية محاسنهـا ظاهـرة مفاتنهـا قـد نبـذت
حجابها ، وأبدت سحرهـا وشبابهـا .وربمـا طمـع الأب بمرتبهـا
إن كانت موظفة فمنع زواجها يقول : ( بنتـي وأنـا حـر فيهـا ) ،
لا يا أخي ، لست حرا فيها ، إنها ليست شـاة ولا بقـرة تملكهـا ،
تستطيع بأن تبيعهـا أو تمسكهـا ، ولكنهـا بشـر مثلـك وإنمـا
جعل الله لك الولايـة عليهـا لمصلحتهـا، ولتصونهـا ، وتمنعهـا
من أن تقدم على ما يؤذيها في دينهـا ، ولا ينفعهـا فـي دنياهـا ،
فالولاية في الزواج كالكابـح فـي السيـارة ، يمنعهـا أن تنهـار
فتصطدم بالجدار. من هنا ، مما يصنع بعض الآباء ، قـلّ النكـاح ،
وكثر السفاح ، وكانت الضحية البنـت ، يجـيء الشـاب فيغويهـا
فإذا اشتركا في الإثم ذهب هو خفيفا نظيفا ، وحلمـت هـي وحدهـا
ثمرة الإثم : ثقلا في بطنها وعارا على جبينها ، يتوب هـو فينسـى
المجتمع حوبته ، ويقبل توبته ، وتتوب هـي فـلا يقبـل لهـا هـذا
المجتمع توبـة أبـدا. ثـم إذا أراد هـذا الشـاب نفسـه الـزواج ،
أعرض عن تلك الفتاة التي أفسدها هو ، مترفعـا عنهـا ، مدعيـا
أنه لا يتزوج البنـات الفاسـدات . فمـاذا تصنـع الفتـاة والـزواج
ممنـوع ، والسفـاح مبـاح ، والرغبـة موجـودة ، والــروادع
مفقودة .تقولون : أنحن منعنا الـزواج ؟ نعـم . أنتـم منعتمـوه .
لم تمنعوه بالقول لكن بالفعل ، تبـدأ الرغبـة الجنسيـة فـي سـن
خمس عشرة وتكون أشد مـا تكـون فـي هـذه العشـر سنيـن ،
إلى سـن خمـس وعشريـن فهـل يستطيـع الشـاب أن يتـزوج
في هذا السـن ؟ وكيـف ؟ ونظـام التعليـم يبقيـه علـى مقاعـد
الدرس ، إلى ما بعدهـا ؟ وإن هـو ذهـب للتخصصفـي أوروبـا
أو امريكا امتدت به الدراسـة إلـى قريـب مـن سـن الثلاثيـن ،
فماذا يصنع في هذه السنين ؟ وإذا هـو فكـر فـي الـزوج فمـن
أين له المال ؟ ولا يـزال وهـو فـي سـن الرجـال مـن جملـة
العيال : شـاب طويـل عريـض يلبـس أفخـم الثيـاب ، ولكنـه
لا يحصـل قرشـا . مـع أن ابـن عشريـن كـان قديمـا أعنـي
قبل ستين أو سبعين سنـه صاحـب عمـل وكسـب وأبـا لأولاد .
وإن وجـد المـال فهـل يدعـه الآبـاء يتـزوج ؟ آبـاء البنـات
هم سبب المشكلة : يسهلون للبنت من حيث لا يدرون كـل سبيـل ،
إلا سبيل الحلال ، يخرجونها ( فـي كثيـر مـن بـلاد المسلميـن )
متكشفة متزينة ويرخون لها الزمـام ، فـإذا جـاء مـن ترتضـي
أخلاقه ، ويرضي دينه ، ويكون مـن أهـل الأمانـة ، لقـي منهـم
ما يلقى الأسير العربي في إسرائيـل .أهلكـوه بالمطالـب الثقـال :
من المهر الكبيـر ، والتكاليـف الباهظـة , والحفـلات المتكـررة,
والهدايا العديدة ، حتـى يمـل فينهـزم ، أو يصبـر فتستنفـذ هـذه
العادات كل ريال كان قد ادره لهـذا اليـوم الأسـود ، فيدخـل بيـت
الزوجية مفلسا فيبدأ الخصام من أول يوم ، ومتـى دخـل الخصـام
بيتا خرجت السعادة من ذلك البيت .ومن الآباء ( فـي البـلاد التـي
خالفت عن أمر الله فترك نساؤها الحجاب ) من يـدع ابنتـه تخـرج
سافرة حاسرة ، في فتنتهـا وزينتهـا ، يراهـا كـل مـن يمشـي
في الطريق ، فإن أراد الخاطب أن يراهـا الرؤيـة الشرعيـة التـي
أمر الله بها رسول الله علية الصلاة والسلام أباهـا عليـه ومنعهـا
منه . ومن ظن أن في هذه الرؤية الشرعيـة عـارا ، أو أن فيهـا
عيبا أو عملا لا يليق ، فقد قبح مـا استحسنـه رسـول الله عليـة
الصلاة والسلام ، ورفض ما أمر به ، وظن أنه أغيـر منـه علـى
الشرف والأخلاق ، ومن فعل ذلك فربما خرج عـن ديـن الإسـلام.
إن ربنا لم يحرم علينا شيئا إلا أن أحل لنا ما يغني عنه ويسد مسده ،
ويقوم مقامه ،حرم الزنا وأباح الزواج ، والـذي يعملـه المتـزوج
هو الذي يصنعه الزاني ، فلماذا نوقد الأنـوار فـي مقدمـة الـدار ،
عند حفلة الزواج ، ونطبـع البطاقـات ، وندعـو إليهـا النـاس ،
ومن أراد الفاحشة تسلل إليها في الظـلام ، وابتغـى لهـا الزوايـا
التي لا يبصره فيها أحد من البشر ، إنهمـا كمـن يدخـل المطعـم
وماله في جيبه ، فيقعد على الكرسي مطمئنا ، ويطلب قائمة الطعـام
متمهلا ، فيختار ما يريد ، فيأتيه النادل به فيأكله مترسلا ، واللـص
الذي يخطـف شيئـا مـن المطعـم فيلحقـه النـاس يصرخـون :
( حرامي حرامي ) فيلتهم الطعام وهو يعـدو يبتلعـه حـارا وربمـا
اعترض في حلقه وغص به ، فأحس الغصة فـي صـدره ، ثـم لا
يهنأبه ولا يكاد يسيغـه . فتيسيـر الـزواج هـو ( السـد الأول )
أقامه الشرع في طريق الحرام ، فهدمنـاه لمـا صعبنـا النكـاح ،
وسهلنا السفاح . ومنع الشرع الاختلاط وقـال : ( مـا خـلا رجـل
بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهمـا ) فجـاء نـاس منـا ، ببغـاوات
خلقهن الله على صـورة البشـر، تقـول مـا يقـال لهـا وإن لـم
تدرك معناه ، وإن لم تعرف مغزاه ، قالوا : مـا هـذه الرجعيـة ؟
ما هذا الاحتقار للمرأة وسوء الظن بها ، أتحرم المـرأة حريتهـا ؟
أنتم أعداء المرأة ، وكثير من أمثال هذا الهذيـان ، يـردده مـن لا
يدرك أثره ولا يعرف مغزاه . قلنا : مـا نحـن والله أعـداء المـرأة
نحـن أحباؤهـا نحـن المدافعـون عنهـا المحافظـون عليـهـا،
نحن نحميها من عدوان الرجـل الفاسـق ، ومـن ظلـم المجتمـع
الجائر ، فلم يصدقونا ، وخدعوا المـرأة حتـى ظنـت أن الاختـلاط
مدنية ، وتركوها تنفرد بالرجل وحها ، فـي عيـادة الطبيـب حيـث
تكشف عن بعـض جسدهـا ، وفـي مخـزن التاجرحيـث تكلمـه
ويكلمها، وتحسر عـن وجههـا لتـرى البضاعـة ، وعـن يدهـا
لتمسك بها ، وفي المدارس التـي جعلناهـا مختلطـة وبدأنـا مـن
رياض الأطفال ، فقلنا هؤلاء صغار لا يدركون ، وهذا حـق ولكـن
ألا تبقى صورة البنت في ذاكرته حتى يكبر ؟ فـإذا كبـر ألا يكـون
تذكّرأيام الروضة والحديـث عنهـا ، فاتحـة لصلـة جديـدة بينـه
وبينها ، أو ليس في رياض الأطفال بنات وصبيـان بلغـوا أو بلغـن
سن التمييز وبدؤوا يدركون من كثرة ما يسمعـون مـن النـاس ،
وما يـرون مـن المسلسـلات والأفـلام، بـدؤوا يدركـون شيئـا
من معنى الزواج ، ثم تدرجنا في كثير من بلاد المسلميـن فجعلنـا
المدارس الابتدائية مختلطا فيها البنون بالبنات ، وفيهـن مراهقـات
أو بالغات ، أو لم نجعل الأصـل فـي الجامعـات الاختـلاط : يقعـد
الشاب العزب المحـروم الـذي تنضـح كـل خليـة فـي جسمـه
بهذا الميل الذي نسميه ( جنسيا ) بجنب الفتـاة يـم بكتفـه كتفهـا
وبرجله رجلها وربما كانت سافرة حاسـرة تلمـس وجهـه أو يـده
أطراف جدائلها ؟ وربما كانت قصيرة الثوب قد ارتفع عن ركبتيهـا ،
وكشف طرفا من فخذيها ، ثم يقول له انتبه لحل مسائل الرياضيات ،
ومعادلات الكيمياء، وشرح المعلقات ، اجعل ذهنك فيهـا وانـس أن
إلى جنبك بنتا تتمناها وتشتهيها ، لقد جعلنا هذا الاختلاط هو الأصـل
في السفر وفي الحضر ، وفي المدرسـة وفـي الملعـب ، وعلـى
الشواطيء وفـي الجبـال ، وقلنـا هـذه هـي المدنيـة فانكسـر
( السد الثاني ) . وكان ( السد الثالث ) خوف الفضيحـة ، فانقلبـت
الحال حتى صار الشاب الفاسق يفخر بفسوقـه ، ويسـرد حـوادث
فجـوره ، بعـد أن كـان يتـوارى ويستتـر، ويجحـد إن سـئـل
وينكر ، وصارت القصص الماجنة مباحـة لكـل قـارئ ، تصـور
أفظـع الحـوادث التـي صـاروا يسمونهـا ( حـوادث الجنـس )
بريشة المصور ، أو بقلـم الكاتـب ، يقرؤهـا الشـاب والشابـة ،
ويمدح كاتبوها علـى ألسنةأدبائنـا ونقادنـا ، ولقـد قـرأت مـن
قريـب مقالـة لأديـب كبيـر فـي السـن ،وكبيـر فـي القـدر ،
يمـدح فيهـا الكاتـب الفاسـق ( البيرتـو مورافيـا ) والفاسـق
الآخر الـذي هلـك منـذ زمـن بعيـد وهـو ( اوسكـار ويلـد )
يدفع الشباب إلى قـراءة كتبهما،وصـارت الأقـلام تعـرض هـذه
القصـص لمـن لا يصـل إليـهـا ، أو لا يـحـب أن يقـرأهـا ،
ونسينـا أن إعـلان الذنـب فـي نظـر الإسـلام ذنـب آخــر ،
وأن الرسول صلى الله عليه وسلـم عّلـم مـن ابتلـى بالمعاصـي
مـنـا أن يستـتـر بـهـا ، وأن يكتمـهـا ، وأن يستغـفـر الله
منها . بل لقد قرأت لبنتيـن أديبتيـن فـي الشـام قصتيـن تذكـر
الواحدة منهما ما كان بينها وبيـن الرجـل الـذي اتخذتـه قرينـا ،
من غير عقد شرعي بينها وبينه ، تتخذ قدوتها فـي ذلـك جـورج
هاند ( المرأة الفاسقة ) مـع صاحبهـا الـذي هـو أفسـق منهـا
( الفرد وموسه) فانكسر ( السد الثالث ). وكـان ( السـد الرابـع )
خوف المرض ، فجاء الأطبـاء ( أعنـي بعـض الأطبـاء ) ينـادون
بأعلى صوتهم : أن لا تخافوا الأمراض يا أيها الفساق : فـإن عندنـا
البنسلينوزالتيرامايسيـن والابليسيـن ( نسبـة إلــى إبلـيـس )
وكل دواء فيه هذه السين ، فمهما أصابتكـم بـه هـذه المحرمـات
من مرض ، فنحن نزيلـه ، فأقدمـوا ولا تخافـوا. فأقدمـوا ومـا
خافوا فانكسـر ( السـد الرابـع ) . وكـان (السـد الخامـس ) ،
هو خوف الحكومة والهرب من العقـاب ، لمـا كانـت الحكومـات
كحكومـة المملكـة تأمـر بالمعـروف وتنهـى عـن المنـكـر ،
وكان الحكم بشرع الله ، فأخذنا قانـون العقوبـات مـن فرنسـا ،
من البلد الذي دمره الانحراف حتى وطئتـه نعـال الألمـان فاتحيـن
ثـلاث مـرات خـلال سبعيـن سنـة ، ونصصنـا فـي قوانيـنـا
( انظر قانـون العقوبـات ) علـى مـا يشبـه الإباحـة للزنـا ،
ويمنع الإدعاء على الزانـي إلا مـن قبـل الـزوج ، فـإن رضـي
فـلا إدعـاء ولا عقـاب ، وجعلنـا عقوبـة الـزنـا بـيـن الأم
والولد ، أو بيـن الأب والبنـت وهـي أفظـع جريمـة يتصورهـا
صاحب شرف وخلق ودين ، جعلنـا عقوبتهـا أقـل مـن عقوبـة
السرقـة ( الموصوفـة ) ولـو كانـت سرقـة ألــف ريــال .
وسكتنـا وسكـت العلمـاء والمفتـون ، والنـواب والحاكمـون ،
فانكسر( السـد الخامـس) وكـان أقـوى السـدود ، خـوف الله ،
وخشية جهنم ، فأبعدنا الناشئة عـن التربيـة الدينيـة وأنسيناهـم
خشية جهنم وخوف الله ، ولم يعد الشـاب الجديـد يعـرف طريـق
الجامع إلا إذا تنبه يوما إليه أبـوه وكـان مصليـا فأخـذه معـه .
فانكسر بذلك أمتن السـدود . ثـم قلنـا للمغريـات وللمغويـات :
انطلقـي .... فانطلقـت ،وصـارت المـرأة تمشـي فـي الطريـق
على صورة ، كانت تستحي قبل ستين سنـة أن تخـرج بهـا أمـام
أبيها وعمها في الدار إي والله العظيم ، لا أشهـد إلا بمـا رأيـت ،
مع أن دين الإسلام ، بل وكل دين فـي الدنيـا صحيـح أو باطـل ،
يحرم على المـرأة كشـف الأعضـاء التـي تثيـر الفتنـة أمـام
الأجنبي ، وقد وجدت مرة على باب كنيسة فـي القـدس ( ردنـا الله
إلى ديننا لنردها إلينا ) إعلانـا للنسـاء النصرانيـات المصليـات ،
يمنع دخولهن الكنيسة إلا بالكم الطويل ، والوشـاح ( الإيشـارب )
الذي يستر الشعر ، وعلى أن يكون الوجه خاليـا مـن الأصبـاغ .
وما زالت المرأة تقصر من ثوبها إصبعا من هنـا ، وإصبعـا مـن
هناك ، حتى إذا وصلت إلى ساحل البحر لـم يبـق منـه شـيء ،
هذه هي الحال ، فهل الذنب ذنب الفتـاة وحدهـا ، هـل هـو ذنـب
الشاب وحده وقد وجد الغريزة قوية فـي نفسـه والـزواج متعـذرا
أو متعسرا عليه ، والسفاح سهلا ولذيذا ، والمغريـات والمغويـات
من كل جانب . فكيف تريدون أن يصبر ويقـاوم ؟ وكيـف تريـدون
أن ينصرف إلى درسه وإلى كتابه ؟ إنها مشكلة ينبغـي أن تجتمـع
علـى معالجتهـا الحكوماتوالشعـوب ، ورجـال العلـم ورجــال
القلم ، والجمعيات النسائية ، الجمعيات علـى التخصيـص تشتغـل
به بدل اشتغالها بالسخافات والترهات ، لأن الخطر فـي هـذا علـى
البنت ، والضحية هي البنت وهذه الجمعيـات أولـى بالدفـاع عـن
النساء المظلومات .وإذا فسدت بنـت صاحـب الكتـاب الـذي ورد
علي فجعلني أحدث هذاالحديـث ، فالفسـاد مـاش إلـي وإليـك ،
إلى بنتي وبنتك ، إنها النارتمشي في الديـار ، إنـه السيـل يجتـاح
كل شيء، إنه الطاعون ينتشر في كـل مكـان ، ونحـن قاعـدون
نتفرج ،لا نحاول إطفـاء النـار بـل نحـن نلقـي البزيـن عليهـا
ونأمل أن لا يمسنـا الحريـق . فكيـف لا نحتـرق ونحـن نضـع
البنزيـن فـوق النـار ؟ كيـف ؟ كـيـف ياأيـهـا العـقـلاء ؟
هـذا نـص حديـث حدثـت بـه مـن الإذاعـة السوريـة قـبـل
إحــــــــدى وثــلاثـــيـــن ســــنــــة..
هذا العالم الفاضل توفي منذ حوالي
ثلاثين سنة( أي أن حديثه أعلاه صار
له حوالي ستين سنة )