الحوار الصحفي كاملاً نقلاً عن جريدة اليوم السابع:
◄ نشأت فى بيت تملكه أسرة قبطية ولم نكن نشعر بالتمييز والفتنة نتاج لسياسات مبارك
◄ رجال الأعمال الذين تورطوا فى نهب 3 تريليونات دولار لاتزال شركاتهم تعمل ولكننا لا نرغب فى الانتقام
◄ عصام شرف لم يعين وزيراً واحداً من التيار الإسلامى.. والإخوان لجأوا لتقديم مرشح للرئاسة عندما منعوا من تشكيل حكومة
◄ الذين يتحدثون عن تكويش الإخوان يتكلمون عن الغيب فالواقع أننا لا نملك شيئاً سوى جزء من السلطة البرلمانية
◄ عائلة حصلت على أراض ومصانع بــ 600 مليون يورو وباعتها بــ 9 مليارات يورو لشركة فرنسية
◄ لا يوجد بلد فى العالم يناقش ميزانيات الجيش على صفحات الجرائد
◄ الإعلام السابق بنى صورة عن خيرت الشاطر بنظرية «فؤاد المهندس» أخطر رجل فى العالم
◄مهمتنا فى الدستور الجديد تحقيق التوازن بين الشفافية وبين معايير الأمن القومى
◄ نؤمن أنه إذا كان لا إكراه فى الدين فكيف يكون هناك إكراه على منهج «الإخوان»!
هذا هو الرقم الأكبر والمفاجأة الأهم فى سباق الرئاسة فى مصر، وهذا هو الرجل الذى يتعامل معه أنصاره وخصومه باعتباره اللاعب الرئيسى والمحرك الأبرز فى كواليس جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة قبل وبعد الثورة، وهذا هو الرجل الذى يتكلم قليلا، بل قليلا جدا، ويعمل فى الغرف المغلقة، وفى ورش العمل وفى اللجان الاستراتيجية للإخوان أكثر، بل أكثر جدا، طوال الوقت.
الآن، لم يعد الكلام رفاهية، بل صار أمرا حتميا بعد قراره خوض سباق الرئاسة، والآن لم يعد الصمت فضيلة فى وقت يتكلم فيه كل الناس عن الشاطر، بينما يمتنع شخص واحد عن الكلام، هو خيرت الشاطر نفسه، ولذلك يأتى هذا الحوار الأول من نوعه بين هذا القيادى الإخوانى البارز المرشح للرئاسة وصحيفة مصرية، كمحاولة استكشافية للطريقة التى يفكر بها هذا الرجل، ولطبيعة نظرته لكل ما تردد حوله من أخبار، التى قد تستند إلى معلومات حقيقية أحيانا، أو شائعات مبالغ فيها ومجهولة المصدر أحيانا أخرى.
سأبدأ من مسألة إخبارية خالصة، فحتى الآن لا تزال هناك شكوك حول قانونية ترشحك للرئاسة، ولذلك دفع الحزب بالدكتور محمد مرسى للسباق الرئاسى، فهل يعنى ذلك أنكم لستم على يقين من سلامة موقفكم القانونى؟
ليس عندى أى مشاكل، ووضعى القانونى مستقر، ولكننى أريد أن أشير إلى نقطة فى غاية الأهمية فى هذا الشأن، فلو وضعت عراقيل أمام ترشحى لمنصب الرئاسة، فهذا يعنى أننا لا زلنا نحكم من خلال مبارك ونظامه، لأننى سجنت فى قضية عسكرية بتدبير من حبيب العادلى، وحسن عبد الرحمن، وجمال مبارك، والثلاثة الآن فى نفس السجن الذى كنت نزيلا به والحمد لله، وهذه آية من آيات الله، وأى عوائق تختلق فى طريقى، معناها انتصار لمبارك رغم خلعه. تعرف أنت أننا حوكمنا فى قضيتين الأولى سنة 2000 وحصلنا فيها على رد اعتبار، والقضية الثانية كان قد صدر قرار فيها بالبراءة، لأنه كان معنا أشخاص لم تتم محاكمتهم، ومع إعادة محاكمتهم، حصلوا على البراءة، أى أن القضية الثانية صدرت البراءة فيها بحكم المحكمة.
وكنا فى هذه القضية أمام تهمتين، الأولى غسيل الأموال وقد حقق فيها القضاء العسكرى، ولم يجد أى دلائل فأسقط هذه القضية، وللأسف بعض وسائل الإعلام تقول غسيل أموال من حين لآخر، ولكن حتى القضاء العسكرى الاستثنائى الذى كان يتحرك بتكليفات من حسنى مبارك وقتها، أسقط تهمة غسيل الأموال قبل الثورة، والتهمة الثانية هى الانتماء لجماعة محظورة مخالفة للقانون، عند إعادة المحاكمة، رأى القضاء العسكرى أن الجماعة غير محظورة، ويختارها الناس ويؤيدونها، ومن ثم خلال محاكمة بقية الزملاء أسعد شيحة، وأحمد عبد العاطى، وبناء عليه تم تأسيس وضع قانونى جديد ليس بالعفو، ولكن بالبراءة، وهنا الالتباس الذى وقع فيه بعض المستشارين القانونيين، مثل بهاء أبوشقة، وشوقى السيد، ولكن بعد إعادة المحاكمات سقط الحكم كأن لم يكن، وبالتالى لست محتاجا إلى العفو هنا لرد الاعتبار، لأن الحكم غير موجود من الأساس.
لكن مع هذا اليقين القانونى والاطمئنان إلى موقفكم، لماذا قرر حزب «الحرية والعدالة» ترشيح محمد مرسى لخوض الانتخابات الرئاسية كبديل لكم، إذا جرى إبعادكم عن السباق الرئاسى؟
دعنى أقول بوضوح، إن المشهد السياسى شديد الالتباس، فالدفع بعمر سليمان فى المرحلة الأخيرة، وهو رمز من رموز النظام السابق، وترشيحه إهانة للثورة، وبالتالى المشهد ملتبس من ناحية المبدأ، ثم الطريقة التى أدير بها ملف حازم أبو اسماعيل، صحيح أننا مع القانون ووجوب تطبيقه، لكننا « اتلسعنا من الزبادى.. وليس من الشوربة » فقط، ولدينا كثير من الشكوك وعدم الثقة فى الطريقة التى تدار بها المرحلة الانتقالية فى الأسابيع الأخيرة، ولذلك لجأنا كما لجأ الكثيرون إلى فكرة المرشح الاحتياطى، وينبغى أن ينتبه الجميع إلى حالة عدم الثقة التى يمكن أن تؤدى إلى مزيد من الاحتقان، أو نزول الشارع مرة أخرى لتحقيق أهداف الثورة، ونحن منهجنا سلمى، ولذلك فكرنا بالمرشح الاحتياطى حتى نواصل مسيرتنا، ولكن يجب أن نتعامل على أسوأ الاحتمالات، ليس لضعف فى موقفنا القانونى، ولكن لغياب الثقة فى المشهد الحالى فى المرحلة الانتقالية، وإذا استمر مناخ عدم الثقة على هذا النحو، فسينزل الناس إلى الشارع، الناس لم تخرج للثورة لكى يكون عمر سليمان، وأحمد شفيق مرشحين لرئاسة الجمهورية.
هل المجلس العسكرى هو المسؤول، أم تقصد مؤسسات أخرى؟
لا أقول المجلس هو المسؤول أو غيره.. أنا أرصد مفردات المشهد من كل المؤسسات، سواء المحكمة الدستورية، أو مجلس الشعب، أو المجلس العسكرى، أو القوى السياسية، والجميع يجب أن ينتبه إلى ضرورة توخى الحذر، وأنا مثلا مع حرصى الشديد على احترام القضاء، وتقدير استقلاليته، فإن المحكمة الدستورية العليا ولمدة 15 عاما، لم تحكم فى دستورية إحالتى للقضاء العسكرى من عدمه، واليوم لا يمكن أن تنزع هذا الهاجس، وهذا ليس معناه موقفا مسبقا منى، فأنا أعتز بالقضاء المصرى، ولكن الهاجس وارد ولا يمكن أن أنزعه من تفكيرى.
أعود بك إلى فكرة ترشيحك من الأساس، فهذه الفكرة لم تمر بصورة عادية لدى الناس التى تابعت تأكيدات الإخوان المتكررة بعدم رغبتها الدفع بمرشح لخوض هذا السباق، بل والمبادرة إلى فصل الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح لإقدامه على هذه الخطوة، الآن هذا التراجع يفجر علامات استفهام، حاولت قيادات الجماعة تفسيرها بطرق مختلفة، لكن ما هو تفسيرك أنت، لماذا لم تدعموا رجلا كان يوما من قيادات الإخوان، ولماذا الانقلاب على هذا الوعد؟
لا أحب عموما شخصنة الأمور، أو ربط القرارات بأفراد، ولكننا نتكلم عن مبدأ، فالجماعة لديها مشروع هو تحقيق نهضة الأمة، والمساهمة فى بناء هذه النهضة، والمدخل إلى هذه النهضة هو بناء نظام سياسى مستقر، وكانت الرؤية الأولى هى التركيز على البرلمان والمساهمة فى الحكومة بهدف تحقيق هذه الرؤية، وعندما حدث نوع من الإعاقة وأصبح الأمر متوقفا عند حدود البرلمان فقط، قررت تغيير موقفها، لأن السلطة التشريعية بدون السلطة التنفيذية مسألة لا معنى لها بدرجة كبيرة، بمعنى أن الجناح البرلمانى ليس كافيا بمفرده لتحقيق غايات النهضة والاستقرار السياسى، ولذلك قررت الجماعة أن تغير موقفها وتتقدم بمرشح رئاسى.
السلطة التنفيذية ممثلة فى الحكومة أم فى الرئاسة؟
نحن نتكلم عن مؤسسات للحكم التنفيذى سواء كانت الرئاسة أو الحكومة بصرف النظر عن الأشخاص.
هل تفضل نظاما برلمانيا أم رئاسيا إذن؟
الحزب برنامجه نص صراحة على أن النظام البرلمانى من وجهة نظرنا هو الأنسب لمصر على المدى الاستراتيجى ولكن العبرة باختيار الشعب، ونقبل فى المراحل الانتقالية دورة أو دورتين بالنظام المختلط، لأن الانتقال المفاجئ من نظام رئاسى إلى النظام البرلمانى ربما يتعارض مع الثقافات السائدة.
لكن الغاية لديكم هى النظام البرلمانى؟
هذا ليس قراراً نهائياً، ونحن كمصريين ندرك أننا نؤسس نظاما سياسيا جديدا ونؤسسه بدون خبرة لأن النظام السابق كان قائماً على الاستبداد والفساد بشكل رئيسى، وبالتالى نحن أمام مرحلة جديدة وتجربة جديدة، ومن الممكن أن نتوافق على شىء ثم نُعدّل فى التجربة حيثما تحقق المصلحة لمصر.
تقصد تغيير الموقف كما حدث فى قرار الترشح، فقد كان الموقف مختلفا فى البداية ثم تراجع الحزب عن ذلك؟
السياسة هى أن تدور مع التجربة حيثما كانت مصلحة الشعب.
لماذا لم تدعم الجماعة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح مثلاً، خاصة أنه أعلن عن نيته مبكراً، وقطع خطوات كبيرة فى هذا الطريق؟
أحترم الدكتور عبدالمنعم، ولكن هذه جماعة ولها آلياتها ومؤسساتها وهى التى تحسم القرار، والعبرة فى أى مؤسسة فى الدنيا أن الأفراد تتحدد قراراتهم بقرارات المؤسسة لأن هذه سياسة، ولا نتحدث عن خلق ومُثُل ومبادئ، وهو كما اختار الترشح فى وقت محدد، فالجماعة لها أيضا سلطة تقدير موقفها المؤسسى، وهذا ليس خاصا بالإخوان وحدهم ولكن بأى حزب سياسى عموماً.
لكن هل من مصلحة الجماعة أن ينافس خيرت الشاطر عبدالمنعم أبوالفتوح؟
هذا أمر معروض على الشعب الذى له فى النهاية سلطة الاختيار، وتقديرى أنه من الأفضل لمصر أن نوسع الاختيارات بين الناس، فالناس من حقها أن تفاضل بين مرشحين متعددين بدلاً من حشرهم فى اختيارات محدودة وهذه ميزة وليست عيباً.
هذا كلام دبلوماسى جداً؟
لا، إطلاقاً، أنا عندى قناعة حقيقية وليس كلاماً دبلوماسياً.
هل صحيح أن السيناتور الأمريكى جون ماكين أبلغ حضرتك بأن حازم أبوإسماعيل لديه الجنسية الأمريكية وأنكم كنتم تعلمون هذه الحقيقة مبكراً؟
هذا لم يحدث على الإطلاق وهذا محض اختلاق، فلم يحدث هذا الأمر لا تصريحاً ولا تلميحاً مع جون ماكين أو مع أى شخص غيره، وأنا ألتقى بالعديد من رجالات الدول المختلفة فى أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، وأركز فقط على نقطتين أساسيتين، وأى شىء سواهما محض اختلاق كامل، النقطة الأولى هى مدى استفادة الإدارة المصرية القادمة من الخبرة المكتسبة فى بعض هذه الدول فى بناء مصر الحديثة، وهذا كلام مهنى، مثل قطاع النقل أو قطاع الصناعة أو إدارة شؤون الدولة إلى آخر هذه التفاصيل المهنية الفنية، والمسألة الثانية هى المتعلقة بالتعاون الاقتصادى، لأن هذه قضايا أساسية وتمثل أولويات كبيرة فى هذه المرحلة، كيف سنبنى بلدنا من جديد، وكيف سنواجه الأزمة الاقتصادية، وأى موضوعات أخرى تكون جانبية وقليلة جدا، وأنا أعرف هدفى وأعرف ما الذى أريده من الآخرين وأركز عليه بدقة، ولكن كل مرة يخرج كلام غير حقيقى من بعض الوسائل الإعلامية على عكس الحقيقة تماما، وهناك قصص مختلقة من أساسها وتطرح فى الصحف والتوك شو وهى لم تطرح من الأساس.
ما القضايا الأخرى التى تحدث فيها جون ماكين مثلاً، هل كان للأمر علاقة بمسألة التمويل الأجنبى للمنظمات المدنية؟
الرجل كان يتصور أن لنا يداً فى هذا الأمر فيما يتعلق بتحريك القضية، وقلت له صحيح أن هذه المنظمات لم تساندنا فى أى مرحلة، لكننا لم نعرف أى شىء عن القضية لا فى ترتيباتها، ولا فى إحالتها ولا فى التحقيقات فيها، ولا علاقة لنا على الإطلاق.
لكن هل طلب ماكين مساعدتك فى حل القضية، على الأقل باعتبار هذه الثقة فيكم وتصوره أنكم مسؤولون عن إدخال هذه المجموعة إلى هذا المأزق القانونى؟
لم يحدث مطلقاً، والله ما حصل، ولم يطرح هذا الأمر من الأساس، وكل ما تردد فى هذا الأمر غير حقيقى وتضليل.
مادمت تلتقى هذه الشخصيات لماذا لا تقطع أنت الطريق على الشائعات والقصص المختلقة ويخرج بيان واضح من مكتبك يوضح أسباب لقائك مع هذه الشخصيات وطبيعة الحوارات التى دارت، فأنت لم تعد عضوا فى تنظيم سرى، بل أنت قيادة فى جماعة كبيرة تشكل الآن أغلبية البرلمان وتنافس على مقعد الرئاسة، والناس من حقها أن تعرف كل التفاصيل؟
الحقيقة أنا طبيعتى الشخصية هى التركيز على العمل، والعمل وحده، وأتطلع دائما للإنجاز الفعلى على أرض الواقع، أما مسألة عرض ما أقوم به أو أنجزه من أجل بلدى على الإعلام فلا يتناسب مع شخصيتى، وليس معقولاً أننى كلما توصلت إلى شىء أن أخرج لابتزاز المصريين وأقول فعلت كذا وكذا، ولا يوجد عموماً فى هذه اللقاءات ما يخرج عن النقطتين اللتين أوضحتهما لك، فلا نتحدث فى شىء يستحق أن نخفيه أو ندارى عليه بأى صورة، فليس لى موقف مخاصم للنشر، ولكننا نتحدث فى نقاط فنية ولمصلحة مصر فقط، وأتحدى أى شخص يأتى بدليل على عكس ذلك من كل الحوارات واللقاءات التى دخلت فيها مع مختلف الأطراف الدولية.
لكن هذا يضاعف من غموضك، فأنت كنت غامضاً فى الماضى، ولاعبا فى الكواليس، وربما من المناسب أن يعرف الناس ما الذى تقوم به تحديداً من الناحية السياسية؟
لست لاعباً فى الكواليس، ولكننى تعودت العمل فقط، هذه طبيعتى، والناس (يمكن تكون متعودة على اللى بيتنططوا)، لكن أنا مهندس أحب أن أحفر وأضع أساسا وأبنى أعمدة ولا أحب المظاهر.
لكن أنت تطاردك الشائعات والتهويمات والتهويلات لأن المعلومات منقطعة من جانبك، ولا يوجد من يوضح للناس ما الذى تقوم به تحديداً ولماذا؟
أنا لا أتفق معك تماماً فى هذا التحليل، والدليل أن وفدا من مجلس النواب الأمريكى جاؤوا والتقوا معنا منذ عدة أيام وتحدثوا فى نقطتين أساسيتين، وفوجئت أن بعض وسائل الإعلام وضعت قضية ثالثة لا علاقة لها بالأمر نهائيا، ولم تطرح من الأساس فى هذا الحوار، فالقضية هنا ليست ماذا قلت أنت، ولكن قضية من يرغبون فى الفتن والتشويه يحلو لهم ما يريدون.
لا يمكن أن يستمر الحال على هذا النحو من التكتم حال توليك منصباً عاماً؟
أنا معك فى هذه النقطة، الأكيد أن الأمر سيختلف فى المستقبل، فهناك فرق بين خيرت الشاطر الذى يعمل فى مطبخ الإخوان وحزب الحرية والعدالة، وبين خيرت الذى يتقدم لمنصب عام، ففى هذه المرحلة ستكون هناك رؤية إعلامية مختلفة سيتم ترتيبها بالتأكيد، فساعتها سيختلف الوضع، فهناك فرق بين رجل متطوع، وبين موظف عند الأمة، ففى الحالة الأولى أنا متطوع وصدقة السر أصدق من صدقة العلن، ولذلك أتبع هذا النهج، أما فى حالة المنصب العام فسيكون الوضع مغايراً.
إذا كنا فتحنا الكلام عما يثار حولك فدعنا نكمل هذه التفاصيل، أنت تعرف ما يتردد عن علاقتك بدولة قطر، فما يتردد أنك مدعوم بقوة من قطر، وذهب بعض خصومك إلى ما هو أبعد من ذلك فى تصوير العلاقة بينك وبين العائلة الحاكمة فى الدوحة؟
أولاً نحن لا نأخذ مليما من أحد، لا قطر ولا غير قطر، ونعتمد على جيوبنا وهذه مسألة معروفة، ولكنّ هذه قصص تتردد حولنا من عشرات السنين، قالها مبارك من قبل والحمد لله سقط سقوطاً مدوياً، وربنا كشف حقيقته هو وليس حقيقتنا نحن، وإن شاء الله من يطلقون هذا الكلام سيسقطون أيضاً كما سقط مبارك من قبل، إنما أنا زياراتى لأى بلد ضمن برنامج طويل للزيارات الخارجية للتركيز على النقطتين اللتين ذكرتهما لك، الخبرة من كل مكان، كوريا، الهند، سنغافورة، ماليزيا، فيتنام، البرازيل، ألمانيا، إيطاليا، ونحن نطلع فى كل بلد على خبراته حتى لو كانت خبرات جزئية للاستفادة منها فى بناء مصر، فمن الصعب نقل شىء أو مشروع كما هو من الخارج، ولكننا نطلع على كل التجارب لنفهم ونعرف ونطبق ما يصلح منها لبلادنا، ففى إيطاليا وألمانيا متقدمون فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والهند فى الصناعات متناهية الصغر، والبرازيل فى محاربة الفساد... إلى آخره، وهنا نحن نركز على ما نتطلع إليه نحن من خبرات.
وما هى الخبرة التى قد يحتاجها بلد فى حجم مصر من قطر؟
المسألة ليست قطر وحدها، بل بلدان الخليج عموما، فنحن نتعامل مع رجال أعمال من الكويت والبحرين وبلدان كثيرة بهدف محاولة التعرف على العقبات التى يواجهونها فى الاستثمار فى مصر، لأن أكبر تحدٍ يواجه أى نظام حكم جديد فى مصر بعد التحدى السياسى والأمنى هو التحدى الاقتصادى، فالاقتصاد هو أحد أبرز التحديات بعد الثورة، والمسألة فقط أن أولويات المرحلة السابقة قدمت البعدين السياسى والأمنى على الاقتصاد، واليوم تواجه الموازنة المصرية عجزا وصل إلى 25%، إلى جانب أن 25% من مواردنا تذهب لخدمة الدين، بالإضافة لمشكلة كبيرة فى الموارد العامة ونحن يجب أن نركز فى الفترة المقبلة على تحفيز رأس المال المصرى والعربى والدولى على المشاركة فى خطط النهضة الشاملة والاستثمار فى المشروعات بما فيها مشروعات البنية الأساسية لأن الدولة مواردها ضعيفة، ولديها عجز كبير، وبالتالى يجب أن نتحاور مع كل جهات التمويل، ويجب أن نناقش حوافز الاستثمار كمصريين لإنعاش الاقتصاد وتوفير فرص عمالة، ونوفر سكنا للناس، ونوفر الاحتياجات الأساسية ونخرج من الأزمة الاقتصادية، ولا نريد أن نضيع أوقاتنا فى أشياء لا ينبنى عليها عمل، فنحن نركز على معالجة الانفلات الأمنى ثم معالجة القضايا الاقتصادية.
هل هذه أولوياتك الأساسية فى حالة الحكم؟
ما أقوله لا يعنى أنه ليست لدينا أولويات أخرى، فهناك أولويات كثيرة فى المرحلة المقبلة بالتأكيد، ولكن هذه هى القضايا المرتبطة بالسنة الأولى بشكل رئيسى، ولكن مثلاً منظومة التعليم يجب أن يعاد النظر فيها، كما أن الأجهزة التنفيذية فى الدولة يجب أن يعاد النظر فيها أيضاً لأن أجهزة الدولة كانت (مسيّسة) لصالح الحزب الوطنى ولصالح نظام مبارك لسنوات طويلة، وكان العمل فيها وفق الولاء للنظام السابق، وبالتالى عندما سقط النظام حدث ارتباك كبير داخل هذه الأجهزة، ومن ثم يجب أن يعاد بناء المؤسسات على نحو يضمن أنها ستعمل من أجل البلد وليس من أجل حزب واحد أو تيار واحد أو ترتبط بالنظام، ويأتى ضمن أولوياتنا أيضاً مسألة الملف الطائفى وكيفية إدارته، وما يتعلق بالسكن وحياة الناس، ولكن أتحدث هنا أولا عن المرحلة الأساسية وعما ينبغى أن نبدأ فيه على الفور، ولذلك عندما تثار المسائل الشخصية عن خيرت أو عبدالمنعم أو حازم أو غيرهم فأنا لا أنشغل بهذا رغم أهمية هذه المسائل، ولكن أنشغل أساسا بالعمل على نحو يحقق مصلحة البلد والناس تجد طعاما وشرابا وسكنا وخدمة تعليم ومرورا منظما، فنحن لسنا أقل من سنغافورة أو الهند أو فيتنام لكى نعيش فى الدوامة المفتعلة والكمائن التى لا حد لها لإلهائنا، وأنا كرجل سياسى أرفض أن أكون (شهرزاد) وأن تكون وظيفتى هى تسلية الآخرين بدوامات الصراعات الشخصية، ولكن وظيفتى أن أجد حلولاً وأن أتعلم الخبرات الجديدة لكى ندفع البلد إلى الأمام، وهذه ليست مرتبطة برئاسة الجمهورية ولكننا كحزب نعمل وفق هذه الأولويات.
من واقع هذه الخبرات المتعددة التى اطلعت عليها ما التجربة الأكثر إلهامًا والتى يمكن أن تدخلها حيز التطبيق سواء فزت بمنصب الرئاسة، أو فاز الحزب بالسلطة التنفيذية رئاسيّا أو حكوميّا؟
لا يوجد بلد بمفرده هو الأكثر إلهامًا، لكن تركيا عندها تجربة فريدة ونقطة تميز فى مضاعفة الدخل القومى أربع مرات فى فترة وجيزة، وهى عشر سنوات، أما ماليزيا فلديها تجربة حشد التعايش بين الثقافات المختلفة وحشدهم فى مشروع تنمية ونهضة للبلد، وفى جنوب أفريقيا ورغم حالات الاحتقان الاجتماعى وبعد أن كانت كل المؤسسات بين يدى الأقلية البيضاء ثم جرى هذا التحول الكبير، كيف حدث هذا الانتقال؟ وفى إسبانيا بعد أربعين سنة من حكم الديكتاتورية، فى عهد فرانكو، كيف تحول البلد إلى الديمقراطية والحكم المدنى، وكما ذكرت ماذا جرى فى الهند التى كانت مجتمعًا زراعيّا ثم تحولت إلى الجانب الصناعى، وفى كل دولة تركز فرق العمل فى الحزب على مميزات كل تجربة، وقد بدأنا تجربة الاطلاع على التجارب المختلفة منذ نجاح حزب الحرية والعدالة فى الفوز بعدد مقاعد كبير من الجولة الأولى فى الانتخابات، وقتها أدركنا أنه سيكون لدينا دور فى السلطة التنفيذية وقررنا أن ندرس الموقف على الصعيد العالمى ونتعلم هذه الخبرات.
ومتى سيكون هذا المشروع جاهزًا على نحو متكامل؟
ربما تعرف أنه لم يكن لدى أى قطاع أو حزب أو تيار فى مصر تصورات واضحة عن شكل الحكم قبل ثورة يناير وإدارة الشأن المصرى، حتى الحزب الوطنى ولا نظام مبارك..
ولا الإخوان؟
طبعًا، ولا الإخوان، كان لدينا تصورات عامة عريضة للشأن العام ولشكل التغيير، ومنظومة القيم والأساس الفكرى والتوجه العام للمجتمع، ولكن التفاصيل التنفيذية لأى عمل كانت صعبة، ولذلك نحن الآن فى مرحلة الإعداد التنفيذى، فنحن نعرف الملامح الاستراتيجية، والآن حان وقت التطبيق، ودعنى أعطك مثالاً عما كان يجرى فى الماضى والذى نحن على يقين من وجوب تغييره، فمن اطلاعى على الملف الاقتصادى المصرى فإن التقديرات المبدئية أن عمليات النهب من مبارك ومجموعته ورجال أعماله من تريليون إلى 3 تريليونات دولار، وهناك تقديرات غربية على لسان (أشتون) تصل إلى 5 تريليونات، والجزء الأكبر من هذا الإهدار تم فى تخصيص جزء كبير من أراضى مصر سواء فى الإسكان أو السياحة أو غيرها أو المحاجر والموارد المعدنية والتى كان يتم تخصيصها بأسعار زهيدة والفرق تأخذه مجموعة محدودة من الناس، ومن ثم بدأنا ندعو الناس لحوار لكى نعد خريطة للعملية الاقتصادية فى مصر تعالج هذا الإهدار وتبحث عن الثروة الحقيقية وتوجه هذه الثروة للبلد فى أقصر وقت ممكن.
أفهم أن هذه الأرقام هى رهانك لرفع الموارد فى المستقبل، ولكن أتوقف مع الذين دبروا هذا النهب، هل تعتقد أنهم جميعهم فى السجن أم لا يزال البعض منهم طليقًا حتى الآن؟
معظمهم خارج السجن، والموجود فى السجن جزء قليل جدّا، والبعض الآخر خارج مصر، والبعض فى الداخل ولا تزال شركاته تعمل بلا أى تأثير، كل ما توقف هو تخصيص الأراضى ولكن النظام قائم كما هو.
هل يأتى ضمن أولوياتك مطاردة رجال الأعمال الذين تورطوا فى أى من هذه العمليات التى أشرت إليها؟
لا، ليس على هذا النحو، الموضوع أكبر وأعقد من ذلك كثيرًا، نحن نفرق بين أمرين، بين التخطيط فى المستقبل، وبين ضبط موارد الدولة وأصولها، وهذه ليست مسؤولية الرئيس وحده، فنحن كنا أمام منظومة فساد كبيرة، جزء منها يتعلق بالقرارات والجزء الآخر بالثقافات السائدة فى هذا النوع من المعاملات، وعندما نتحدث عن تغيير فنحن لا نتحدث عن قرارات فقط، بل نتحدث عن مسيرة متكاملة من تغيير الثقافة فى هذا الأمر، فما يتعلق بالقرارات مثلاً هو تغيير سياسات التخصيص التى كانت متبعة خلال عصر مبارك، أما الجزء المتعلق بالثقافة والقيم فسيأخذ وقتًا فى علاجه.
فيما يختص بالماضى فهناك مشروعات أنجزت، وهناك مراكز قانونية أصبحت واقعًا ولا يمكن التعامل معها بشكل قانونى بحت، ولا يجوز هنا التدخل بقرارات، ويمكن أن الشخص المسؤول الذى تورط فى الفساد قد تحاسبه، أما الشخص الذى استفاد من هذا الفساد فقد تلجأ إلى المصالحة معه على نحو قانونى إن كان ذلك ممكنًا، لأنه أحيانًا العقود المكتوبة قد تمنع وصولك إلى حل شامل، ولكن المهم هو الحصول على أكبر قدر من الحقوق دون أن يؤدى ذلك إلى ضرر أكبر.
يعنى أنت تؤيد هذه المصالحات مع رجال الأعمال؟
يجب أن نفرق ونميز بين كل حالة، يعنى: رجل أعمال جاء إلى مصر ولكى ينجز مشروعًا اضطر حسب الثقافة السائدة إلى اللجوء إلى طرق ووسائل فاسدة، فهذه قضية، غير شخص آخر استخدم سلطاته لكى يقتل الناس ويستغل السلطة فى الحصول على الثروة، فهذا أمر مختلف، ولكن الأصل عندى عمومًا ليس الصدام، لأننا نتحدث عن واقع معقد ومتشابك وبه أطراف كثيرة.
هناك مثلاً من حصل على أراضٍ بطريقة خاطئة، وهناك من اشترى منه الوحدات التى بناها فلا يجوز هنا أن نقول هيا نهدم هذه الوحدات ونعيد بناءها من جديد، بالتأكيد لا، سننظر هنا إلى مصالح الأطراف المختلفة ونراعى الأبعاد الاجتماعية والسياسية فى كل حالة، والمخطئ سيحاسب فى حدود مسؤولياته.
هل لديك مدى زمنى لتحقيق هذا الإصلاح الذى تستهدفه على الصعيد السياسى والاقتصادى؟
نحن لدينا تحديات كبيرة ونضال مستمر، والمسألة لا تنتهى مع انتهاء الانتخابات، فلا يزال لدينا كمصريين وكبلد وكقوى وطنية تحديات لها علاقة بتغيير البنية التشريعية المعادية للديمقراطية والمقيدة للحريات التى سادت خلال العصر السابق، وهذه تحتاج إلى سنوات من النضال والعمل، ولا يزال لدينا دور فى تغيير الثقافات، فهناك سلبيات فى الانتخابات لا تزال تحدث، هناك من تعود التزوير أو بيع صوته الانتخابى فى بعض الأماكن، وهناك آليات يجب أن نتفق عليها فيما يتعلق بتداول السلطة، والإصلاح الشامل يحدث تدريجيّا ولا يمكن أن يتحقق بسهولة العنوان.
وعلى الصعيد الاقتصادى كيف ترتب الأولويات والمراحل الزمنية؟
فى المسألة الاقتصادية هناك ثلاث مراحل، الأولى هى إطفاء الحرائق وهى حوالى سنتين أو ثلاث، فمازلنا نعانى من أنبوبة البوتاجاز أو أزمة الوقود أو مشكلات المرور أو غياب الأمن، وهذه قضايا ملحة يجب أن نتعامل معها أولاً فى هذا المدى الزمنى، وهناك المستوى المتوسط بين خمس إلى سبع سنوات لمعالجة مشكلات الديون وخدمة الديون، فخدمة الدين وحدها تصل إلى حوالى 170 مليار جنيه مصرى، نحن نتحدث هنا عن أرقام مذهلة تصل إلى نصف الموارد بين الدين وخدمة الدين، وهنا يجب أن نتعامل مع كل ذلك للخروج من عنق الزجاجة، ثم تأتى المرحلة الثالثة فى الإصلاح الشامل والنهضة المتكاملة، فنحن نحتاج توسعًا فى البنية الأساسية لمواجهة الزيادة فى الاستهلاك، ونحتاج إلى استثمارات فى قطاعات الكهرباء والمياه والتصنيع وتطوير الموانئ، وتطوير السياسة الزراعية والثروة الحيوانية وغيرها من القطاعات الاستراتيجية التى تضمن لهذا البلد حياة كريمة بحلول شاملة وواقعية وبخطط تنمية فاعلة، التفكير هنا أسهل من التطبيق، نحن نحتاج تصورات عملية للحل قبل العناوين العريضة، ونحتاج أيضًا إلى تصور للمعايير التى يشارك بها القطاع الخاص فى هذه المنظومة بمراحلها المختلفة.
النظام السابق كان يطرح أيضًا أفكارًا من هذا النوع ويتكلم عن القطاع الخاص والاستثمارات الوافدة إلى غير ذلك.. ما الجديد هنا إذن؟
الفرق كبير، فيجب أن تعرف أن أغلب الاستثمارات الوافدة إلى مصر لم تكن مفيدة للشعب المصرى بأى حال، فالثمار كانت تذهب دائمًا إلى الوسطاء من المقربين للنظام فى ظل غياب المعايير، وحتى معدلات النمو التى تحققت فى هذه الفترة كانت تذهب لمجموعة محددة تقترب من 200 عائلة ثرية من رجال الأعمال هى وحدها التى قطفت كل الثمار لهذه الاستثمارات أو للسياسات الاقتصادية للنظام السابق، ولذلك كانت كل هذه الأرقام خادعة، خذ مثلاً أسرة واحدة مكونة من 3 رجال أعمال تُعطَى لهم أراضٍ ومحاجر وإعفاءات ضرائب وتسهيلات وكل ما تنفقه 600 مليون يورو، وبعد ذلك تدخل شركة أجنبية تشترى كل ذلك برقم 9 مليارات يورو، انظر إلى هذا الفارق الهائل والمخيف الذى انعكس على عائلة واحدة، فى هذه الحالة يبدو المشهد كما لو أن لدينا استثمارات فرنسية فى مصر، ولكن الحقيقة هى أن عائلة واحدة أخذت لنفسها هذه الاستثمارات وانتقلت من ثروة تقدر بعشرات الملايين إلى ثروة تقدر بمئات المليارات فى فترة قياسية. وهذا النموذج مكرر مع عائلات أخرى، عشرات الأمثلة والنماذج، فقد كانت الاستثمارات الوافدة خادعة ولصالح جهات محددة وعائلات محددة، ومن ثم كانت كل هذه الأرقام تدرج ضمن ثروات لا يحصل الشعب على أى شىء منها على الإطلاق، وأنا لا أتحدث هنا لإثارة الماضى أو التجريح فى أحد، ولكننى أرصد ما كان يحدث من إهدار للموارد، ونبنى معايير جديدة لكى يكون لكل فرد من أبناء البلد حظ فى موارد بلاده، لأنه لو كان لدينا أموال وانتعاش اقتصادى فسنستطيع أن ننفق على الأمن والتعليم والصحة ونخرج من أزمة الديون ونعبر ببلادنا للنهضة.
هل يجب على هذه العائلات أن تخشى من حكمك فى الفترة المقبلة؟
نحن نتحدث عن بناء مؤسسى فى حزب الحرية والعدالة يستهدف مصلحة مصر وليس رؤية فرد واحد، وأنا لست مع الصدام مطلقًا، ولكننى مع الحوار، فهذه ليست رسالة خوف، ولكن رسالة رد الحقوق إلى أصحابها إن أمكن والإيمان بأهمية التعاون من أجل أن تنعكس موارد البلد على أهل هذا البلد، وهناك ضرورة للتمييز بين من أفسد عن قصد من المسؤولين العموميين كما قلت لك، ومن اضطر لكى يتعامل مع الثقافة الفاسدة فى النظام السابق، وسيبقى الحوار هو وسيلتنا لنرد الأموال المنهوبة، ولنعيد آليات استخدام الموارد الوطنية.
قلت قبل قليل كلامًا حول الخلط بين الحزب الوطنى والمؤسسات التنفيذية، وأشرت إلى خطأ هذا التوجه، ألا ترى أن الجماعة تمضى فى نفس المنهج عبر السيطرة على كل شىء، البرلمان بمجلسيه، والرغبة فى السيطرة على الحكومة، ثم مرشح رئاسى مع مرشح بديل، والسيطرة على الجمعية التأسيسية، ألا تخشى أن ينزلق الإخوان إلى نفس المصير للنظام السابق؟
أنا لا أريد أى شخص أن يحاسبنا على النوايا فقط، هناك من يتحدث الآن عن (التكويش) بمنطق النوايا، ونحن ليس بين أيدينا شىء سوى جزء من السلطة البرلمانية وحدها، فليس لدينا وزير أو محافظ أو رئيس شركة، وحتى فى حكومة عصام شرف حرصوا على تمثيل كل التيارات: الأقباط والمرأة وغيرهما ما عدا الإسلاميين، لم يفكروا فى تعيين شخص إسلامى، وبالتالى نحن نتحدث عن النوايا، والواقع الآن أننا لا نملك شيئًا سوى جزء من السلطة التشريعية ولا نملك أى دور فى السلطة التنفيذية، فلماذا يحاسبنا البعض على النوايا وعلى الغيب، ولو كان الإخوان استطاعوا تشكيل الحكومة الائتلافية من خلال البرلمان ربما ما كان لهم أن يتقدموا بمرشح للرئاسة ولكن عندما منعنا من هذا اضطررنا للتفكير فى منصب الرئيس، فلا يجوز هنا الحديث عن التكويش مطلقًا.
هل لو نجح الإخوان فى تشكيل الحكومة الائتلافية.. أكنت أنت المرشح لقيادة مجلس الوزراء فى هذه الحالة؟
لا، لم أكن أنا المرشح لذلك.
من كان المرشح لهذا المنصب إذن؟
الحزب كان سيأخذ القرار المناسب، والطبيعى أن يكون رئيس الحزب أو أحد نواب رئيس الحزب أو كوادره الرئيسية، وترشيحى كان حالة افتراضية وأسطورية ووهمية ولست مسؤولاً عن التصورات الموجودة عند البعض، والصورة الذهنية عن شخصى جاءت نتيجة للإعلام السابق فى عهد الرئيس السابق فبنوا صورة عن خيرت الشاطر بنظرية (فؤاد المهندس) أخطر رجل فى العالم، ولكننى أشهد الله أنه لا يوجد لاعب رئيسى أو مميز، ولكن القرارات داخل الجماعة تسير على نحو مؤسسى، وبالشورى وبالتصويت.
أنت تقصد الصورة التى جرى بناؤها لك فى الإعلام؟
نعم، هذا الإعلام الذى يلعب بعضه دور شهر زاد لشهريار فى التسلية والإثارة فقط، ولا أتحدث هنا عن كل الإعلام، ولكن عمّن يلعب هذا الدور، فنحن نريد إعلامًا يبنى الوطن ولا يسلى فقط أبناء الوطن.
رغم تحليلك هذا لعدم الحساب على النوايا فإنكم لم تنجحوا فى تبديد مخاوف القوى المدنية فى مسألة تداول السلطة أو الحلول التوافقية، البعض يخشى من أن تكون الديمقراطية وسيلة للوصول إلى السلطة ثم التمسك بهذه السلطة إلى الأبد؟
كل تجارب جماعة الإخوان المسلمين فى النقابات تؤكد عكس ذلك، فنحن نحترم الديمقراطية ونؤمن بتداول السلطة، وتقديرى أن جزءًا كبيرًا من هذه المخاوف بين الأطراف المختلفة فى مصر أننا خرجنا من نظام كان يخطط دائمًا للوقيعة بين الناس وبين التيارات السياسية وإثارة الفتن على الصعيد الوطنى وبين المسلمين والأقباط وبين الأحزاب السياسية وبعضها البعض وبين الإخوان والأحزاب السياسية، وأنت تعرف ما كان يفعله صفوت الشريف وغيره على هذا المستوى، ومازلنا نعانى من تأثيرات هذه الوقيعة حتى الآن، وبشكل عام نحن نؤمن فى مسألة الحريات بأنه إذا كان «لا إكراه فى الدين» فكيف يكون هناك إكراه فى منهج الإخوان، ويجب أن نتذكر أنه طوال 1400 سنة من الإسلام لم تحدث توترات طائفية مثلاً بهذا الحجم إلا فى عهدى مبارك والسادات، فيجب أن نفهم أن علاقاتنا معًا هى الحوار والتفاهم والتعايش وليست القاعدة هى ما كان يجرى أيام نظام مبارك من وقيعة وتشويه متعدد، أنا مثلاً بالنسبة للإخوة الأقباط نشأت فى بيت مملوك لمواطنين أقباط ونعيش معًا بروح إيجابية وكنا نبيع ونشترى ونتعامل بيننا دون أن يسأل أحد من المسلم؟ ومن القبطى؟ ويجب أن نفهم أن ما جرى بيننا فى الملف القبطى أو فى ملف الحريات أو الخلافات الفكرية لم يكن سوى نتاج لسياسات مبارك ورجاله، وعلينا أن نعود لهذا الزمن الجميل مرة أخرى، والإخوان ليس لديهم مشكلة فى جميع قضايا الحريات والأقليات والحقوق وغيرها والناس ستتابع موقفنا بشكل واضح ولن تجد خلافًا فى هذه القضايا.
وبالنسبة للخلاف على وضعية الجيش فى الدستور، ما الذى تذهبون إليه هنا فى المواد الخاصة بالقوات المسلحة؟
أنا أقول إن الوصول لتوافق مائة فى المائة مستحيل، ولكن هدفنا الوصول إلى أكبر درجة من التوافق، وعندما عارضنا وثيقة السلمى كنا نعترض على الآلية وهى فرض مبادئ فوق دستورية قبل تشكيل الجمعية من خلال البرلمان، وحزب الحرية والعدالة وكل المصريين يقدر وضع القوات المسلحة كمؤسسة ولا يقبل بأى قرار أو وضع يضعفها، ونحن نعرف أننا نعيش فى بلد له ظروف إقليمية مختلفة وتحيط به تهديدات من كل نوع، ولذلك يجب الحفاظ على القوات المسلحة وعلى جيش مصر قويّا ومصونًا، وجزء من استراتيجيتنا هو تطوير القوات المسلحة، أما مسألة وضعها الدستورى فنحن نقول إنه لا يمكننا أن نناقش ميزانية التسليح على صفحات الجرائد، أو مداولات الحرب والسلم تطرح فى النقاش العام، وكل هدفنا هو أن نحقق التوازن بين الشفافية وبين معايير وأولويات الأمن القومى، ولذلك نحن ندرس الآن دساتير العالم وخاصة الدستور الإسبانى على أساس تحقيق هذا التوازن بين الحفاظ على قوة المؤسسة العسكرية، وتحقيق الشفافية لأننا لسنا سوريا أو اليمن ولن نقبل بتفكيك الجيش، لأنه أحيانًا فى بعض السيولة الثورية الناس تأخذ راحتها فى الكلام دون اعتبار للأمن القومى ومصلحة جيش مصر وأمنها القومى.