كنوز النت الإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنوز النت الإسلامية

منتديات كنوز النت الإسلامية لنشر علوم الدنيا والدين
 
الرئيسيةبوابة كنوز النتمكتبة الصورس .و .جبحـثالأعضاءالمجموعاتالتسجيلدخول

 

 حديث الشتاء فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عرباوي
المدير العام
المدير العام
عرباوي


ذكر عدد الرسائل : 22559
تاريخ الميلاد : 06/02/1980
العمر : 44
نقاط : 58150
تاريخ التسجيل : 21/09/2008

حديث الشتاء  فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات  Empty
مُساهمةموضوع: حديث الشتاء فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات    حديث الشتاء  فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات  Emptyالخميس 19 يناير 2012, 9:53 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في الشتاء فوائد وعبر وتأملات وفكر ووقفات وهمسات وآيات وعظات هداية للسائرين ونوراً للمستبصرين وعبرة للموقنين وعظة للمعتبرين.

1 - فمن حكمة الله الباهرة وقدرته الظاهرة تعاقب الليالي والأيام وتوالي السنين والأعوام فيعقب الليل النهار ويخلف النهار الليل وتتنوع الظواهر الكونية وتتغير الفصول السنوية وتختلف الأحوال الجوية خلال هذه الأيام وتلك الليالي فهذا ربيع وذاك خريف وهذا صيف وذاك شتاء حتى تكون عبرة وعظة وموعظة وذكرى لأصحاب العقول النيرة والقلوب الخيرة والأبصار المتفكرة والأفئدة المتعظة المعتبرة يقول المولى جل وعلا مبيناً وموضحاً الحكمة من توالي الليالي وتعاقب الأيام ( يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ) النور (44) قال الإمام البيضاوي في تفسيره ({ يقلب الله الليل والنهار } بالمعاقبة بينهما أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد والظلمة والنور أو بما يعم ذلك { إن في ذلك } فيما تقدم ذكره { لعبرة لأولي الأبصار } لدلالة على وجود الصانع القديم وكمال قدرته وإحاطة علمه ونفاذ مشيئته وتنزهه عن الحاجة وما يفضي إليها لمن يرجع إلى بصيرة ) ويقول الشيخ ابن سعدي ( { يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } من حر إلى برد، ومن برد إلى حر، من ليل إلى نهار، ومن نهار إلى ليل، ويديل الأيام بين عباده، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ } أي: لذوي البصائر، والعقول النافذة للأمور المطلوبة منها، كما تنفذ الأبصار إلى الأمور المشاهدة الحسية. فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكر وتدبر لما أريد بها ومنها، والمعرض الجاهل نظره إليها نظر غفلة، بمنزلة نظر البهائم )

2 - يقول جل وعلا منبهاً أنظار عباده ولافتاً فكر خلقه للواجب من التفكر والتدبر والمفترض من الحمد والشكر تجاه توالي الليالي والأيام وتعاقب الفصول والأعوام واختلاف الأجواء وتغير الأحوال ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ) قال الشيخ ابن سعدي ({ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } أي: يذهب أحدهما فيخلفه الآخر، هكذا أبدا لا يجتمعان ولا يرتفعان، { لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } أي: لمن أراد أن يتذكر بهما ويعتبر ويستدل بهما على كثير من المطالب الإلهية ويشكر الله على ذلك، ولمن أراد أن يذكر الله ويشكره وله ورد من الليل أو النهار، فمن فاته ورده من أحدهما أدركه في الآخر، وأيضا فإن القلوب تتقلب وتنتقل في ساعات الليل والنهار فيحدث لها النشاط والكسل والذكر والغفلة والقبض والبسط والإقبال والإعراض، فجعل الله الليل والنهار يتوالى على العباد ويتكرران ليحدث لهم الذكر والنشاط والشكر لله في وقت آخر، ولأن أوراد العبادات تتكرر بتكرر الليل والنهار، فكما تكررت الأوقات أحدث للعبد همة غير همته التي كسلت في الوقت المتقدم فزاد في تذكرها وشكرها، فوظائف الطاعات بمنزلة سقي الإيمان الذي يمده فلولا ذلك لذوى غرس الإيمان ويبس. فلله أتم حمد وأكمله على ذلك)

3 - يتذكر المسلم حينما يحل به فصل الشتاء وينزل به موسم الصيف حينما يقاصي شدة الحر وقرص الشتاء يتذكر منبع الحرارة والسموم ومصدر البرودة والزمهرير فليست المسألة مجرد تغيرات جوية واختلافات كونية وتقلبات فصلية بل لها مصدراً ومنبعاً وأساساً ومنشأً أخبر به الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «اشتكت النار إلى ربها ، فقالت: رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف ، فهو أشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير» أخرجه مالك (28) والشافعى (1/27) وابن حبان (7466) والبخارى (3087) ومسلم (617) وابن ماجه (4319) أحمد(10545) قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :"وفي هذا الحديث : دليل على أن الجمادات لها إحساس لقوله : (اشتكت النار إلى ربها فقالت : يا رب أكل بعضي بعضاً) ، من شدة الحر ، وشدة البرد , فأذن الله لها أن تتنفس في الشتاء ، وتتنفس في الصيف , تتنفس في الصيف ليخف عليها الحرَّ , وفي الشتاء ليخفَّ عليها البرد , وعلى هذا فأشد ما نجد من الحرِّ : يكون من فيح جهنم , وأشد ما يكون من الزمهرير : من زمهرير جهنم .فإن قال قائل : هذا مشكل حسَب الواقع ؛ لأن من المعروف أن سبب البرودة في الشتاء هو : بُعد الشمس عن مُسامتة الرؤوس , وأنها تتجه إلى الأرض على جانب ، بخلاف الحر ، فيقال : هذا سبب حسِّي ، لكن هناك سبب وراء ذلك , وهو السبب الشرعي الذي لا يُدرك إلا بالوحي , ولا مناقضة أن يكون الحرُّ الشديد الذي سببه أن الشمس تكون على الرؤوس أيضا يُؤذن للنار أن تتنفس فيزدادُ حرُّ الشمس , وكذلك بالنسبة للبرد : الشمس تميل إلى الجنوب , ويكون الجوُّ بارداً بسبب بُعدها عن مُسامتة الرؤوس , ولا مانع من أنّ الله تعالى يأذن للنار بأن يَخرج منها شيءٌ من الزمهرير ليبرِّد الجو ، فيجتمع في هذا : السبب الشرعي المُدرَك بالوحي , والسبب الحسِّي ، المُدرَك بالحسِّ .ونظير هذا : الكسوف ، والخسوف , الكسوف معروف سببه , والخسوف معروف سببه .سبب خسوف القمر: حيلولة الأرض بينه ، وبين الشمس , ولهذا لا يكون إلا في المقابلة , يعني : لا يمكن يقع خسوف القمر إلا إذا قابل جُرمُه جرمَ الشمس , وذلك في ليالي الإبدار ، حيث يكون هو في المشرق ، وهي في المغرب أو هو في المغرب ، وهي في المشرق .أما الكسوف فسببه : حيلولة القمر بين الشمس ، والأرض , ولهذا لا يكون إلا في الوقت الذي يمكن أن يتقارب جُرما النيّرين , وذلك في التاسع والعشرين أو الثلاثين ، أو الثامن والعشرين , هذا أمر معروف , مُدرك بالحساب , لكن السبب الشرعي الذي أدركناه بالوحي هو : أن الله (يخوّف بهما العباد) , ولا مانع من أن يجتمع السببان الحسي والشرعي , لكن من ضاق ذرعاً بالشرع : قال : هذا مخالف للواقع ولا نصدق به , ومن غالى في الشرع : قال : لا عبرة بهذه الأسباب الطبيعية ، ولهذا قالوا : يمكن أن يكسف القمر في ليلة العاشر من الشهر ! .... لكن حسَب سنَّة الله عز وجل في هذا الكون : أنه لا يمكن أن يَنخسف القمر في الليلة العاشر أبداً" انتهى ." شرح صحيح مسلم " (شرح كتاب الصلاة ومواقيتها ، شريط رقم 10 ، وجه أ)

& رد الإشكالات حول الحديث
[دائماً ما كنت أستغرب الحديث بأن الطقس إذا كان حارّاً فإن هذا نفَس من أنفاس جهنم ، فهل هذا الحديث ضعيف؟ لأنه وفقاً للحقائق التي سمعتها أننا نحصل على فصول السنة من خلال الشمس ، وميل الأرض ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً :الحديث المشار إليه حديث صحيح في أعلى درجات الصحة ، وقد اتفق على إخراجه الإمامان البخاري ومسلم ، رحمهما الله .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ : يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ : نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ) رواه البخاري (3087) ومسلم (617) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :"والمراد بالزمهرير : شدة البرد ، واستشكل وجوده في النار ، ولا إشكال ؛ لأن المراد بالنار: محلها ، وفيها طبقة زمهريرية" انتهى " فتح الباري " (2 / 19)
ثانياً :هل كان كلام النار ، وشكوتها ، بلسان المقال أم بلسان الحال ؟ أكثر العلماء -وهو الصواب بلا ريب- على أنه كان بلسان المقال .
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :"وأما قوله في هذا الحديث : (اشتكت النار إلى ربها فقالت : يا رب ، أكل بعضي بعضاً .... الحديث) : فإن قوماً حملوه على الحقيقة ، وأنها أنطقها الذي أنطق كل شيء ، واحتجوا بقول الله عز وجل : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ) النور/24 ، وبقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) الإسراء/44 ، وبقوله : (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) سبأ/10 ، أي : سبِّحي معه ، وقال : (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ) ص/18 ، وبقوله : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ق/ 30 ، وما كان من مثل هذا ، وهو في القرآن كثير ، حملوا ذلك كله على الحقيقة ، لا على المجاز ، وكذلك قالوا في قوله عز وجل : (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) الفرقان/ 12 ، و (تكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) الملك/8 ، وما كان مثل هذا كله .
وقال آخرون في قوله عز وجل : (سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) و (تكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) : هذا تعظيم لشأنها ، ومثل ذلك قوله عز وجل : (جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) الكهف/77 ، فأضاف إليه الإرادة مجازاً ، وجعلوا ذلك من باب المجاز ، والتمثيل في كل ما تقدم ذكره ، على معنى أن هذه الأشياء لو كانت مما تنطق ، أو تعقل : لكان هذا نطقها وفعلها .فمَن حمل قول النار وشكواها على هذا : احتج بما وصفنا ، ومن حمل ذلك على الحقيقة : قال : جائز أن يُنطقها الله ، كما تنطق الأيدي ، والجلود ، والأرجل يوم القيامة ، وهو الظاهر من قول الله عز وجل : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ق/ 30 ، ومن قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) الإسراء/44 ، و (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ) النمل/18 ، وقال : قوله عز وجل : (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) الملك/8 : أي : تتقطع عليهم غيظاً ، كما تقول : فلان يتقد عليك غيظاً ، وقال عز وجل : (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) الفرقان/ 12 ، فأضاف إليها الرؤية ، والتغيظ ، إضافة حقيقية ، وكذلك كل ما في القرآن من مثل ذلك .
ومن هذا الباب عندهم قوله : (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ) الدخان/29 ، و (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً) مريم/ 90 ، و (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) فصلت/11 ، (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) البقرة/74 ، قالوا : وجائز أن تكون للجلود إرادة لا تشبه إرادتنا ، كما للجمادات تسبيح وليس كتسبيحنا ، وللجبال ، والشجر سجود وليس كسجودنا .
والاحتجاج لكلا القولين يطول ، وليس هذا موضع ذِكره ، وحمْل كلام الله تعالى ، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم على الحقيقة : أولى بذوي الدِّين ، والحق ؛ لأنه يقص الحق ، وقوله الحق ، تبارك وتعالى علوّاً كبيراً" انتهى ." التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " (5 / 11 - 16) .ثم اختلف العلماء أيضا في نفسي جهنم ، هل هما على الحقيقة ، أم على المجاز؟ وأكثر العلماء على أن ذلك على الحقيقة أيضاً .قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"قال القرطبي : لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته ، قال : وإذا أخبر الصادق بأمر جائز : لم يُحتج إلى تأويله ، فحمله على حقيقته : أولى ، وقال النووي نحو ذلك ، ثم قال : حمله على حقيقته هو الصواب ، وقال نحو ذلك التوربشتى .
ورجح البيضاوي حمله على المجاز ، فقال : شكواها مجاز عن غليانها ، وأكلها بعضها بعضاً: مجاز عن ازدحام أجزائها ، وتنفسها : مجاز عن خروج ما يبرز منها ، وقال الزين بن المنير : المختار حمله على الحقيقة ؛ لصلاحية القدرة لذلك [يعني : أن الله تعالى يقدر على ذلك] ، ولأن استعارة الكلام للحال وإن عهدت وسمعت ، لكن الشكوى ، وتفسيرها ، والتعليل له ، والإذن ، والقبول ، والتنفس ، وقصره على اثنين فقط : بعيد من المجاز خارج عما أُلِف من استعماله" انتهى ." فتح الباري " (2 / 19)
وقال الزرقاني رحمه الله :
" (أن النار اشتكت إلى ربها) حقيقة ، بلسان المقال ، كما رجحه من فحول الرجال : ابن عبد البر ، وعياض ، والقرطبي ، والنووي ، وابن المنير ، والتوربشتي ، ولا مانع منه سوى ما يخطر للواهم من الخيال" انتهى ." شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك " (1 / 59) .
وقد رد بعض الجهلة هذا الحديث بزعم أنه مخالف للواقع ، من أن اختلاف الفصول إنما يرجع للعلاقة بين الشمس والأرض .
والجواب على هؤلاء أسهل مما يتصورون ؛ وذلك أن هذا الحديث ليس فيه أن اختلاف الفصول أو حصول الشتاء والصيف هو بسبب نفَسَيْ جهنم بل الحديث نفْسُه يدل على وجود الفصلين (الشتاء والصيف) ابتداءً ، وأن "شدة الحر" و "شدة البرد" هما من أثر نفَسَي جهنم ، لا أنهما يكوِّنان "الصيف" و "الشتاء" ، وهذا واضح بأدنى تأمل في الحديث .
قال ابن عبد البر رحمه الله :"وأما قوله : (فأذن لها بنفسين : نفسٍ في الشتاء ، ونفس في الصيف) : فيدل على أن نفَسها في الشتاء : غير الشتاء ، ونفَسها في الصيف : غير الصيف" انتهى" التمهيد " (5 / 8) .
وقد رَدَّ آخرون الحديث لأن سبب شدة الحر أو شدة البرد معروف ، وهو بعد الشمس أو قربها من الأرض وقد أجاب العلماء عن ذلك أيضاً ، وبينوا أنه لا تعارض بين الحديث ، وبين الواقع ،
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :"وفي هذا الحديث : دليل على أن الجمادات لها إحساس لقوله : (اشتكت النار إلى ربها فقالت : يا رب أكل بعضي بعضاً) ، من شدة الحر ، وشدة البرد , فأذن الله لها أن تتنفس في الشتاء ، وتتنفس في الصيف , تتنفس في الصيف ليخف عليها الحرَّ , وفي الشتاء ليخفَّ عليها البرد , وعلى هذا فأشد ما نجد من الحرِّ : يكون من فيح جهنم , وأشد ما يكون من الزمهرير : من زمهرير جهنم .فإن قال قائل : هذا مشكل حسَب الواقع ؛ لأن من المعروف أن سبب البرودة في الشتاء هو : بُعد الشمس عن مُسامتة الرؤوس , وأنها تتجه إلى الأرض على جانب ، بخلاف الحر ، فيقال : هذا سبب حسِّي ، لكن هناك سبب وراء ذلك , وهو السبب الشرعي الذي لا يُدرك إلا بالوحي , ولا مناقضة أن يكون الحرُّ الشديد الذي سببه أن الشمس تكون على الرؤوس أيضا يُؤذن للنار أن تتنفس فيزدادُ حرُّ الشمس , وكذلك بالنسبة للبرد : الشمس تميل إلى الجنوب , ويكون الجوُّ بارداً بسبب بُعدها عن مُسامتة الرؤوس , ولا مانع من أنّ الله تعالى يأذن للنار بأن يَخرج منها شيءٌ من الزمهرير ليبرِّد الجو ، فيجتمع في هذا : السبب الشرعي المُدرَك بالوحي , والسبب الحسِّي ، المُدرَك بالحسِّ .ونظير هذا : الكسوف ، والخسوف , الكسوف معروف سببه , والخسوف معروف سببه .سبب خسوف القمر: حيلولة الأرض بينه ، وبين الشمس , ولهذا لا يكون إلا في المقابلة , يعني : لا يمكن يقع خسوف القمر إلا إذا قابل جُرمُه جرمَ الشمس , وذلك في ليالي الإبدار ، حيث يكون هو في المشرق ، وهي في المغرب أو هو في المغرب ، وهي في المشرق .أما الكسوف فسببه : حيلولة القمر بين الشمس ، والأرض , ولهذا لا يكون إلا في الوقت الذي يمكن أن يتقارب جُرما النيّرين , وذلك في التاسع والعشرين أو الثلاثين ، أو الثامن والعشرين , هذا أمر معروف , مُدرك بالحساب , لكن السبب الشرعي الذي أدركناه بالوحي هو : أن الله (يخوّف بهما العباد) , ولا مانع من أن يجتمع السببان الحسي والشرعي , لكن من ضاق ذرعاً بالشرع : قال : هذا مخالف للواقع ولا نصدق به , ومن غالى في الشرع : قال : لا عبرة بهذه الأسباب الطبيعية ، ولهذا قالوا : يمكن أن يكسف القمر في ليلة العاشر من الشهر ! .... لكن حسَب سنَّة الله عز وجل في هذا الكون : أنه لا يمكن أن يَنخسف القمر في الليلة العاشر أبداً" انتهى ." شرح صحيح مسلم " (شرح كتاب الصلاة ومواقيتها ، شريط رقم 10 ، وجه أ) .ونرجو أن يكون ما ذكرناه كافياً لتوضيح معنى الحديث ، وأنه لا يمكن للشرع أن يخالف شيئاً محسوساً في الواقع ، وإنما أتي الناس من جهلهم .( الإسلام سؤال وجواب – المنجد )

& الحر من فيح جهنم :
تكاثرت الأخبار في الصحاح وغيرها عن رسول الله عليه السلام أنه قال " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم " ، وقال " اشتكت النار إلى ربها فقالت : يا ربي أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، أشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير " وقد أشكلت هذه الأحاديث أيضاً . فإن ظاهرها أن الحرارة التي نحسها في الصيف ، والبرودة التي نحسها في الشتاء صادرتان من النار . وهذا يكاد يكون بطلانه من قسم الضرورة . فإن الحرارة والبرودة ناتجتان من موقف الشمس من الأرض لا من جهنم . وهذا مما لا ينازع فيه أحد من العقلاء وقد أجاب فريق من العلماء عن ذلك وقال : إن الكلام فيه تشبيه . والمراد أن شدة الحر مثل فيح جهنم في الحرارة . ويرد هذا القول الرواية الأخيرة ، فهي صريحة بأن الحرارة والبرودة من تنفس النار . ثم كيف يقال : إن حرارة الصيف مثل حرارة النار التي تطلع على الأفئدة ، والتي تشوي الجلود شيّاً ، والتي( وقودها الناس والحجارة) والتي نار الدنيا جزء من سبعين جزءاً منها كما في الحديث الصحيح ؟! وصح عن رسول الله عليه السلام أنه قال " أهون أهل النار عذاباً من له نعلان من نار بغلي منهما دماغه " . فكيف يقال : إن الحر مثل نار هذه أقل أوصافها ؟! أليس هذا مثل أن يقال : إن قرصة النملة مثل عضة الأسد ، أو مثل ضربة السيف وطعنة الرمح ؟! لا ريب أن حمل الحديث على هذا باطل شرعاً وعقلاً ولغة وأجابت طائفة أخرى قالت : إن الأحاديث على ظاهرها ، وإن الحرارة التي يجدها الناس في القيظ هي خارجة من جهنم . ولم يبالوا مخالفة المشهود . وعندي أن تكذب الحديث أفضل من هذا القول والجواب الصحيح في الحديث ، الذي لا يعدل عنه أن الحرارة من الشمس ، وأن الشمس من النار . أي إن الشمس جذوة من جذواتها ، وشرارة منقدحة منها . فالحرارة الآتية منها هي آتية من النار . وليس أمامنا مانع من أن تكون الشمس من النار . وقد تكاثرت الأحاديث الصحاح بأن الشمس تدنو يوم القيامة من العباد ، وتصليهم ناراً حامية ، حتى يأخذهم العرق فيلجمهم ، وحتى يستصرخوا بالأنبياء من عذابها النكر وربما كان قوله تعالى : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) دالا على ذلك . فالشمس معبودة ، فهي ذاهبة مع عابديها إلى النار . وهي نار محرقة فهي من النار . هذا رأي وثم رأي ثان في الحديث ، وهو أن يقال : حرارة الصيف من الشمس ، وحرارة الشمس مكتسبة من النار وآتية لها منها ، فالحرارة آتية أصالة من النار . أو يقال : ما الشمس إلا شرارة من شرر النار ، إنقذفت منها ووقفت كما هي الآن لمصالح العباد هذه أمور ثلاثة في الحديث لا نرى عائقاً من أن تكون تفسيراً له . وبها يزول ما في الخبر من إشكال
(مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها - عبدالله بن علي النجدى القصيمي)

4 - نحن نتقي حرارة الصيف وبرودة الشتاء في الدنيا بما هيأ الله عز وجل وأنعم وأعد لنا من نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة من مآكل ومشارب وألبسة وغيرها من أسباب للوقاية ووسائل للحماية .فجدير بالمؤمن وحري بالمسلم أن يستعد بالأسباب النافعة والوسائل الناجعة التي تجنبه حرارة جهنم وزمهرير السعير كما أمرنا المولى جل وعلا بذلك في غير ما آية حيث قال جل وعلا (يا أيها الذين آمنوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة .. ) والتقوى هي أن تعمل بطاعة الله وتترك معصيته على نور وعلم وبصيرة من الله جل وعلا ترجو ثوابه وتخاف عذابه .

5 - في الشتاء يتذكر المسلم حاله صلى الله عليه وسلم عند رؤية السحاب وتلبد السماء بالغيوم والذي تصفه لنا عائشة رضي الله عنها بقولها (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً حتى ترى لهواته إنما كان يتبسم وكان إذا رأى غيماً عرف في وجهه قلت يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيت غيماً عرف في وجهك الكراهة فقال يا عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذابٌ أليم قد عذب قومٌ بالريح وقد رأى قومٌ العذاب فقالوا ( هذا عارضٌ ممطرنا )رواه البخاري ( 4829)مسلم(899)
وقالت( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة يعني الغيم تلون وجهه وتغير ودخل وخرج وأقبل وأدبر فإذا مطرت سري عنه قالت فذكرت له عائشة بعض ما رأت منه فقال وما يدريني لعله كما قال قوم عاد { فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم }) بخ (3206) مسلم(899) هذا هو حاله صلى الله عليه وسلم قلبه مربوط بخالقه متعلق بمولاه وجل من ربه خائف من عقابه ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يربط الآيات الكونية والأحوال الجوية بالأمور الشرعية والأحداث الغيبية ففي الكسوف يخشى أن تقوم الساعة وعند الغيوم والسحاب يخشى أن يكون فيه العذاب وعند شدة البرودة وقرص الشتاء يتذكر زمهرير النار وهكذا هو القلب الحي والفؤاد المتيقظ والنفس المتذكرة والعقول المتفكرة .

6 - يتذكر المسلم عند الشتاء حاله صلى الله عليه وسلم وهديه عندما تهب الرياح وتعصف الأعاصير ويتضرر كثير من الناس في مصالحهم الدنيوية ومعيشتهم اليومية ويحدث لهم نوع من الخوف والفزع والرعب والاضطراب ينتج عنه تسخط وسب ولعن وشتم للأحوال الجوية والريح العاتية وهديه صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي وأعظم التعامل ففيه الهدى والنور وفيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة
عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «لا تسبوا الريح ، فإذا رأيتم ما تكرهون ، فقولوا : اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها ، وخير ما أمرت به ، ونعوذ بك من شر هذه الريح ، وشر ما فيها ، وشر ما أمرت به» أخرجه أحمد (5/123) والترمذي (2252) وقال حسن صحيح وحسنه الارناؤوط وصححه الألباني .
وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الريح من روح الله تأتي بالرحمة وبالعذاب فلا تسبوها وسلوا الله من خيرها وعوذوا به من شرها " حسن : أخرجه أحمد (436) والبخاري في الأدب المفرد (720) وأبو داود (5097) وابن ماجة (3727) والنسائي في عمل اليوم والليلة (931) قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبى وقال النووى فى الأذكار والرياض : إسناده حسن وصححه الألباني وحسن الأرناؤوط.
وعن عائشة - رضي الله عنها - : «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عصفت الريح ، قال : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ، وشر ما أرسلت به».أخرجه البخاري (1034) ومسلم (899)والترمذي .
وعن ابن عباس : (أن رجلا لعن الريح عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال لا تلعن الريح فإنها مأمورة وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه) رواه الترمذي (1978) وقال هذا حديث حسن غريب لا نعلم أحدا أسنده غير بشر بن عمر .وأخرجه أبي داود (4908) وصححه الألباني في الصحيحة (528)وقال قال المنذري عقبه في " الترغيب " ( 3 / 288 - 289 ) :"وبشر هذا ثقة احتج به البخاري و مسلم و غيرهما و لا أعلم فيه جرحا" وأخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة "
وعن ابن عباس قال : ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال : " اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا "رواه الشافعي في مسنده والبيهقي في الدعوات الكبير بسند ضعيف جداً شرح السنة (4/393) أخرجه الطبراني في "معجمه" (3/ 125/ 2) عن الحسين ابن قيس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ الحسين بن قيس - هو الرحبي الملقب بـ (حنش) - وهو متروك كما في "التقريب" وضعفه الألباني في الضعيفة (4217) ومشكاة المصابيح (1519)
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت الريح يقول : ( اللهم لاقحاً لا عقيماً) رواه البخاري في الأدب المفرد (718) والطبراني في معجمه الكبير (6296) وابن حبان في صحيحه ( 1008) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن وصححه الألباني .

7 - عندما يحل الشتاء يشكر المسلم ربه عز وجل على نعمه العظيمة ومننه الجسيمة وآلائه المتعددة وفضائله المتنوعة التي نتقلب فيها ليل نهار صباح مساء وفي كل وقت وحين مناسبة للفصول ومتلائمة مع الأوقات والأحوال والتقلبات من ملابس ومساكن ومطاعم ومشارب وغيرها من وسائل التدفئة وأسباب الحماية والصيانة ، يذكرنا المولى جل وعلا بتلك النعم وهذه المنن فيقول جل وعلا {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين (80) والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون (81) فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين (82) يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون (83)}
يقول الشيخ السعدي (يذكر تعالى عباده نعمه، ويستدعي منهم شكرها والاعتراف بها فقال: { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا } في الدور والقصور ونحوها تكنُّكم من الحر والبرد وتستركم أنتم وأولادكم وأمتعتكم، وتتخذون فيها الغرف والبيوت التي هي لأنواع منافعكم ومصالحكم وفيها حفظ لأموالكم وحرمكم وغير ذلك من الفوائد المشاهدة، كذلك يتم نعمته عليكم حيث أسبغ عليكم من نعمه ما لا يدخل تحت الحصر { لَعَلَّكُمْ } إذا ذكرتم نعمة الله ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه { تُسْلِمُونَ } لعظمته وتنقادون لأمره، وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها، فكثرة النعم من الأسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر ، والثناء بها على الله تعالى، ولكن أبى الظالمون إلا تمردا وعنادا.ولهذا قال الله عنهم: { فَإِنْ تَوَلَّوْا } عن الله وعن طاعته بعد ما ذُكِّروا بنعمه وآياته، { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ } أي: ليس عليك من هدايتهم وتوفيقهم شيء بل أنت مطالب بالوعظ والتذكير والإنذار والتحذير، فإذا أديت ما عليك، فحسابهم على الله فإنهم يرون الإحسان، ويعرفون نعمة الله، ولكنهم ينكرونها ويجحدونها، {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} لا خير فيهم، وما ينفعهم توالي الآيات، لفساد مشاعرهم وسوء قصودهم وسيرون جزاء الله لكل جبار عنيد كفور للنعم متمرد على الله وعلى رسله) وقال تعالى ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) فاللهم ألهمنا شكر نعمتك وحسن عبادتك ودوام ذكرك .

8 - عند حلول الشتاء يشكر المسلم ربه عز وجل على نعمة التسهيل والتخفيف والسماحة والتيسير ووضع الجناح ورفع الحرج ودفع المشقة وزوال الضرر التي اتسمت بها الشريعة الإسلامية في أحكامها وتشريعاتها بعامة قال تعالى( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) وقال جل وعلا ( ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج ) وقال صلى الله عليه وسلم ( بعثت بالحنفية السمحة )
وتتجلى مظاهر السماحة واليسر وتبرز آثار التخفيف والتسهيل في مسائل الشتاء وأحكامه المتعددة وحكمه المتنوعة في الطهارة والصلاة وغيرها مما يدل على كمال الشريعة وتمام الدين وعظم النعمة وجلالة المنة منه سبحانه وتعالى .



@ الأحكام الفقهية المتعلقة بالشتاء .
أ – أولاً : الأحكام المتعلقة بالطهارة

1 - طهورية ماء المطر : قال تعالى ( وأنزلنا من السماء ماء طهوراً ) قال الإمام البغوي: «هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره». يعني يطهر من الأحداث والأخباث
2 – وجوب إسباغ الوضوء وإكماله وتمامه في شدة البرد وقرص الشتاء وهو سبب لتكفير السيئات وحط الخطيئات فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط»أخرجه مالك (384) وعبد الرزاق (1993) وأحمد (7208) ومسلم (251) والترمذى (51) والنسائى (139) وابن حبان (رقم 1038) وابن خزيمة (5) وفي رواية ( إسباغ الوضوء في السبرات ) أخرجه الترمذي (2863) قال المُناوي: « السبرات هي شدة البرد»
وفي مسند أحمد أن رجلاً مِن ثقيف قال: سألنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً فلم يرخص لنا، فقلنا: إن أرضنا باردة، فسألناه أن يرخص لنا في الطُّهور، فلم يرخص لنا.
فإسباغ الوُضوء مأمور به شرعاً كما في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «أسبغوا الوضوء» ، ويزداد الأجر عند البرد والمشقة.
وإسباغ الوضوء: «إتمامه وإفاضة الماء على الأعضاء تامّاً كاملاً ».
وهنا عدة مسائل:
& الأولى: أن بعض الناس يتساهلون في أيام البرد في الوضوء كثيراً: لا أقول: لا يسبغون، وإنما لا يأتون بالقدر الواجب، حتى إن بعضهم يكاد يمسح مسحاً وهذا لا يجوز ولا ينبغي، بل قد يكون من مبطلات الوضوء.
وأيضاً بعض الناس لا يرفعون ولا يسفرون أكمامهم عند غَسل اليدين فسراً كاملاً، وهذا يؤدي إلى أن يتركوا شيئاً من الذراع بلا غَسل، وهو مُحرم، والوضوء معه غير صحيح، فالواجب أن يفسر كُمّه إلى ما وراء المرفق،ويغسل المرفق مع اليد لأنه من فروض الوضوء.( فتاوى ابن عثيمين 11 / 153)
& الثانية: بعض الناس يتحرجون مِن تسخين الماء للوضوء، وليس معهم أدنى دليل شرعي.وروى مسلم في «صحيحه» أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات». قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «إسباغ الوضوء على المكاره... »، قال القرطبي: أي: تكميله وإيعابه مع شدة البرد وألم الجسم ونحوه.
وقال الأُبي: تسخين الماء لدفع برده ليتقوى على العبادة لا يَمنع من حصول الثواب المذكور.
& الثالثة: يتحرج بعض الناس مِن تنشيف أعضاء الوضوء في البرد، إما لعادته في أيام الحرِّ وإما تأثُّماً فيما يظنون، وهذا ليس له أصل فلا حرج على بالتنشيف للمتوضئ والمغتسل قال ابن قدامه رحمه الله: " ولا بأس بتنشيف أعضائه بالمنديل من بلل الوضوء والغسل قال الخلال : المنقول عن أحمد أنه لا بأس بالتنشيف بعد الوضوء وممن الوضوء وممن روي عنه أخذ المنديل بعد الوضوء عثمان والحسن بن علي وأنس وكثير من أهل العلم ونهى عنه جابر بن عبد الله وكرهه عبد الرحمن بن مهدي وجماعه من أهل العلم لأن ميمونة روت أن النبي صلى الله عليه و سلم فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض بالماء بيده متفق عليه والأول أصح لأن الأصل الإباحة وترك النبي صلى الله عليه و سلم لا يدل على الكراهة فإن النبي صلى الله عليه و سلم قد يترك المباح كما يفعله وقد روى أبو بكر في الشافي بإسناده عن عروة عن عائشة قالت : كان للنبي صلى الله عليه و سلم خرقة يتنشف بها بعد الوضوء وسئل أحمد عن هذا الحديث فقال : منكر منكر وروي عن قيس بن سعد أن النبي صلى الله عليه و سلم اغتسل ثم أتيناه بملحفة ودسية فالتحف بها إلا أن الترمذي قال : لا يصح في هذا الباب شيء ولا يكره نفض الماء عن بدنه بيديه لحديث ميمونة " (1/195) وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تنشيف أعضاء الوضوء .فأجاب : " تنشيف الأعضاء لا بأس به ؛ لأن الأصل عدم المنع ، والأصل فيما عدا العبادات من العقود والأفعال والأعيان الحل والإباحة حتى يقود دليل على المنع .الفتاوى (11/153)
3 - طين الشوارع: يكثر في فصل الشتاء الوَحَل والطين، فتصاب به الثياب، مما قد يُشْكل حكم ذلك على البعض فأقول: لا يجب غَسل ما أصاب الثوب من هذا الطين؛ لأن الأصل فيه الطهارة، قال ابن رجب في فتح الباري شرح صحيح البخاري (الخلاف في طين الشوارع : هل هو نجس أو طاهر يعفى عن يسيره ؟ حكى أصحاب الشافعي له في ذَلكَ قولين ، وكذلك حكى الخلاف في مذهب أحمد بعض أصحابنا والصحيح عند محققيهم : أن المذهب طهارته ، وعليه تدل أحوال السلف الصالح وأقوالهم ، كما تقدم عنهم في ترك غسل القدمين من الخوض في الطين ، وهذا مروي عن علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة )(2/276)

4 - التيمم :من لم يجد الماء، أو عَجَزَ عن استعماله لبُعد أو مرض أو شدة برد مع عدم القدرة على تسخينه يجوز له أن يتيمم، ولا إعادة عليه. قال الموفق (وإن خاف من شدة البرد وأمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل عضوا عضوا كلما غسل شيئا ستره لزمه ذلك وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر أهل العلم وقال عطاء و الحسن : يغتسل وإن مات لم يجعل الله له عذرا ومقتضى قول ابن مسعود أنه لا يتمم فإنه قال : لو رخصنا لهم في هذا لأوشك أحدهم إذا برد عليه الماء أن يتيمم ويدعه
ولنا قول الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } وقوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وروى أبو داود و أبو بكر الخلال بإسنادهما [ عن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله عز و جل يقول : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يقل شيئا ] وسكوت النبي صلى الله عليه و سلم يدل على الجواز لأنه لا يقر على الخطأ ولأنه خائف على نفسه فأبيح له التيمم كالجريح والمريض )(1/298)
والتيمم ضربة واحدة للوجه والكفين.والأصل فيه أن يكون على تراب وإلا فعلى حجارة أو حصى وهكذا حكم التيمم بالثلج عند تجمد المياه في الصنابير : قال الموفق (وأجاز مالك التيمم بالثلج والجبس وكل ما تصاعد على وجه الأرض ) المغني (1/ 281)
وفي التاج والأكليل لمختصر خليل (روى ابن القاسم وعلي وابن وهب يجوز التيمم بالثلج انتهى. نقل الباجي ونقل ابن عرفة عن ابن القاسم يتيمم على الثلج إن عدم الصعيد ) وقال النووي ( وأما جنس ما يتيمم به فاختلف العلماء فيه فذهب الشافعي وأحمد وبن المنذر وداود الظاهري وأكثر الفقهاء إلى أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق بالعضو وقال أبو حنيفة ومالك يجوز التيمم بجميع أنواع الأرض حتى بالصخرة المغسولة وزاد بعض أصحاب مالك فجوزه بكل ما اتصل بالأرض من الخشب وغيره وعن مالك في الثلج روايتان وذهب الاوزاعي وسفيان الثوري إلى أنه يجوز بالثلج وكل ما على الأرض ) شرح مسلم (4 / 57 )

5 - المسح على الخفين والجوربين وفيه مسائل
أ – تعريفات : الخفان : ما يلبس على الرجل من الجلود
الجوارب : وهو ما يُتَّخذ على قدر الرجل سوى الجلود . من صوف ومن وبر من قطن ، وما سوى ذلك ما لم يكن جلداً فهذا يقال له : جورب .
ب – المسح على الخفين ثابت بالكتاب والسنة والإجماع .قال الشيخ ابن عثيمين (مشروعية المسح على الخفين ثابتة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه سلم أما كتاب الله ففي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(المائدة: من الآية6) فإن قوله تعالى : (وأَرْجُلَكُمْ ) فيها قراءتان سبعيتان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إحداهما : (وأَرْجُلَكُمْ ) بالنصب عطفاً على قوله : (وجُوهَكُمْ ) فتكون الرجلان مغسولتين.
والثانية : (وأَرْجُلَكُمْ ) بالجر عطفاً على : (بِرُؤُوسِكُمْ ) فتكون الرجلان ممسوحتين - وهي قراءة ابن كثير المكي وأبي عمرو البصري وحمزة وأبي بكر عن عاصم وهي قراءة سبعية - والذي بين أن الرجل ممسوحة أومغسولة هي السنة فكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كانت رجلاه مكشوفتين يغسلهما وإذا كانتا مستورتين بالخفاف يمسح عليهما .
وأما دلالة السنة على ذلك فالسنة متواترة في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الإمام أحمد رحمه الله : ليس في قلبي من المسح شيء . فيه أربعون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ومما يذكر من النظم قول الناظم
مما تواتر حديث من كذب *** ومن بنى الله بيتاً واحتسب
ورؤية شفاعة والحوض *** ومسح خفين وهذي بعض
فهذا دليل مسحهما من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم) (بحوث وفتاوى في المسح على الخفين – ابن عثيمين - ) وأحاديث المسح على الخفين متواترة كما قال ابن حجر في الفتح (1/366)

ج – المسح على الجوارب - من القطن والصوف وغيرهما -
قيل يجوز المسح على الجورب الصفيق والذي يشمل أمرين : أن لا يصف لون البشرة من : حمرة ، أو سواد ، أو بياض . وأن يكون ساتراً لموضع الغسل ( أي لا يكون فيها خروق ) وهو قول الحنفية والراجح عند الشافعية ومذهب الحنابلة لأنه ثبت في حديث المغيرة: (( أَنَّهُ  مَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ )) [ أخرجه أبو داود ( رقم : 159 ) ، والنسائي ( رقم : 125 ) والترمذي ( رقم : 99 ) ، وابن ماجه ( رقم : 559 ) ، وأحمد في المسند ( 4 / 252 ) وصححه ابن خزيمة (189) وابن حبان (1338)] والحديث صححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وابن دقيق العيد وابن التركماني وصححه الألباني في الإرواء (101) وأحمد شاكر وقال الشيخ ابن باز : سنده جيد وقال الزامل "وهو حديث جيد وهذا هو الصواب خلافاً لمن أعله" وقد ضعفه الثوري وأحمد والنسائي وابن مهدي وابن معين ومسلم والنسائي والعقيلي والدارقطني ] لكن روى المسح على الجوربين عن تسعة من الصحابة كما قال ابن المنذر ونقله ابن القيم والعمدة على جواز المسح عليه على هؤلاء الصحابة و صحيح القياس فلا فرق بين الخفين والجوربين .
وقيل يجوز على الجورب المجلد – وهو ما جعل على أسفله وأعلاه جلد – وهو مذهب المالكية .
وقيل يجوز على الشفاف أجازه بعض الشافعية وروي عن إسحاق وداود وأجازه الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/233) أحكام المسح على الحائل للدبيان (5/53)
قال الشيخ ابن باز في شرح البلوغ (من منع المسح على النعلين و الجور بين فما حجته ؟
ج / حجته أن الأحاديث ورد فيها الخف في أحاديث كثيرة والجورب أضعف منها فلا يقاس عليها والجواب عن ذلك من وجهين :
أحدهما : أنه لا اعتراض ولا رأى لأحد مع السنة ما دام ثبت في السنن الأربع ومسند أحمد عن المغيرة بسند جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين فلا كلام ولا معارضة 0 روى هذا وهذا فما المانع رأى النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين وعلى الجوربين 0
الوجه الثاني : أن الحكم معلل ومعروف الحكمة وأن المقصود من ذلك رحمة الإنسان والرفق بالإنسان إذا سار في أرض حارة أو باردة أو وعرة فالخف ينفعه والجورب كذلك إذا لبس الجورب ينفعه بعض النفع وإذا كان مع النعل فنفعه تام 0
فالحكمة التي من أجلها شرع الله المسح على الخفين موجودة في الجوارب 0
ثم هناك وجه ثالث أن الصحابة أعلم الناس بالسنة وأعلمهم بمقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مسحوا على الجوارب كما نقل ذلك أبو داود عن جماعة منهم ابن عمر وجماعة 0
فلما فهموا أن الجورب في حكم الخف وجب الأخذ بفهمهم و تأييدهم في فهمهم مع ما جاءت به السنة ومع ما عرف من المعنى فلم يبق قول لأحد بعد ذلك لهذه الأمور الثلاثة لأن المعارض مخالف للسنة مخالف للقياس الصحيح ومخالف لأكثر الصحابة فلا يلتفت إلى قوله)
ه – المسح على النعلين : ذهب الأئمة الأربعة بعدم جواز المسح عليهما .وقد سئل الشيخ ابن عثيمين في الباب المفتوح السؤال التالي
( السؤال: ثبت عن بعض الصحابة كابن عمر وعلي بن أبي طالب وأوس بن أوس الثقفي في السنن وغيرهم أنهم مسحوا على نعالهم، وأن بعضهم نزع نعليه ثم دخل فصلى في المسجد ومنها: حديث حصين بن عبد الرزاق على شرط الشيخين، فكيف نوجه هذا؟ ) فأجاب بالتالي :
(الجواب: هذا له توجيه عند بعض أهل العلم: أنه يجوز المسح على النعلين إذا كانت تستر أكثر القدم. وبعضهم يقول: إن القدم إما أن تكون مستورة بالخف والجورب فتمسح، أو غير مستورة بشيء فتغسل، أو مستورة بالنعل فترش رشاً بين الغسل والمسح، وحملوا الحديث الوارد في المسح على النعلين على هذا وقالوا: إن المراد أنه رشها، ثم مر بيده عليها. وعلى كل حال فالاحتياط للمرء ألا يقدُم على شيء إلا وهو يعلم أن السنة جاءت به، أو يغلب على ظنه أن السنة جاءت به، وأما ما ورد عن الصحابة مما يخالف ظاهر السنة فإنه لا يؤخذ به بل يعتذر عنهم ولا يحتج بفعلهم.(6/26) )
وقال الشيخ الألباني (قال الألباني - رحمه الله -:"أما المسح على النعلين،فقد اشتهر بين العلماء المتأخرين أنه لا يجوز المسح على النعلين،ولا نعلم لهم دليلاً "
وقد صحح الترمذي المسح على الجوربين والنعلين،وحسنه من حديث هزيل عن المغيرة،وحسنه أيضا من حديث الضحاك عن أبي موسى ،وصحح ابن حبان المسح على النعلين من حديث أوس،وصحح ابن خزيمة حديث ابن عمر في المسح على النعال السبتية،وما ذكره البيهقي من حديث زيد بن الحباب جيد، وقال أبو بكر البزار:ثنا إبراهيم بن سعيد ثنا روح بن عبادة عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر:كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما،ويقول:كذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل وصححه ابن القطان.
وقال الألباني - رحمه الله - : وإذا عرفت هذا، فلا يجوز التردد في قبول هذه الرخصة بعد ثبوت الحديث بها... لا سيما بعد جريان عمل الصحابة بها،وفي مقدمتهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كما تقدم،وهو مما ذهب إليه بعض الأئمة من السلف الصالح - رضي الله عنهم أجمعين" ) (تمام النصح في أحكام المسح)
و – المسح على اللفائف – وهي ما يلف على القدمين من خرقة ونحوها عند عدم وجود الخف أو الجورب - ذهب الأئمة الأربعة بعدم جواز المسح عليها .ووجه عند أحمد على جواز المسح عليها واختاره شيخ الإسلام في الفتاوى حيث قال ( والمسح على اللفائف
أولى من الخف )الفتاوى (21/185) قال الشيخ ابن عثيمين (واختار شيخ الإسلام رحمه الله جواز المسح على اللفافة، وهو الصحيح؛ لأن اللفافة يعذر فيها صاحبها أكثر من الخف؛ لأن خلع الخف ثم غسل الرجل، ثم لبس الخف أسهل من الذي يحل هذه اللفافة ثم يعيدها مرة أخرى، فإذا كان الشرع أباح المسح على الخف، فاللفافة من باب أولى.وأيضا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر السرية التي بعثها بأن يمسحوا على العصائب والتساخين) فنأخذ من كلمة «التساخين» جواز المسح على اللفافة؛لأنه يحصل بها التسخين والغرض الذي من أجله تلبس الخفاف موجود في لبس اللفافة)الشرح الممتع (1/255)

ز – شروط المسح على الخفين والجوربين
1 – أن يكون المسح في الطهارة الصغرى : وهذا الشرط مجمع عليه حكى الإجماع النووي في المجموع وابن قدامة في المغني وشيخ الإسلام . فالمسح يكون في الحدث الأصغر دون الأكبر، والدليل على ذلك حديث صفوان بن عسال قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط، وبول، ونوم» (رواه أحمد (4/239، 240)، والنسائي (158، 159)، والترمذي (96)، وابن ماجه (478).والحديث صححه: الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والنووي، وابن حجر) .
2 - أن يكون الخفان أو الجوارب طاهرة ، فإن كانت نجسة فإنه لا يجوز المسح عليها ، ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعلان فخلعهما في أثناء صلاته ، وأخبر أن جبريل أخبره بأن فيهما أذى أو قذراً ، وهذا يدل على أنه لا تجوز الصلاة فيما فيه نجاسة ولأن النجس إذا مسح عليه بالماء تلوث الماسح بالنجاسة ، فلا يصح أن يكون مطهراً .قال النووي في المجموع (لا يصح المسح على خف من جلد كلب أو خنزير أو جلد ميتة لم يدبغ وهذا لا خلاف فيه)(1/539) وكذا نقل الإجماع عليه المرداوي في الإنصاف(1/181)

3 – أن يكون لابساً لهما على طهارة مائية ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة : (( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ))( رواه البخاري (206)، ومسلم (274) من حديث المغيرة بن شعبة) فإذا تيمم ثم لبس الخف ثم وجد الماء فلا يمسح وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة واختاره الشيخ ابن عثيمين لحديث أبي هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته، فإن ذلك خير» ( رواه أحمد (5/146، 155، 180)، وأبو داود (332، 333)، والترمذي (124)، وابن حبان رقم (1311) وهو حسن )
قال الشيخ ابن عثيمين ( لا يجوز له أن يمسح على الخفين إذا كانت الطهارة طهارة تيمم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " فإني أدخلتهما طاهرتين " . وطهارة التيمم لا تتعلق بالرِّجل ، إنما هي في الوجه والكفين فقط ، وعلى هذا أيضاً لو أن إنساناً ليس عنده ماء ، أو كان مريضاً لا يستطيع استعمال الماء في الوضوء ، فإنه يلبس الخفين ولو كان على غير طهارة وتبقيان عليه بلا مدة محدودة حتى يجد الماء إن كان عادِماً له ، أو يشفى من مرضه إن كان مريضاً ، لأن الرِّجل لا علاقة لها بطهارة التيمم). الفتاوى (11/174)
وقيل من لبس الخف على طهارة تيمم ثم وجد الماء فليتم مدته لأنه طهارة شرعية والتيمم رافع للحدث وهو رواية عن أحمد حكاه صاحب الإنصاف واختارها الشيخ ابن باز وقد سئل عن ( رجل تيمم ولبس الخفين فهل يجوز له المسح على الخفين إذا وجد الماء ؟
فأجاب / الصواب لا بأس لأن التيمم طهارة شرعية فالتيمم يرفع الحدث على الصحيح كالماء فإذا لبسهما على طهارة جاز المسح عليهما ) التعليق على منتقى الأخبار .
تاااااااااابع

_________________

قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oldcoins.yoo7.com/
عرباوي
المدير العام
المدير العام
عرباوي


ذكر عدد الرسائل : 22559
تاريخ الميلاد : 06/02/1980
العمر : 44
نقاط : 58150
تاريخ التسجيل : 21/09/2008

حديث الشتاء  فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حديث الشتاء فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات    حديث الشتاء  فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات  Emptyالخميس 19 يناير 2012, 9:56 pm


4 – أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعاً،وهو يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر،لما روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:"جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمقيم يوماً وليلة،وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن،يعني في المسح على الخفين".( رواه مسلم (276))
5 – كمال الطهارة : عند جمهور العلماء ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة : (( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ))( رواه البخاري (206)، ومسلم (274) من حديث المغيرة بن شعبة)

& مسألة : هل يصح له أن يغسل رجله اليمنى ثم يدخلها في الجورب ثم يغسل رجله اليسرى ثم يدخلها في الجورب ؟
القول الأول : يجزئه ذلك وهو قول الحنفية ورواية في مذهب أحمد ورجحه شيخ الإسلام في الفتاوى وابن القيم في إعلام الموقعين وابن دقيق العيد والزامل .
القول الثاني : لا يجزئه ذلك وهو قول للحنابلة ومذهب المالكية والشافعية ورجحه ابن باز وابن عثيمين .
قال الشيخ ابن باز ( الأولى والأحوط: ألا يلبس المتوضئ الشراب حتى يغسل رجله اليسرى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا توضأ أحدكم فلبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة)) أخرجه الدارقطني، والحاكم وصححه من حديث أنس رضي الله عنه؛ ولحديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما أخرجه الدارقطني، وصححه ابن خزيمة ولما في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأراد أن ينزع خفيه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) وظاهر هذه الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها أنه لا يجوز للمسلم أن يمسح على الخفين إلا إذا كان قد لبسهما بعد كمال الطهارة، والذي أدخل الخف أو الشراب برجله اليمنى قبل غسل رجله اليسرى لم تكمل طهارته وذهب بعض أهل العلم إلى جواز المسح، ولو كان الماسح قد أدخل رجله اليمنى في الخف أو الشراب قبل غسل اليسرى؛ لأن كل واحدة منهما إنما أدخلت بعد غسلها . والأحوط: الأول، وهو الأظهر في الدليل، ومن فعل ذلك فينبغي له أن ينزع الخف أو الشراب من رجله اليمنى قبل المسح، ثم يعيد إدخالها فيه بعد غسل اليسرى، حتى يخرج من الخلاف ويحتاط لدينه". فتاوى ابن باز (10 / 117))
وسئل الشيخ ابن عثيمين ( عن حكم من توضأ فغسل رجله اليمنى ، ثم لبس الخف أو الجورب ، ثم غسل اليسرى ولبس الجورب عليها أو الخف ؟
فأجاب قائلاً : هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال : لا بد أن يُكمل الطهارة قبل أن يلبس الخف أو الجورب ، ومنهم قال : إنه يجوز إذا غسل اليمنى أن يلبس الخف أو الجورب ثم يغسل اليسرى ويلبس الخف أو الجورب ، فهو لم يدخل اليمنى إلا بعد أن طهرَّها واليسرى كذلك ، فيصدق عليه أنه أدخلهما طاهرتين لكن هناك حديث أخرجه الدار قطني والحاكم وصححه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه "الحديث . فقوله :" إذا توضأ " قد يرجح القول الأول ، لأن من لم يغسل اليسرى لا يصدق عليه أن توضأ فعليه فالقول به أولى .الفتاوى (11/175))
ح – مدة المسح : يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر،لما روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمقيم يوماً وليلة،وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن،يعني في المسح على الخفين.( رواه مسلم، كتاب الطهارة: باب التوقيت في المسح على الخفين، رقم (276))

& مسألة : متى يبدأ حساب مدة المسح :
1 - مدة المسح يبتدئ من وقت الحدث لأنه يستبيح المسح من الحدث ، فكان من المناسب أن يبتدئ بالمسح من الحدث ، وجاء من حديث صفوان  : (( يَمْسَحُ مِنَ الْحَدَثِ إِلَى مِثْلِهِ )) [ أخرجه الترمذي ( رقم : 96 ) ، والنسائي ( رقم : 127 ) ، وابن ماجه ( 478 ) ، وأحمد في المسند ( 4 / 239 ) ، والداقر قطني في السنن ( 1 / 196 ) ] . وهذا هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة .
القول الثاني : أنه يبتدئ من أول مسح بعد الحدث وهي الرواية المعتمدة في مذهب الحنابلة وقول الأوزاعي وأبي ثور واختاره ابن المنذر والنووي ورجحه ابن باز وابن عثيمين في الشرح الممتع والألباني في تمام النصح في أحكام المسح وقد صح عن عمر كما رواه الخلال وابن المنذر أنه قال(امسح إلى مثل ساعتك التي مسحت فيها )
القول الثالث : أنه يبتدئ من اللبس وهو محكي عن الحسن البصري .
القول الرابع : خمس صلوات وهو قول الشعبي وإسحاق وأبي ثور .
ط – مكان المسح : (يمسح على ظاهر القدم السنة مسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه فيضع يده على موضع الأصابع ثم يجرها إلى ساقه خطا بأصابعه وأن مسح من ساقه إلى أصابعه جاز والأول المسنون)المغني (1/335)
ومذهب المالكية والشافعية المسح على ظاهر الخف وباطنه لحديث المغيرة بن شعبة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مسح أعلى الخف وأسفله‏)‏‏رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور غير الوليد بن مسلم وسألت أبا زرعة ومحمدًا عن هذا الحديث فقالا‏:‏ ليس بصحيح‏.‏ وقال الحنفية والحنابلة بمسح ظاهر الخف دون باطنه ورجحه ابن باز وابن عثيمين لحديث علي ( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أول بالمسح من أعلاه وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهر خفيه) رواه أحمد (1/114)، وأبو داود، كتاب الطهارة: باب كيف المسح، رقم (162)، وأبو يعلى رقم (346) وغيرهم قال ابن حجر: «إسناده صحيح»
ي – كيفية وصفة المسح : قيل تسمح القدمان معاً في وقت واحد وهو مذهب الحنفية وقول للحنابلة واختاره الشيخ ابن عثيمين في فتاواه حيث قال (كيفية المسح أن يمرَّ يده من أطراف أصابع الرِّجل إلى ساقه فقط ، يعني أن الذي يُمسح هو أعلى الخف فيمر يده من عند أصابع الرِّجل إلى الساق فقط ، ويكون المسح باليدين جميعاً على الرجلين جميعاً ، يعني اليد اليمنى تَمسح الرِّجل اليمنى ، واليد اليسرى تمسح الرِّجل اليسرى في نفس اللحظة ، كما تُمسح الأذنان ، لأن هذا هو ظاهر السنة لقول المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - " فمسح عليهما " ولم يقل بدأ باليمنى بل قال: " مسح عليهما " فظاهر السنة هو هذا . نعم لو فرض أن إحدى يديه لا يعمل بها فيبدأ باليمنى قبل اليسرى، وكثير من الناس يمسح بكلتا يديه على اليمنى وكلتا يديه على اليسرى ، وهذا لا أصل له فيما أعلم ، وإنما العلماء يقولون : يمسح باليد اليمنى على اليمنى ، واليد اليسرى على اليسرى . وعلى أي صفة مسح أعلى الخف فإنه يُجزيء لكن كلامنا هذا في الأفضل (11/177)
وقيل بتقديم اليمنى على اليسرى وهو مذهب أحمد ورجحه الشيخ ابن باز وابن عثيمين في الشرح الممتع حيث قال (وأما المسح على الخفين فقال بعض العلماء: يمسحهما معا ، لأنهما لما مسحا كانا كالرأس؛ ولأن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «فمسح على خفيه»ولم يذكر التيامن وقال بعض العلماء: يستحب التيامن لأن المسح فرع عن الغسل؛ ولأنهما عضوان يتميز أحدهما عن الآخر بخلاف الرأس، وإنما لم يذكر التيامن لكونه معلوما من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجبه التيامن، كما لو قال في الوضوء: ثم غسل رجليه، ولم يذكر اليمنى قبل اليسرى. وهذا هو الأقرب؛ أنك تبدأ باليمنى قبل اليسرى، والأمر في هذا واسع إن شاء الله تعالى)(1/177)
وقال الشيخ ابن باز (السنة: أن يبدأ بالرجل اليمنى قبل اليسرى- في المسح على الخفين -، كالغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم)) وقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله، وفي طهوره، وفي شأنه كله)، متفق على صحته . فإذا مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى، والرجل اليسرى باليد اليسرى، فلا بأس إذا بدأ باليمنى، وإن مسحهما جميعا باليد اليمنى أو باليسرى فلا حرج . فتاوى ابن باز (10 / 105))
وقد جاء في صفة المسح حديث جابر قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ ، ويغسل خفيه ، فقال بيده ، كأنه دفعه , إنما أمرت بالمسح , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده هكذا من أطراف الأصابع ، إلى أصل الساق ، وخطط بالأصابع. رواه ابن ماجه، كتاب الطهارة، باب في مسح أعلى الخف وأسفله، رقم (551)، والطبراني في «الأوسط» رقم (1157) من حديث جابر. وضعفه النووي.وقال ابن حجر: «إسناده ضعيف جدا». «الخلاصة» رقم (254)«التلخيص» رقم (219).وقال الألباني ضعيف جداً قال الموفق(قال ابن عقيل : سنة المسح هكذا أن يمسح خفيه بيديه اليمنى لليمنى واليسرى لليسرى وقال أحمد :كيفما فعله فهو جائز باليد الواحدة أو باليدين) المغني(1/335) قال الشيخ محمد بن قاسم (فإن بدأ من ساقه إلى أصابعه أجزأ، ولم يرد في كيفية المسح ولا الكمية حديث يعتمد عليه إلا حديث علي في بيان محل المسح، فحيث فعل المكلف ما يسمى مسحا لغة أجزأ، وقال أحمد: كيفما فعلت فهو جائز) حاشية الروض المربع(1/235)

ك – مسائل متفرقة :
1 – حكم لبس الخف على الخف
قيل يجوز وهو مذهب الحنفية والحنابلة والقديم للشافعي وقول لمالك ورجحه الموفق في المغني (هو خف سائر يمكن متابعة المشي فيه أشبه المفرد وكما لو كان الذي تحته مخرقا وقوله : الحاجة لا تدعو إليه ممنوع فإن البلاد الباردة لا يكفي فيها خف واحد غالبا ولو سلمنا ذلك ولكن الحاجة معتبرة بدليلها وهو الإقدام على اللبس لا بنفسها فهو كالخف الواحد)(1/319)
وقيل لا يجوز وهو رواية عن مالك والجديد للشافعي.

2 - أحوال المسح فيمن لبس خفاً على آخر
أ – إذا لبس خفاً على خف على طهارة غسل الرجل وقبل الحدث مسح على الخف الفوقاني قولاً واحداً في مذهب من أجاز المسح على الخف فوق الخف.
ب – إذا لبس الخف الأول ثم أحدث ثم لبس خفاً عليه وهو محدث فقول الجمهور أنه يمسح على الأسفل ولا يمسح على الفوقاني وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة
ج – إذا لبس الخف الأول ثم أحدث ومسح عليه ثم لبس خفاً عليه فمذهب الجمهور المسح على الأسفل لأنه لبس الخف الثاني على طهارة مسح وليس طهارة غسل فخالف الحديث(أدخلتهما طاهرتين) وقيل بل يجوز المسح على الخف الفوقاني بعد الطهارة بالمسح وهو قول في مذهب مالك وأصح الوجهين عن الشافعية وقال النووي وهو الأظهر ورجحه الشيخ ابن باز في التعليق على الروض المربع ( إذا لبس الخف الفوقاني بعد الطهارة جاز المسح عليه ولو كان مسح على التحتاني قبل ذلك)(1/290) وابن عثيمين في الشرح الممتع (1/257) .
قال الشيخ ابن عثيمين (إذا لبس جورباً أو خفّاً ثم لبس عليه آخر قبل أن يحدث فله مسح أيهما شاء
إذا لبس جورباً أو خفًّاً ثم أحدث ثم لبس عليه آخر قبل أن يتوضأ فالحكم للأول .
إذا لبس جورباً أو خفّاً ثم أحدث ومسحه ثم لبس عليه آخر فله مسح الثاني على القول الصحيح . قال في الفروع : ويتوجه الجواز وفاقاً لمالك . اهـ وقال النووي : إن هذا هو الأظهر لأنه لبس على طهارة ، وقولهم إنها طهارة ناقصة غير مقبول . أهـ . وإذا قلنا بذلك كان ابتداء المدة من مسح الأول .
إذا لبس خفّاً على خف أو جورب ومسح الأعلى ثم خلعه ، فهل يمسح بقية المدة على الأسفل ؟ لم أرَ من صرح به ، لكن ذكر النووي عن أبي العباس بن سريج فيهما إذا لبس الجرموق على الخف ثلاثة معان . منها : أنهما يكونان كخف واحد الأعلى ظهاره والأسفل بطانه . قلت : وبناء عليه يجوز أن يمسح على الأسفل حتى تنتهي المدة من مسحه على الأعلى ، كما لو كشطت ظهارة الخف فإنه يمسح على بطانته .
إذا خلع الخف أو الجورب بعد مسحه لم تنتقض طهارته بذلك فيصلي ما شاء حتى يُحدث على القول الصحيح . حكاه ابن المنذر عن جماعة من التابعين واختاره وحكاه ابن حزم عن طائقة من السلف . قال النووي : وهو المختار الأقوى . واختاره أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية) فتاوى ابن عثيمين (11/192)) ومدة المسح تحسب من المسح على الأسفل كما رجحه الشيخ ابن عثيمين سابقاً في فتاواه .
وقال الشيخ ابن باز (لا حرج في المسح على الفوقاني إذا كنت لبسته على طهارة وتكون المدة في المسح حينئذ متعلقة بالجورب الفوقاني؛ لكونه لبس على طهارة، كما لو لبس الخفين أو الجوربين على طهارة قد مسح فيها على جبيرة (10 / 118))

د – الحكم فيما إذا خلع الخف الأعلى وأبقى الأسفل
مذهب الحنابلة أنه يخلع الأسفل تبع له لأن المسح تعلق بالأعلى فينتقض المسح بخلعه ورجحه الموفق في المغني فقال (وإن نزعه بعد مسحه بطلت الطهارة ووجب نزع الخفين وغسل الرجلين لزوال محل المسح ونزع أحد الخفين كنزعهما لأن الرخصة تعلقت بهما فصار كانكشاف القدم )(1/319) والشيخ ابن باز في التعليق على الروض المربع .
وقيل يمسح على الأسفل وهو مذهب الحنفية والمالكية ورجحه الشيخ ابن عثيمين فقال(وإذا كان في الحال التي يمسح فيها الأعلى؛ فخلعه بعد مسحه؛ فإنه لا يمسح التحتاني، هذا هو المذهب.....
والقول الثاني: يجوز جعلا للخفين كالظهارة والبطانة، وذلك فيما لو كان هناك خف مكون من طبقتين العليا تسمى الظهارة والسفلى تسمى البطانة، فلو فرضنا في مثل هذا الخف أنه تمزق من الظهارة بعد المسح عليه، وهو الوجه الأعلى فإنه يمسح على البطانة، وهي الوجه الأسفل حتى على المذهب .
فالذين يقولون بجواز المسح على الخف الأسفل بعد خلع الخف الأعلى بعد الحدث قالوا: إنما هو بمنزلة الظهارة والبطانة، فهو بمنزلة الخف الواحد. وهذا القول أيسر للناس؛ لأن كثيرا من الناس يلبس الخفين على الجورب ويمسح عليهما، فإذا أراد النوم خلعهما، فعلى المذهب لا يمسح على الجورب بعد خلع الخفين؛ لأن زمن المسح ينتهي بخلع الممسوح. وعلى القول الثاني: يجوز له أن يمسح على الجورب، فإذا مسح ولبس خفيه جاز له أن يمسح عليه مرة ثانية؛ لأنه لبسهما على طهارة، ولا شك أن هذا أيسر للناس؛ والفتوى به حسنة)الشرح الممتع (1/258)

3 – حساب مدة المسح حال الإقامة والسفر .

المسألة الأولى : من مسح مسافراً ثم أقام فله أحوال :

الحالة الأولى : إذا كان قد انتهت مدة مسحه في السفر يخلع جواربه لأن حكمه الآن حكم المقيم وانتهت مدة المقيم . هذا إذا كان قد أنهى مدة المقيم يوم وليلة فأكثر ، فإذا رجع يكون حكمه حكم المقيم

الحالة الثانية : رجل مسافر مسح يوماً فقط بدون ليلة ، مسح 14 ساعة فعندما رجع إلى بلده يكون بقي له 10 ساعات فيمسح إتمام مسح مقيم . وهذه المسألة مسألة مسح مسافر ثم أقام أنه يتم مسح مقيم هذا هو الصحيح ، وهو قول الجمهور ( الحنفية والشافعية والحنابلة ) ، ومنهم من قال بلا خلاف .

المسألة الثانية :من مسح مقيماً ثم سافر :

هذا إنسان مقيم ثم سافر ، يريد أن يمسح . هذا له أحوال :
أ -- توضأ وهو مقيم ، ثم لبس الجورب ، ثم ابتدأ المسح في السفر . هذا يتم مسح مسافر بلا خلاف ، قال النووي ( بالإجماع ) .
ب - توضأ ولبس الجورب في الحضر ، ثم أحدث في الحضر وابتدأ المسح في السفر . يتم مسح مسافر ، وهو قول الجمهور ، وقيل : بلا خلاف . ورجحه ابن باز وابن عثيمين والزامل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ )) [ أخرجه مسلم ( رقم : 276 ) ] .
ج - توضأ ولبس الجورب في الحضر ، ثم أحدث ومسح في الحضر ، ثم سافر . الجمهور من الشافعية والحنابلة واختيار ابن حزم على أنه يتم مسح مقيم . والقول الثاني أنه يتم مسح مسافر وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد واختاره ابن عثيمين والزامل ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ)) . لذلك يكمل ما بقي عليه ، فإن كان مسح في الحضر يوماً - مثلاً - فإنه يمسح في السفر ما تبقى من مدة المسافر وهو : يومان ونصف اليوم .




4 – مبطلات المسح على الخفين .
أ - المسألة الأولى : انقضاء مدة المسح . مثاله : شخص تنقضي مدة مسحه الساعة العاشرة ضحى فإذا جاءت الساعة العاشرة - ولو كان على وضوء - فإنه يبطل وضوؤه لأنها انتهت مدة المسح . والدليل عليه كما أنه لا يجوز له أن يبتدئ المسح بعد الساعة العاشرة فإنه لا يجوز له أن تبقى طهارة بعد الساعة العاشرة ، ولا يستبيح بهذه الطهارة بعد العاشرة ما كان يستبيح قبلها وهذا مذهب أصحاب الإمام أحمد في المشهور وهو اختيار الشيخ ابن باز .
القول الثاني : إنه يجوز له أن يصلي بهذه الطهارة حتى يحدث ، مثاله : شخص تنتهي مدة مسحه الساعة العاشرة ضحىً فإذا جاءت الساعة العاشرة وهو على طهارة فإنه يصلي بهذه الطهارة حتى يحدث ، مهما صلى بعد هذا الوقت من الفرائض والنوافل . وهذا القول هو الأرجح والأظهر . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( يَمسْحُ الْمُقِيمُ )) . ، (( يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ )) [ أخرجه مسلم ( رقم : 276 ) ] . وهذا الشخص لم يمسح في الحقيقة ، إنما هو مستمر على طهارة شرعية صحيحة ، لكنا نقول له : لا يجوز لك أن تمسح بعد العاشرة لكنه مسح قبل العاشرة ، واستمر بهذه الطهارة الشرعية ، فبأي دليل نُبْطِلُ وضوءه ؟! ، ثم أيضاً نواقض الوضوء معروفة وليس انتهاء المدة من نواقض الوضوء ؛ لأنه ليس عليها دليل بَيِّنٌ ، {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } [ التوبة: 115 ] وهذا القول هو اختيار ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين في الشرح الممتع والألباني في تمام النصح في أحكام المسح والزامل .
القول الثالث : أنه يكفيه غسل رجليه فقط وهو مذهب الحنفية والراجح عند الشافعية



ب – المسألة الثانية : خلع الخف : مثاله : شخص مسح ، ثم خلع قبل انتهاء مدة المسح .
القول الأول : إنها تبطل طهارته . وهذا القول هو المشهور عند الحنابلة وقول للشافعية واختاره ابن باز .
القول الثاني : إنه يجزئه أن يغسل الرجلين ولا تشترط الموالاة ، وهو مذهب المالكية والحنفية والقول الجديد للشافعية ورواية عن أحمد .
القول الثالث : إن طهارته صحيحة . وهذا ذكره ابن المنذر وصاحب المغني عن الحسن البصري وقتادة بن دعامة السدوسي ، وسليمان بن حرب الأزدي ، وقال النووي : إنه المختار الأقوى . واختاره ابن المنذر ، واختاره شيخ الإسلام - على ما ذكره البعلي في الاختيارات - مع أن ظاهر كلامه في الفتاوى يُوحي بخلاف هذا ، لكن يمكن هذا اختياره الأخير وهو اختيار ابن حزم والشيخ ابن عثيمين والألباني.

ج – المسألة الثالثة : ظهور بعض محل الفرض ولو لم يخلع الخف . وفيه خلاف :

1– إن خرج أكثر عقبه بطل مسحه وهو مذهب أبي حنيفة.
2 – إن خرج أكثر القدم لساق الخف انتقض وإلا فلا وهو مذهب المالكية .
3 - تبطل طهارته وهو مذهب الحنابلة والشافعية
4 – طهارته صحيحة ولا تبطل بظهور بعض القدم وهو اختيار ابن حزم وشيخ الإسلام وابن عثيمين والزامل
قال شيخ الإسلام (مذهب مالك وأبي حنيفة وابن المبارك وغيرهم : أنه يجوز المسح على ما فيه خرق يسير مع اختلافهم في حد ذلك واختار هذا بعض أصحاب أحمد . ومذهب الشافعي وأحمد وغيرهما : أنه لا يجوز المسح إلا على ما يستر جميع محل الغسل والقول الأول أصح)(21/172)


د – وجود الحدث الأكبر
قال الموفق (جواز المسح مختص بالحدث الأصغر ولا يجزئ المسح في جنابة ولا غسل واجب ولا مستحب لا نعلم في هذا خلافاً وقد روى صفوان بن عسال المرادي قال : (كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يامرنا إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم ) رواه الترمذي وقال : حديث صحيح )(1/319)

ب – ثانياً : الأحكام المتعلقة بالصلاة .

ا – الأذان في المطر والليلة الشديدة البرد
عن ابن عمر - رضي الله عنه - :«أنه نادى للصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر ، وقال في آخر ندائه : ألا صلوا في رحالكم ، ألا صلوا في الرحال ، ثم قال : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة بارد أو ذات مطر في السفر أن يقول : ألا صلوا في رحالكم».
وفي رواية أذن ابن عمر في ليلة بارد ، ونحن بضجنان بين مكة والمدينة ، ثم قال : «ألا صلوا في رحالكم ، وأخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر مؤذنا يؤذن ، ثم يقول على إثره : ألا صلوا في الرحال ، في الليلة الباردة ، أو المطيرة في السفر». ،
ولأبي داود أيضا : «أن ابن عمر نزل بضجنان في ليلة باردة ، فأمر المنادي ، فنادى : إن الصلاة في الرحال» وحدث نافع عن ابن عمر : «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة ، أمر المنادي فنادى : إن الصلاة في الرحال» وله في أخرى : قال : «نادى منادي النبي -صلى الله عليه وسلم بذلك في المدينة في الليلة المطيرة ، والغدة القرة».
وفي رواية النسائى : «أن ابن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ، فقال: ألا صلوا في الرحال ، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: ألا صلوا في الرحال».أخرجه مالك الموطأ (68) وأحمد(5302) والبخاري (666) ومسلم (697) وأبو داود (1057)والنسائي في الكبرى (1534)
وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: «إذا قلتَ: أشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم. فكأن الناس استنكروا! قال: فعَله خير مني» رواه البخاري (616) ومسلم(699)
وعن أسامة بن عُمير قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصابنا مطر لم يَبُلَّ أسافل نِعالنا، فنادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن: «صلوا في رحالكم»رواه أحمد (20981) وابن ماجه(936)وابن خزيمة(1657) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم
ورى ابن حبان في «صحيحه» عن ابن عمر أنه وجد ذات ليلة برداً شديداً فآذن مَن معه، فصلوا في رحالهم، وقال: إني رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان مثلُ هذا: أَمرَ الناس أن يُصلوا في رحالهم.(2076) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرطهما
جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - : قال : «خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فمطرنا ، فقال : ليصل من شاء منكم في رحله». أخرجه أحمد (3/312) ومسلم (2/147) وأبو داود (1065) والترمذي (409)وابن خزيمة (1659)
وفي هذه الأحاديث فوائد:
الأولى : موضع قول (الصلاة في الرحال )( صلوا في رحالكم – بيوتكم-) على أقوال :
1 – قيل تقال أثناء الأذان بدلاً من الحيعلة وهو وجه للشافعية وظاهر مذهب الحنابلة.
2 – تقال بعد الحيعلة فيجمع بينها وبين الحيعلة وهو وجه للشافعية
3 – تقال بعد الفراغ من الأذان وهو مذهب الحنفية والمالكية ووجه للشافعية
4 – الأمر فيه واسع سواء قالها أثناء الأذان أو بعد الفراغ منه والأولى بعد الفراغ وهو مذهب الشافعية وهو ظاهر النصوص والأقرب للسنة فقد ورد قولها أثناء الأذان وبعد الفراغ منه .
الثانية : الرخصة في التخلف عن صلاة الجمعة والجماعة لعذر المطر .
قال ابن رجب (وأكثر أهل العلم عَلَى أن المطر والطين عذر يباح مَعَهُ التخلف عَن حضور الجمعة والجماعات ، ليلاً ونهاراً .
قَالَ الترمذي : قَدْ رخص أهل العلم فِي القعود عَن الجماعة والجمعة فِي المطر والطين . وسمى منهم : أحمد وإسحاق وحكاه بعض أصحابنا عَن جمهور العلماء .وحكي عَن مَالِك : أن المطر ليس بعذر فِي ترك الجمعة خاصة .وروي نحوه عَن نَافِع مَوْلَى ابن عُمَر .
وَقَالَ سُفْيَان الثوري : لا يرخص لأحد فِي ترك الجمعة إذا كَانَ فِي مصر يجمع فِي ، إلا لمرض مضن ، أو خوف مقطع .
وحكي عَن أحمد رِوَايَة أخرى : أن المطر والوحل ليس بعذر فِي الحضر ، إنما هُوَ عذر فِي السفر ؛ لأن الأحاديث الصحيحة إنما جاءت بذلك فِي السفر ، كحديث ابن عُمَر ، وفي ( ( صحيح مُسْلِم ) ) من حَدِيْث جابر - نحوه ، وليس فِي الحضر إلا حَدِيْث ابن إِسْحَاق المتقدم ، وحديث يروى عَن نعيم النحام وفي إسناده مقال .
ومقتضى هَذَا القول : أن الجمعة لا يباح تركها بذلك ؛ لأنها لا تكون إلافي الحضر ، ولكن قَدْ روي عَن جماعة من الصَّحَابَة أَنَّهُ يعذر فِي ترك الجمعة بالمطر والطين . منهم : ابن عَبَّاس وعبد الرحمن بْن سمرة وأسامة بن عمير والد أَبِي المليح ، ولا يعرف عَن صحابي خلافهم ، وقولهم أحق أن يتبع .) شرح صحيح البخاري (4/93)
قال البغوي (وقد رخص جماعة من أهل العلم في القعود عن الجماعة في المطر والطين وكل عذر جاز به ترك الجماعة جاز به ترك الجمعة) شرح السنة (3/353)
قال الشيخ ابن باز في التعليق على منتقى الأخبار (هذه الأحاديث فيها الدلالة في العذر في الدحض والمطر حتى في الحضر فإذا كان مطر ومشقة فلا بأس أن يصلي في رحله ولا يحضر المسجد ولهذا لما وقع لابن عباس في الطائف يوم الجمعة مطر شديد قال لمؤذنه (إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول اللَّه فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم) وفي اللفظ الآخر قال لمؤذنه لما فرغ من الأذان وفي بعضها لما فرغ من الحيعلة وكله جائز والأفضل أن يكمل الأذان ثم يقول ( صلوا في رحالكم ) أو الصلاة في البيوت لأن الجماعة والجمعة عزمة فيبلغهم حتى لا يتكلفوا وكذلك قال صلى الله عليه وسلم كذلك في الليلة الباردة أو المطيرة قال للناس ( صلوا في رحالكم ) فيرفق بهم إذا كان الهواء والبرد شديد فصلاتهم في رحالهم أرفق بهم وهذا كله من سماحة الشريعة والتيسير على العباد فالله عز وجل يريد لعباده اليسر )
الثالثة : أن الصلاة في البيوت حين العذر على التخيير وليست على الوجوب، لذلك بوب البخاري في «صحيحه» كتاب الأذان : (باب الرخصة في المطر والعلة أن يُصلي في رَحْلِه ). قال ابن خزيمة في صحيحه (باب ذكر الخبر المتقصي للفظة المختصرة التي ذكرتها من أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالصلاة في الرحال و الدليل على أن أمر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك أمر إباحة لا أمر عزم يكون متعديه عاصيا إن شهد الصلاة جماعة في المطر ) ثم ذكر حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - : قال : «خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فمطرنا ، فقال : ليصل من شاء منكم في رحله». أخرجه أحمد ومسلم

ب – الجمع بين الصلاتين:وفيه مسائل:
1 – أولا: معنى الجمع وصفته: الجمع هو: ضم إحدى الصلاتين للأخرى. وهذا التعريف يشمل جمع التقديم والتأخير، والمراد بضم إحدى الصلاتين ما يصح فيه الجمع بينهما. فلا يدخل في هذا ضم صلاة العصر مع المغرب وذلك لأن صلاة المغرب ليلية وصلاة العصر نهارية ولا يدخل في هذا الضم صلاة العشاء بصلاة الفجر وذلك لأن وقتها منفصل بعضه عن بعض.
أما صفته: إذا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر مثلا أو المغرب والعشاء فهنا أمامه أمران: إما أن يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيصليهما جميعا يعني يصلي الظهر ثم العصر أو يقدمهما يصلي الظهر في وقتها فإذا انتهى منها قام فصلى العصر، وكذا بالنسبة للمغرب والعشاء فهو مخير بين جمع التقديم أو التأخير.
2 - مشروعية الجمع بين الصلاتين:أخرج مسلم في صحيحه، عن ابن عباس أنه قال: (صلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا مطر ).
وأخرج مسلم في صحيحه -أيضاً-، عن عبدالله بن شقيق، قال خطبنا ابن عباس بالبصرة يوماً بعد العصر حتى غرَبت الشمس، وبدت النجوم، وجعلَ الناسُ يقولون: الصلاة! الصلاة! قال فجاءه رجل من بني تميم لا يَفتُر ولا يَنثني: الصلاة! الصلاة! فقال ابن عباس: أتعلمُني السنة، لا أم لك!? ثم قال: رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ).
قال عبدالله بن شَقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء! فأتيت أبا هريرة، فسألته، فصدق مقالته.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: (فقول ابن عباس: جمع من غير كذا ولا كذا، ليس نفياً منه للجمع بتلك الأسباب، بل إثباتٌ منه، لأنه جمع بدونها، وإن كان قد جمع بها أيضاً، ولو لم يُنقل أنه جمع بها فجمعُه بما هو دُونَها دليلٌ على الجمع بها بطريق الأولى، فيدل على الجمع للخوف والمطر، وقد جمع بعرفة ومزدَلِفة من غير خوف ولا مطر ). وقال: (وبهذا استدل أحمد به على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى، فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى، وهذا من باب التنبيه بالفعل، فإنه إذا جَمَع ليرفع الحرجَ الحاصلَ بدون الخوف والمطر والسفر، فالحرجُ الحاصلُ بهذه أولى أن يُرفع، والجمع لها أولى من الجمع لغيرها ).
وقال ابن حجر في فتح الباري، والنووي في شرح مسلم: (وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي، وعن أبي إسحاق المروزي، عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة مُعلقاً على حديثِ عبدِاللهِ بن شقيق عن ابن عباس: (فهذا ابن عباس لم يكن في سفر ولا في مطر، وقد استدل بما رواه على فعله، فعُلم أن الجمع الذي رواه لم يكن في مطر، ولكن؛ كان ابن عباس في أمر مهم من أمور المسلمين؛ يخطبُهم فيما يحتاجون إلى معرفته، ورأى: أنه إنْ قطعه ونَزل فاتت مصلحتُه، فكان ذلك عِندَه من الحاجات التي يجوز فيها الجمع، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بالمدينه لغير خوف ولا مطر، بل للحاجة تَعرِضُ له؛ كما قال: (أراد أن لا يُحرج أُمّته ). إلخ. وقال أيضا –رحمه الله-: (وإنما شُرع الجمعُ لئلا يُحْرَجَ المسلمون ).

3 – حكم الجمع في الحضر للمطر وغيره

& الجمع للمطر : قال جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة بجواز جمع المغرب والعشاء في المطر ، وأما جمع الظهر والعصر في المطر فالأكثر على عدم جوازه وأجازه الشافعي إذا كان المطر نازلاً ، وبه قال أبو ثور ، وهو رواية عن أحمد ورجحه الشيخ ابن باز وابن عثيمين .
قال البغوي (اختلف الناس في جواز الجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء للممطور في الحضر ، فأجازه قوم ، روي ذلك عن ابن عمر ، وفعله عروة ، وابن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وعامة فقهاء المدينة ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد ، غير أن الشافعي شرط أن يكون المطر قائما وقت افتتاح الصلاة الأولى ، وحالة الفراغ منها إلى أن يفتتح الثانية ، وكذلك أبو ثور ولم يشترط ذلك غيرهما ، وشرط أن يكون في مسجد الجماعة ، وكان مالك يرى أن يجمع الممطور في الطين ، وفي حال الظلمة ، وهو قول عمر بن عبد العزيز. ولم يجوز قوم الجمع بعذر المطر ، وهو قول الأوزاعي ، وأصحاب الرأي ) شرح السنة (4/198)
وقال ابن رجب في شرح البخاري (فأما الجمع بين العشاءين للمطر ، فقد روي عن ابن عمر .روى مالك ، عن نافع ، أن ابن عمر كان يجمع في الليلة المطيرة .وقد رويناه من طريق سفيان بن بشير ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر - مرفوعاً - ، ولا يصح رفعه .
وفيه حديث آخر مرفوع من رواية أولاد سعد القرظ ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن سعد القرظ ، أن النبي ( كان يجمع بين المغرب والعشاء في المطر . خرجه الطبراني .وإسناده ضعيف .قال يحيى في أولاد سعد القرظ : كلهم ليسوا بشيء .وممن رأى الجمع للمطر : مالك في المشهور عنه ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .وروي عن عمر بن عبد العزيز ، عن فقهاء المدينة السبعة .
وعن مالك رواية : لا يجوز الجمع للمطر إلا في المدينة في مسجد النبي لفضله ، ولأنه ينتاب من بعد ، فيجمع بينهما بعد مغيب الشفق ، وليس بالمدينة غيره .والمشهور عنه الأول .وأصل هذا : أن الأمراء بالمدينة كانوا يجمعون في الليلة المطيرة ، فيؤخرون المغرب ويجمعون بينها وبين العشاء قبل مغيب الشفق ، وكان ابن عمر يجمع معهم ، وقد علم شدة متابعة ابن عمر للسنة ، فلو كان ذلك محدثا لم يوافقهم عليه البتة .وقد نص على ان جمع المطر يكون على هذا الوجه المذكور قبل مغيب الشفق : مالك وأحمد وإسحاق .وقيل لأحمد : فيجمع بينهما بعد مغيب الشفق ؟ قال : لا ، إلا قبل ، كما فعل ابن عمر . وقال : يجمع إذا اختلط الظلام .وأما الجمع بين الظهر والعصر في المطر ، فالأكثرون على أنه غير جائز : وقال أحمد : ما سمعت فيه شيئاً . وأجازه الشافعي إذا كان المطر نازلاً ، وبه قال أبو ثور ، وهو رواية عن أحمد . والعجب من مالك - رحمه الله - كيف حمل حديث ابن عباس على الجمع للمطر ، ولم يقل به في الظهر والعصر ، والحديث صريح في جمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء) فتح الباري شرح صحيح البخاري (3/90)
وقال الشيخ ابن باز (إذا وجد العذر جاز أن يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء لعذر وهو المريض، والمسافر، وهكذا في المطر الشديد في أصح قولي العلماء، يجمع بين الظهر والعصر كالمغرب والعشاء، وبعض أهل العلم يمنع الجمع بين الظهر والعصر في البلد للمطر ونحوه كالدحض الذي تحصل به المشقة، والصواب جواز ذلك كالجمع بين المغرب والعشاء إذا كان المطر أو الدحض شديدا يحصل به المشقة، فإذا جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم فلا بأس، كالمغرب والعشاء، سواء جمع في أول الوقت أو في وسط الوقت، المهم إذا كان هناك ما يشق عليهم وهو المطر الشديد بأن كانوا في المسجد ، أو في الأسواق ويشق عليهم المشي فيها لما فيها من الطين والماء جمعوا ولا بأس، وإن لم يجمعوا فلهم العذر يصلون في بيوتهم، بوجود الأمطار في الأسواق ووجود الطين . (12 / 292))
وقال الشيخ ابن عثيمين (القول الصحيح في هذه المسألة: أنه يجوز الجمع بين الظهرين لهذه الأعذار، كما يجوز الجمع بين العشائين، والعلة هي المشقة، فإذا وجدت المشقة في ليل أو نهار جاز الجمع.
فأسباب الجمع هي: السفر، والمرض، والمطر، والوحل، والريح الشديدة الباردة، ولكن لا تنحصر في هذه الأسباب الخمسة، بل هذه الخمسة التي ذكرها المؤلف كالتمثيل لقاعدة عامة وهي: المشقة، ولهذا يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين، وبين العشائين لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة، ويجوز الجمع أيضا للإنسان إذا كان في سفر وكان الماء بعيدا عنه، ويشق عليه أن يذهب إلى الماء ليتوضأ لكل صلاة، حتى وإن قلنا بعدم جواز الجمع في السفر للنازل، وذلك لمشقة الوضوء عليه لكل صلاة. )(4/393)
& المطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه وأما الطل والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب فلا يبيح والثلج كالمطر في ذلك لأنه في معناه وكذلك البرد.المغني (2/117) وقال الشيخ ابن عثيمين (إذا كان هناك مطر يبل الثياب لكثرته وغزارته، فإنه يجوز الجمع بين العشائين، فإن كان مطرا قليلا لا يبل الثياب فإن الجمع لا يجوز، لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة، بخلاف الذي يبل الثياب، ولا سيما إذا كان في أيام الشتاء، فإنه يلحقه مشقة من جهة البلل، ومشقة أخرى من جهة البرد، ولا سيما إن انضم إلى ذلك ريح فإنها تزداد المشقة. فإن قيل: ما ضابط البلل؟ فالجواب: هو الذي إذا عصر الثوب تقاطر منه الماء)الشرح الممتع(4/391)

& الجمع للدحض والطين والريح الشديدة الباردة :

& الجمع للوحل والدحض والطين:مذهب أحمد ومالك جواز الجمع بسببه ، وقال الشافعي وأبو ثور بعدم جواز الجمع به لأن مشقته دون مشقة المطر فإن المطر يبل النعال والثياب والوحل لا يبلها فلم يصح قياسه عليه.قال الموفق( والأول أصح لأن الوحل يلوث الثياب والنعال ويتعرض الإنسان للزلق فيتأذى نفسه وثيابه وذلك أعظم من البلل )
& الجمع حال الريح الشديدة : فيها وجهان أحدهما يبيح الجمع قال الآمدي وهو أصح وهو قول عمر بن عبد العزيز لأن ذلك عذر في الجمعة والجماعة بدليل ما روى محمد بن الصباح حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال :(كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الليلة الباردة ذات الريح صلوا في رحالكم ) رواه ابن ماجة عن محمد بن الصباح والثاني لا يبيحه لأن المشقة فيه دون المشقة في المطر فلا يصح قياسه عليه ولأن مشقتها من غير جنس مشقة المطر ولا ضابط لذلك يجتمعان فيه فلم يصح إلحاقه به).المغني(2/117)
قال شيخ الإسلام (يجوز الجمع بين العشاءين للمطر والريح الشديدة الباردة والوحل الشديد ، وهذا أصح قولي العلماء وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وغيرهما والله أعلم )الفتاوى(24/29)
وقد رجح الشيخان ابن باز وابن عثيمين الجمع في الوحل والدحض والريح الشديدة الباردة.

& شروط صحة جمع التقديم :
1 – نية الجمع عند الإحرام بالصلاة الأولى
وهو قول أحمد والشافعي ،واستدلوا بحديث (إنما الأعمال بالنيات)ونوقش بأنه دليل على اشتراط نية الصلاة عند الإحرام بها لا نية الجمع.
وقال الجمهور من الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام والمزني من الشافعيه لا تشترط النية عند ابتداء الجمع.ودليلهم بأنه لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم عند جمعه أمر الصحابة بالنية ولو كانت شرطاً لأمره به قبل بدء الصلاة .
قال شيخ الإسلام (والإمام أحمد لم ينقل عنه فيما أعلم أنه اشترط النية في جمع ولا قصر ؛ ولكن ذكره طائفة من أصحابه كالخرقي والقاضي . وأما أبو بكر عبد العزيز وغيره فقالوا : إنما يوافق مطلق نصوصه . وقالوا لا يشترط للجمع ولا للقصر نية وهو قول الجمهور من العلماء : كمالك وأبي حنيفة وغيرهما ؛ بل قد نص أحمد على أن المسافر له أن يصلي العشاء قبل مغيب الشفق وعلل ذلك بأنه يجوز له الجمع كما نقله عنه أبو طالب والمروذي وذكر ذلك القاضي في " الجامع الكبير " فعلم أنه لا يشترط في الجمع نية)الفتاوى(24/50) ورجحه الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (4/397)

2 – الموالاة والمقارنة بين الصلاتين فلا يفصل بينهما بفاصل طويل .
وهو مذهب الحنابلة والشافعية واستدلوا بأنه صلى الله عليه وسلم جمع متوالياً وخالفهم الجمهور فقالوا بعدم اشتراطه قال شيخ الإسلام ناقلاً الخلاف (تشترط الموالاة في الموضعين كما يشترط الترتيب وهذا وجه في مذهب الشافعي وأحمد ومعنى ذلك أنه إذا صلى الأولى وأخر الثانية أثم وإن كانت وقعت صحيحة ؛ لأنه لم يكن له إذا أخر الأولى إلا أن يصلي الثانية معها فإذا لم يفعل ذلك كان بمنزلة
أخرها إلى وقت الضرورة ويكون قد صلاها في وقتها مع الإثم . والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال لا في وقت الأولى ولا في وقت الثانية ؛ فإنه ليس لذلك حد في الشرع ولأن مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة وهو شبيه بقول من حمل الجمع على الجمع بالفعل وهو أن يسلم من الأولى في آخر وقتها ويحرم بالثانية في أول وقتها كما تأول جمعه على ذلك طائفة من العلماء أصحاب أبي حنيفة وغيرهم ومراعاة هذا من أصعب الأشياء وأشقها... والسنة جاءت بأوسع من هذا وهذا ولم تكلف الناس لا هذا ولا هذا والجمع جائز في الوقت المشترك فتارة يجمع في أول الوقت كما جمع بعرفة . وتارة يجمع في وقت الثانية كما جمع بمزدلفة وفي بعض أسفاره . وتارة يجمع فيما بينهما في وسط الوقتين وقد يقعان معا في آخر وقت الأولى وقد يقعان معا في أول وقت الثانية وقد تقع هذه في هذا وهذه في هذا ؛ وكل هذا جائز ؛ لأن أصل هذه المسألة أن الوقت عند الحاجة مشترك والتقديم والتوسط بحسب الحاجة والمصلحة ففي عرفة ونحوها يكون التقديم هو السنة . )الفتاوى (24/53- 56 )
قال الشيخ ابن عثيمين (وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله نصوصا عن الإمام أحمد تدل على ما ذهب إليه من أنه لا تشترط الموالاة في الجمع بين الصلاتين تقديما كما أن الموالاة لا تشترط بالجمع بينهما تأخيرا كما سيأتي، والأحوط أن لا يجمع إذا لم يوال بينهما، ولكن رأي شيخ الإسلام له قوة. )الشرح الممتع (4/400)
3 – أن يكون العذر المبيح للجمع موجوداً عند افتتاح الثانية
قال في الإنصاف ( لا أعلم فيه خلافاً)
قال الشيخ ابن عثيمين (لا يشترط وجود العذر عند افتتاح الأولى، فلو لم ينزل المطر مثلا إلا في أثناء الصلاة فإنه يصح الجمع على الصحيح، بل لو لم ينزل إلا بعد تمام الصلاة الأولى أي: كانت السماء مغيمة ولم ينزل المطر، وبعد أن انتهت الصلاة الأولى نزل المطر، فالصحيح أن الجمع جائز بناء على هذا القول... ووجه اشتراط كون العذر موجودا عند افتتاح الثانية: أن افتتاح الثانية هو محل الجمع، أي: الذي حصل به الجمع.
وهذا صحيح، أي: يشترط أن يكون العذر موجودا عند افتتاح الثانية. وهل يشترط أن يكون موجودا إلى انتهاء الثانية؟ الجواب: لا.
فلو فرض أن الجمع كان لمطر، وأن المطر استمر إلى أن صلوا ركعتين من العشاء ثم توقف، ولم يكن هناك وحل؛ لأن الأسواق مفروشة بالزفت، فلا يبطل الجمع؛ لأنه لا يشترط استمرار العذر إلى الفراغ من الثانية، ومثل ذلك: لو أن الإنسان جمع لمرض وفي أثناء الصلاة الثانية ارتفع عنه المرض، فإن الجمع لا يبطل؛ لأنه لا يشترط استمرار العذر إلى الفراغ من الثانية ) الشرح الممتع(4/401)

& شروط صحة جمع التأخير :
1 – نية الجمع وقد سبق أنه لا يشترط .
2 – استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية أي: يشترط لصحة الجمع أن يستمر العذر إلى دخول الثانية فإن لم يستمر فالجمع حرام.وهو الصحيح .
& قال الموفق (وإن أتم الصلاتين في وقت الأولى ثم زال العذر بعد فراغه منهما قبل دخول وقت الثانية أجزأته ولم تلزمه الثانية في وقتها لأن الصلاة وقعت صحيحة مجزية عن ما في ذمته وبرئت ذمته منها فلم تشتغل الذمة بها بعد ذلك ولأنه أدى فرضه حال العذر فلم يبطل بزواله بعدذلك كالمتيمم إذا وجد الماء بعد فراغه من الصلاة)المغني(2/124)
& قال الموفق (وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة الثانية منهما ويوتر قبل دخول وقت الثانية لأن سنتها تابعة لها فيتبعها في فعلها ووقتها والوتر وقته ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح وقد صلى العشاء فدخل وقته) المغني(2/124)

ج – صلاة الاستسقاء
1 – تعريف الاستسقاء لغة: طلبُ السقيا.
وشرعاً: طلب المطر عند طول انقطاعه من الله عز وجل.
2 – حكمها : قال الإمام ابن عبد البر "أجمع العلماء على أن الخروج إلى الاستسقاء والبروز والاجتماع إلى الله عز وجل خارج المصر بالدعاء والضراعة إليه تبارك اسمه في نزول الغيث عند احتباس ماء السماء وتمادي القحط سنة مسنونة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك" التمهيد(17/172)

3 - هل يشترط لصلاة الاستسقاء إذن الإمام؟
اختُلِفَ في ذلك فقال في زاد المستقنع: "وليس من شرطها إذن الإمام" وقال ابن قدامة (على روايتين: إحداهما لا يستحب إلا بخروج الإمام، وعنه أنهم يصلون لأنفسهم ويخطب بهم أحدهم، فعلى هذه الرواية يكون الاستسقاء مشروعًا في حق كل أحد: مقيم، ومسافر، وأهل القرى، والأعراب؛ لأنها صلاة نافلة". المغني ( 3/346) وقال الشيخ ابن باز" إذا كان أهل بلد لا يأمرهم واليها بإقامة صلاة العيد أو صلاة الاستسقاء، فإنه يشرع لهم أن يصلوا صلاة العيد وصلاة الاستسقاء في الصحراء إذا تيسر ذلك، وإلا ففي المساجد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع ذلك لأمته "(13 / 85) وقال ابن عثيمين: "لكن حسب العرف عندنا لا تقام صلاة الاستسقاء إلا بالإمام" الشرح الممتع (5/291)

4 – أنواع وصور الاستسقاء
أ - الاستسقاء بصلاة جماعة أو فرادى، وهو أكملها، وصلاته صلّى الله عليه وسلّم مستفيضة في الصحاح وغيرها، واتفق فقهاء الأمصار على هذا النوع قال الموفق"صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ثابتة بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلفائه رضي الله عنهم"المغني (2/283)
وقال ابن عبد البر" اختلفوا في الصلاة في الاستسقاء فقال أبو حنيفة ليس في الاستسقاء صلاة ولكن يخرج الإمام ويدعو وروي عن طائفة من التابعين مثل ذلك وحجتهم حديث مالك وما كان مثله في هذا الباب وقال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد وسائر فقهاء الأمصار صلاة الاستسقاء سنة ركعتان يجهر فيهما بالقراءة"التمهيد(17/172)
ودليله حديث عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد (أن النبي خرج إلى المصلى فاستسقى فاستقبل القبلة وحول رداءه وصلى ركعتين) رواه البخاري (1012) ومسلم
وفي رواية أبي داود : «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج بالناس يستسقي ، فصلى بهم ركعتين، جهر بالقراءة فيهما ، وحول رداءه ، فدعا واستسقى واستقبل القبلة».
وله في أخرى قال : «خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما يستسقي ، فحول إلى الناس ظهره يدعو الله - قال سليمان : واستقبل القبلة وحول رداءه ، ثم صلى ركعتين ، قال ابن أبي ذئب: وقرأ فيهما -زاد ابن السرح : يريد الجهر. وفي أخرى بهذا الحديث - ولم يذكر الصلاة - قال : وحول رداءه ، وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ، ثم دعا الله».

ب – الاستسقاء بغير صلاة في صلاة الجمعة .
لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أصابت الناس سَنَة على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فبينما النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب في يوم جمعة فقام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا" وفي لفظ للبخاري: "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا"، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة ولا شيئًا، وما بيننا وبين سَلْع من بيتٍ ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس سبتًا ) رواه البخاري، (933) ومسلم( 897)
ج – الاستسقاء بغير صلاة عقب الصلوات والخلوات
أخرج ابن أبي شيبة عن أسلم العجلي قال"خرج الناس يستسقون فخرج معهم إبراهيم فلما فرغوا قاموا يصلون فرجع إبراهيم ولم يصل معهم" وإسناده صحيح. وأبو حنيفة تبع إبراهيم في رأيه محتجاً بحديث أنس رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كانوا إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإننا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، ثم قال: قم يا عباس فادع الله فقام فدعا فسقاهم الله»رواه البخاري (1010)
قال شيخ الإسلام " وكذلك " الاستسقاء " يجوزون – أهل السنة-

_________________

قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oldcoins.yoo7.com/
عرباوي
المدير العام
المدير العام
عرباوي


ذكر عدد الرسائل : 22559
تاريخ الميلاد : 06/02/1980
العمر : 44
نقاط : 58150
تاريخ التسجيل : 21/09/2008

حديث الشتاء  فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حديث الشتاء فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات    حديث الشتاء  فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات  Emptyالخميس 19 يناير 2012, 9:58 pm

قال شيخ الإسلام " وكذلك " الاستسقاء " يجوزون – أهل السنة- الخروج إلى الصحراء لصلاة الاستسقاء والدعاء كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجوزون الخروج والدعاء بلا صلاة . كما فعله عمر رضي الله عنه بمحضر من الصحابة . ويجوزون الاستسقاء بالدعاء تبعاً للصلوات الراتبة كخطبة الجمعة ونحوها كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم "الفتاوى (24/32)
قال الموفق"قال القاضي: الاستسقاء ثلاثة أضرب أكملها الخروج والصلاة على ما وصفنا ويليه استسقاء الإمام يوم الجمعة على المنبر
والثالث:أن يدعوا الله تعالى عقيب صلواتهم وفي خلواتهم"المغني(2/295)
5 – صفة صلاة الاستسقاء
أ – صلاة الاستسقاء ركعتين
قال الموفق" لا نعلم بين القائلين بصلاة الاستسقاء خلافا في أنها ركعتان "المغني(2/284)
ب – يجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء
قال ابن عبد البر"قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد وسائر فقهاء الأمصار صلاة الاستسقاء سنة ركعتان يجهر فيهما بالقراءة"التمهيد(17/172)

ج – صلاة الاستسقاء كصلاة العيد

لحديث عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد (أن النبي خرج إلى المصلى فاستسقى فاستقبل القبلة وحول رداءه وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة ) رواه البخاري (1012- 1024) ومسلم
وحديث عبد الله بن يزيد الخطمي " خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين، وجهر بالقراءة فيها، وحول رداءه، ودعا، واستقبل القبلة"رواه أحمد (16437- 16466) وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين" وأبي داود (1161) وصححه الألباني
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: " خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متبذِّلاً، متواضعًا، متضرعًا، متخشعًا، مترسِّلاً، حتى أتى المصلى ولم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء، والتضرع، والتكبير، ثم صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد" أبو داود، (1165) والترمذي( 558) والنسائي (1505، 1507) وابن ماجه( 1281)
وقد اختلف العلماء هل تصلى كالعيد على قولين: القول الأول أنه يكبر فيهما كتكبير العيد سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية وهو قول سعيد بن المسيب و عمر بن عبد العزيز و أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم و داود و الشافعي ورواية عن أحمد وقول ابن خزيمة والطبري والنسائي وابن حبان. ورجحه الشيخ ابن باز في شرح البخاري وابن عثيمين في الشرح الممتع.
وقال أبو حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور لا يكبر في صلاة الاستسقاء إلا كما يكبر في سائر الصلوات تكبيرة واحدة للافتتاح. الأوسط لابن المنذر(4/321) والتمهيد(17/172) المغني(2/284)

6 – الخطبة في صلاة الاستسقاء
اختلف العلماء على موضع الخطبة في صلاة الاستسقاء بناء على اختلاف الروايات والأحاديث على قولين :
أ – القول الأول : الخطبة قبل الصلاة كالجمعة .
وهو مروي عن عمر وابن الزبير و أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وذهب إليه الليث بن سعد وابن المنذر والرواية الثانية عن أحمد .
كما جاء في حديث عبد الله بن زيد "أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى المصلى فاستسقى فاستقبل القبلة وحول رداءه وصلى ركعتين" وفي رواية: "خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة" متفق عليه: البخاري( 1012- 1024) ومسلم( 894 )
وفي حديث عائشة - رضي الله عنها -: "فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل..". وفي آخره: ".. ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين.." رواه أبو داود( 1137)وقال "هذا حديث غريب إسناده جيد"

ب – القول الثاني : الخطبة بعد الصلاة كالعيد .
وهو مالك والشافعي وأحمد ومحمد بن الحسن : قال ابن عبد البر : وعليه جماعة الفقهاء قال الموفق(وهو الصحيح)المغني(2/286)
جاء في حديث أبي هريرة "خرج نبي الله صلّى الله عليه وسلّم يومًا يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا، ودعا الله عز وجل، وحوَّل وجهه نحو القبلة رافعًا يديه، ثم قلب رداءه، فجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن"أحمد(8327) وابن ماجه (1268)والحديث ضعفه ابن عبد البر والدارقطني وابن خزيمة
واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: " ... ثم صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد" أبو داود، (1165) والترمذي( 558) والنسائي (1505، 1507) وابن ماجه( 1281)
ولا دلالة فيه لأن كلام ابن عباس عن صفة صلاة الاستسقاء كصلاة العيد وأما متى يصليها قبل الخطبة أم بعدها فقد بينه في أول حديثه بقوله " خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متبذِّلاً، متواضعًا، متضرعًا، متخشعًا، مترسِّلاً، حتى أتى المصلى ولم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء، والتضرع، والتكبير، ثم صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد" أبو داود، (1165) والترمذي( 558) والنسائي (1505، 1507) وابن ماجه( 1281)
فهو واضح أن الخطبة والدعاء قبل الصلاة.
ومن الأدلة على على تقديم الصلاة على الخطبة قياسها على العيد وهو قياس ضعيف لأن تقديم الصلاة على الخطبة في الاستسقاء وردت فيه أحاديث صحيحة صريحة لا تخالف القياس .ولم يثبت عن الصحابة ولا عن التابعين القول بتقديم الصلاة على الخطبة بل الثابت عنهم تقديم الخطبة على الصلاة ولم يعلم لهم مخالف وعليه فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقديم الخطبة على الصلاة وهو عمل الصحابة والتابعين.(الاستسقاء سننه وآدابه.الدكتور عبد الوهاب الزيد(11-25))
قال الشيخ ابن باز" ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه خطب قبل الصلاة وخطب بعد الصلاة- في صلاة الاستسقاء -، ولعل ذلك كان في حالين، وفي وقتين، فإنه ثبت أنه دعا وخطب قبل الصلاة، وثبت في أحاديث أخرى أنه دعا وخطب بعد الصلاة، جاء في حديث عبد الله بن زيد وحديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثم دعا وخطب عليه الصلاة والسلام، وجاء في حديث ابن عباس ما يؤيد ذلك وأنه صلى كما يصلي في العيد.وقد جاء في حديث عبد الله بن زيد أيضا وحديث عائشة أنه خطب قبل الصلاة وصلى بعد ذلك، فكل منهما ثابت، وكل منهما موسع بحمد الله، من خطب ثم صلى فلا بأس، ومن صلى ثم خطب فلا بأس، كل هذا جاء عنه عليه الصلاة والسلام، والأمر في ذلك واسع والحمد لله، ومن شبهها بالعيد - كما قال ابن عباس وأخبر أنه صلى كما صلى في العيد - فقد أصاب السنة، ووافق ما رواه عبد الله بن زيد في إحدى روايتيه، ووافق حديث أبي هريرة في الصلاة ثم الخطبة ومن خطب قبل ذلك وافق حديث عبد الله بن زيد المخرج في الصحيحين، ووافق حديث عائشة فكل منهما سنة، وكل منهما خير والحمد لله. (13 / 61) "
قال الشيخ ابن عثيمين" ثبتت السنة أن الخطبة تكون قبل الصلاة ، كما جاءت السنة بأنها تكون بعد الصلاة وعلى هذا فتكون خطبة الاستسقاء قبل الصلاة، وبعدها ولكن إذا خطب قبل الصلاة لا يخطب بعدها، فلا يجمع بين الأمرين، فإما أن يخطب قبل، وإما أن يخطب بعد ومن هنا خالفت صلاة الاستسقاء صلاة العيد في أمور منها: أولا: أنه يخطب في العيد خطبتين على المذهب، وأما الاستسقاء فيخطب لها خطبة واحدة.
ثانيا: أنه في صلاة الاستسقاء تجوز الخطبة قبل الصلاة وبعدها، وأما في صلاة العيد فتكون بعد الصلاة.
ثالثا: أنه في صلاة العيد تبين أحكام العيدين، وفي الاستسقاء يكثر من الاستغفار، والدعاء بطلب الغيث "الشرح الممتع(2/216)

7 – آداب وسنن الاستسقاء
أ – متى يشرع الاستسقاء : عند احتباس المطر وحصول القحط والجدب لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يومًا يخرجون فيه ...) أبو داود(1173) وحسنه الألباني
ولحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أصابت الناس سَنَة على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فبينما النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب في يوم جمعة فقام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثم قال:"اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا" رواه البخاري( 933) ومسلم( 897)
ب – موعظة الإمام الناس، وأمرهم بتقوى الله تعالى، والخروج عن المظالم، والتوبة من المعاصي، وتحليل بعضهم بعضًا، والصيام والصدقة، وترك التشاحن؛ قبل الخروج للصلاة. كتب عمر بن عبد العزيز إلى ميمون بن مهران: "إني كتبت إلى أهل الأمصار أن يخرجوا يوم كذا من شهر كذا؛ ليستسقوا، ومن استطاع أن يصوم ويتصدق؛ فليفعل؛ فإن الله يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (سورة الأعلى، الآيتان: 14، 15) ، وقولوا كما قال أبواكم: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (سورة الأعراف، الآية: 23) ، وقولوا كما قال نوح: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} (سورة هود، الآية: 47) ، وقولوا كما قال موسى: {إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (سورة القصص، الآية: 16) ، وقولوا كما قال يونس: {لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (سورة الأنبياء، الآية: 87). أخرجه عبد الرزاق ( 3/87 ) وإسناده صحيح.

ج – تحديد يوم للخروج
لحديث عائشة - رضي الله عنها -: "شكا الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قحوط المطر، فأمر بمنبر فَوُضعَ له في المصلى ووعد الناس يومًا يخرجوا فيه ... ".أبو داود(1173)
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى ميمون بن مهران: "إني كتبت إلى أهل الأمصار أن يخرجوا يوم كذا من شهر كذا؛ ليستسقوا" أخرجه عبد الرزاق ( 3/87 ) وإسناده صحيح.
قال الموفق " إذا عزم الإمام على الخروج استحب أن يعد الناس يوما يخرجون فيه"المغني (2/283)
د – وقت صلاة الاستسقاء: الأفضل أن تصلى صلاة الاستسقاء في وقت صلاة العيد؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - وفيه: " ... فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر.." أبو داود(1173)" هذا هو الأفضل، وليس لصلاة الاستسقاء وقت معين لا تصح إلا فيه، إلا أنها لا تُصلَّى في وقت النهي بغير خلاف؛ لأن وقتها متسع فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي، والأولى فعلها في وقت العيد؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - المذكور آنفًا؛ ولأنها تشبهها في الموضع والصفة فكذلك في الوقت، إلا أن وقتها لا يفوت بزوال الشمس؛ لأنها ليس لها يوم معين فلا يكون لها وقت معين"المغني(2/286)، وقال ابن عبد البر - رحمه الله -: "والخروج إلى الاستسقاء في وقت خروج الناس إلى العيد عند جماعة العلماء، إلا أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم؛ فإنه قال: الخروج إليها عند زوال الشمس"التمهيد(17/175) .

هـ - صفة الخروج إلى الاستسقاء
يخرج الإمام والناس في تواضع، وتبذل وتخشع، وتضرع؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - فعن إسحاق بن عبد الله بن كِنانة قال: أرسلني الوليد بن عقبة - وكان أمير المدينة - إلى ابن عباس أسأله عن صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الاستسقاء، فقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: ما منعه أن يسألني؟ ثم قال ابن عباس رضي الله عنهما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مُتبذِّلا ،متواضعًا، متضرِّعًا ،متخشعًا، مترسلاً حتى أتى المصلى، ولم يخطب كخطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء، والتضرع، والتكبير، ثم صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد" أبو داود(1165) والترمذي( 558) والنسائي(1505) وابن ماجه(1281)
متبذلاً : متبذلاً: التبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة. جامع الأصول، لابن الأثير، 6/192.
متضرعًا: التضرع: المبالغة في السؤال والرغبة. جامع الأصول، 6/192.
مترسلاً: يقال: ترسل الرجل في كلامه ومشيه إذا لم يعجل.
قال الموفق" السنة الخروج لصلاة الاستسقاء على هذه الصفة المذكورة متواضعا لله تعالى متبذلا أي في ثياب البذلة أي لا يلبس ثياب الزينة ولا يتطيب لأنه من كمال الزينة وهذا يوم تواضع واستكانة ويكون متخشعا في مشيه وجلوسه في خضوع متضرعا لله تعالى متذللا له راغبا إليه ... ويستحب التنظيف بالماء واستعمال السواك وما يقطع الرائحة " المغني(2/283)

ز – خروج النساء والصبيان للاستسقاء
قال الموفق" يستحب الخروج لكافة الناس وخروج من كان ذا دين وستر وصلاح والشيوخ استحبابا لأنه أسرع للإجابة فأما النساء فلا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لها فأما الشواب وذوات الهيئة فلا يستحب لهن الخروج لأن الضرر في خروجهن أكثر من النفع ولا يستحب إخراج البهائم لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يفعله " المغني(2/283)

ح – استحباب صلاة الاستسقاء في المصلى
جاء في حديث عبد الله بن زيد "أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى المصلى فاستسقى .." البخاري( 1012- 1024) ومسلم( 894 )
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مُتبذِّلا ،متواضعًا، متضرِّعًا ،متخشعًا، مترسلاً حتى أتى المصلى، ..." أبو داود(1165) والترمذي( 558) والنسائي(1505) وابن ماجه(1281)
قال ابن عبد البر "أجمع العلماء على أن الخروج إلى الاستسقاء والبروز والاجتماع إلى الله عز وجل خارج المصر بالدعاء والضراعة إليه تبارك اسمه في نزول الغيث عند احتباس ماء السماء وتمادي القحط سنة مسنونة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك. "(17/172)

ط – لا أذان ولا إقامة للاستسقاء
لحديث عبد الله بن يزيد الأنصاري، قال أبو إسحاق: خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري، وخرج معه البراء بن عازب، وزيد بن أرقم - رضي الله عنهم - فاستسقى فقام بهم على رجليه، على غير منبر، فاستسقى فقام بهم على رجليه، على غير منبر، فاستسقى ثم صلى ركعتين يجهر بالقراءة ولم يؤذن ولم يقم، قال أبو إسحاق: ورأى عبد الله بن يزيد النبي صلّى الله عليه وسلّم"لبخاري(1022)
وقال حارثة بن مضرب العبدي: "خرجنا مع أبي موسى نستسقي فصلى بنا ركعتين من غير أذان ولا إقامة"ابن أبي شيبة (2/221) قال الإمام ابن قدامة "ولا يسن لها أذان ولا إقامة، ولا نعلم فيه خلافًا"المغني(2/285)


ي - الاستسقاء بدعاء الصالحين
عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال:"اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلّى الله عليه وسلّم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمِّ نبينا فاسقنا، قال: فيسقون" رواه البخاري(1010)
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم يستسقى فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب:
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه ... ثِمالُ اليتامى عصمةً للأرامل
وهو قول أبي طالب . البخاري(1008، 1009).
وعلى هذا كان المسلمون وأئمتهم يستسقون بدعاء الصالحين في حياتهم، قال الإمام ابن قدامة - رحمه الله -: "ويستحب أن يستسقي الإمام بمن ظهر صلاحه؛ لأن عمر - رضي الله عنه - استسقى بالعباس عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واستسقى معاوية والضحاك بيزيد بن الأسود الجرشي"المغني(2/293).

ك – صفة وكيفية خطبة الاستسقاء
1 – كم خطبة في الاستسقاء
في جميع أحاديث الاستسقاء لم يرد أنه صلى الله عليه وسلم جلس أثناء استسقائه ولم يجعلها خطبتين وابن عباس أنكر أن يكون في الاستسقاء خطبة وإنما هو التضرع والدعاء
قال ابن عباس رضي الله عنهما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مُتبذِّلا ،متواضعًا، متضرِّعًا ،متخشعًا، مترسلاً حتى أتى المصلى، ولم يخطب كخطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء، والتضرع، والتكبير، ثم صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد" أبو داود(1165) والترمذي( 558) والنسائي(1505) وابن ماجه(1281)
وفي حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري، قال أبو إسحاق: خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري، وخرج معه البراء بن عازب، وزيد بن أرقم - رضي الله عنهم - فاستسقى فقام بهم على رجليه، على غير منبر، فاستسقى فقام بهم على رجليه، على غير منبر، فاستغفر ثم صلى ركعتين يجهر بالقراءة ولم يؤذن ولم يقم، قال أبو إسحاق: ورأى عبد الله بن يزيد النبي صلّى الله عليه وسلّم. رواه"لبخاري(1022)
وقد اختار مالك والشافعي أن في الاستسقاء خطبتين ، وقال أحمد بالخطبة الواحدة وكان أبو حنيفة لا يرى الخطبة في الاستسقاء وإنما هو الدعاء والتضرع .
قال ابن المنذر في الأوسط " وقد اختلفوا في خطبة الاستسقاء فقالت طائفة: يخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة كذلك قال مالك، والشافعي، قال الشافعي: يبدأ فيخطب الخطبة الأولى ثم يجلس ثم يقوم، فيخطب بعض الخطبة الآخرة مستقبل الناس في الخطبتين، ثم يحول وجهه إلى القبلة، ويحول رداءه ويحول الناس أرديتهم معه، فيدعو سرا في نفسه ويدعو الناس معه، ثم يقبل على الناس بوجهه، فيحضهم ويأمرهم بخير، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويقرأ آية أو أكثر من القرآن ويقول: أستغفر الله لي ولكم وكان عبد الرحمن بن مهدي يقول: يخطب في الاستسقاء خطبة خفيفة يعظهم ويحثهم على الخير . وقال قائل: يقومون مع الإمام قياما يحولون أرديتهم ويدعون كذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا وحول رداءه وهو قائم، والقائم المتضرع أذل من القاعد، فكلما كان أشد تذللا كان أقرب إلى الإجابة "(4/324)
قال الموفق" ثم يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير وبهذا قال عبد الرحمن بن مهدي وقال مالك و الشافعي : يخطب خطبتين كخطبتي العيدين لقول ابن عباس" صنع النبي صلى الله عليه و سلم كما صنع في العيد" ولأنها أشبهتها في التكبير وفي صفة الصلاة فتشبهها في الخطبتين ولنا قول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وهذا يدل على أنه ما فصل بين ذلك بسكوت ولا جلوس ولأن كل من نقل الخطبة لم ينقل خطبتين ولأن المقصود إنما هو دعاء لله تعالى ليغيثهم ولا أثر لكونها خطبتين في ذلك والصحيح من حديث ابن عباس أنه قال : صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد ولو كان النقل كما ذكروه فهو محمول على الصلاة بدليل أول الحديث "المغني(2/290)
فالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أن خطبة الاستسقاء إنما هي الاستغفار وإطالة الدعاء والإكثار
من المسألة
ولكن جاء ما يدل على الخطبة في حديث عائشة رضي الله عنها: "فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل..". وفي آخره: ".. ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين.." رواه أبو داود( 1137)وقال "هذا حديث غريب إسناده جيد"
قال الموفق" الخطبة غير واجبة على الروايات كلها فإن شاء فعلها وإن شاء تركها والأولى أن يخطب بعد الصلاة خطبة واحدة لتكون كالعيد وليكونوا قد فرغوا من الصلاة إن أجيب دعاؤهم فأغيثوا فلا يحتاجون إلى الصلاة في المطر وقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم نفي للصفة لا لأصل الخطبة أي لم يخطب كخطبتكم هذه إنما كان جل خطبته الدعاء والتضرع والتكبير"المغني(2/286)

2 – صفة الخطبة.
وردت أحاديث الاستسقاء بالاستغفار وإطالة الدعاء والإكثار من المسألة .
وقد جاء الاستغفار في حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري، قال أبو إسحاق: خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري، وخرج معه البراء بن عازب، وزيد بن أرقم - رضي الله عنهم - فاستسقى فقام بهم على رجليه، على غير منبر، فاستغفر ثم صلى ركعتين يجهر بالقراءة ولم يؤذن ولم يقم، قال أبو إسحاق: ورأى عبد الله بن يزيد النبي صلّى الله عليه وسلّم. رواه"لبخاري(1022)
وجاء إطالة المسألة والإكثار من الدعاء في حديث عبد الله بن زيد قال: " خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة"رواه البخاري( 1012- 1024) ومسلم( 894 )
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما (... ولم يخطب كخطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء، والتضرع، والتكبير، ثم صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد" أبو داود(1165) والترمذي( 558) والنسائي(1505) وابن ماجه(1281)
وعن عبد الله بن زيد المازني قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين استسقى لنا أطال الدعاء وأكثر المسألة، ثم تحول إلى القبلة،وحول رداءه، فقلبه ظهرا لبطن، وتحول الناس معه) رواه أحمد(4/41)
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "حديث عبد الله بن زيد يقتضي أن سنة الاستسقاء: الخروج إلى المصلى، والخطبة، والصلاة، وبذلك قال جمهور العلماء ... "المفهم (2/538)

ل - استقبال القبلة
لحديث عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد (أن النبي خرج إلى المصلى فاستسقى فاستقبل القبلة وحول رداءه وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة ) رواه البخاري (1012- 1024) ومسلم
وحديث عبد الله بن يزيد الخطمي " خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين، وجهر بالقراءة فيها، وحول رداءه، ودعا، واستقبل القبلة"رواه أحمد (16437- 16466) وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين" وأبي داود (1161) وصححه الألباني

م - رفع اليدين في الدعاء وصفته
ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يرفع يديه في دعاء الاستسقاء حتى يُرى بياض إبطيه، ويبالغ في رفع اليدين حتى يجعل ظهر كفيه إلى السماء، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرفع يديه في الدعاء حتى يُرى بياض إبطيه".
وفي لفظ: "كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء؛ فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه"، وفي لفظ لمسلم: "أن النبي صلّى الله عليه وسلّم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء" البخاري(1031) ومسلم(895).
قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: "قول أنس إنه صلّى الله عليه وسلّم كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء" يعني: أنه لم يكن يبالغ في الرفع إلا في الاستسقاء؛ ولذلك قال: "حتى يُرى بياض إبطيه" وإلا فقد رفع النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر عند الدعاء، وفي غير ذلك" المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم(2/541)
وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: "هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع صلّى الله عليه وسلّم إلا في الاستسقاء وليس الأمر كذلك، بل قد ثبت رفع يديه صلّى الله عليه وسلّم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء وهي أكثر من أن تحصر، وقد جمعت منها نحوًا من ثلاثين حديثًا في الصحيحين أو أحدهما، وذكرتها في أواخر باب صفة الصلاة من شرح المهذب، ويتأول الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء، أو أن المراد لم أره رفع وقد رآه غيره، فيقدم المثبتون في مواضع كثيرة - وهم جماعات - على واحد لم يحضر ذلك ولابد من تأويله؛ لِمَا ذكرناه والله أعلم" شرح النووي على صحيح مسلم(6/442) .
وأما صفة رفع اليدين في ذلك؛ فلما رواه مسلم من رواية ثابت عن أنس "أن النبي صلّى الله عليه وسلّم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء" ولأبي داود من حديث أنس أيضًا "كان يستسقى هكذا ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه"سنن أبي داود، (1170)
قال الإمام النووي - رحمه الله -: "قال جماعة من أصحابنا وغيرهم: السنة في كل دعاء رفع بلاء: كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء، احتجوا بهذا الحديث"شرح النووي على صحيح مسلم(6/441-442)
وقال الحافظ ابن حجر: "وقال غيره - أي النووي -: "الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء، دون غيره للتفاؤل بقلب الحال ظهرًا لبطن كما قيل في تحويل الرداء، أو هو إشارة إلى صفة المسؤول وهو نزول السحاب إلى الأرض" فتح الباري( 2/518) .
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول على قول أنس - رضي الله عنه -: "كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء.." والمراد هنا الرفع الشديد والمبالغة في الرفع وإلا فقد ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه رفع في أدعية كثيرة غير ذلك" (5) .

ن - تحويل الرداء بعد الاستسقاء
لحديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وفيه: "خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم يستسقي وحول رداءه" وفي لفظ: "أن النبي صلّى الله عليه وسلّم استسقى وقلب رداءه"وفي لفظ: "خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المصلى يستسقي واستقبل القبلة، فصلى ركعتين وقلب رداءه"، قال سفيان: فأخبرني المسعودي عن أبي بكر قال: جعل اليمين على الشمال . متفق عليه، وهذه الألفاظ للبخاري( 1005، 1011، 1012، 1023، 1024، 1025، 1026، 1027، 1028، 6343) ومسلم( 894)
وهذه الألفاظ للبخاري، ولفظ أبي داود: "وحول رداءه فجعل عِطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ثم دعا الله عز وجل"أبو داود،(1163) وصححه الألباني.
ولفظ الإمام أحمد: "رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين استسقى لنا أطال الدعاء وأكثر المسألة، ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهرًا لبطن، وتحول الناس معه" (مسند الإمام أحمد، 4/41.) ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "واستحب الجمهور أيضًا أن يحول الناس بتحويل الإمام، ويشهد له ما رواه أحمد من طريق أخرى عن عباد في هذا الحديث بلفظ: "وحوّل الناس معه""ثم إن ظاهر قوله: "فقلب رداءه" أن التحويل وقع بعد فراغ الاستسقاء، وليس كذلك، بل المعنى قلب رداءه في أثناء الاستسقاء، وقد بينه مالك رحمه الله في روايته المذكورة ولفظه: "حول رداءه حين استقبل القبلة" فتح الباري( 2/498) ، ولمسلم من رواية يحيى عن أبي بكر بن محمد "وأنه لَمّا أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه" (مسلم("894)وهو عند البخاري (1028) . ، فَعُرِفَ بذلك أن التحويل وقع في أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء .فتح الباري لابن حجر، 2/499، وانظر: نيل الأوطار، 4/662)
قال الموفق" ويستحب تحويل الرداء للإمام والمأموم في قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة : لا يسن لأنه دعاء فلا يستحب تحويل الرداء فيه كسائر الأدعية وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحق أن تتبع وحكي عن سعيد بن المسيب و عروة و الثوري أن تحويل الرداء مختص بالإمام دون المأموم وهو قول الليث و أبي يوسف و محمد بن الحسن لأنه نقل عن النبي صلى الله عليه و سلم دون أصحابه. ولنا أن ما فعله النبي صلى الله عليه و سلم ثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه به دليل كيف وقد عقل المعنى في ذلك وهو التفاؤل بقلب الرداء ليقلب الله ما بهم من الجدب إلى الخصب وقد جاء ذلك في بعض الحديث وصفة تقليب الرداء أن يجعل ما على اليمين على اليسار وما على اليسار على اليمين روي ذلك عن أبان بن عثمان و عمر بن عبد العزيز و هشام بن إسماعيل و أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم و مالك وكان الشافعي يقول له ثم رجع فقال : يجعل أعلاه أسفله (لأن النبي صلى الله عليه و سلم استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يجعل أسفلها أعلاها فلما ثقلت عليه جعل العطاف الذي على الأيسر على عاتقه الأيمن والذي على الأيمن على عاتقه الأيسر ) رواه أبو داود(1/302) ودليلنا ما روى أبو داود عن عبد الله بن زيد ( أن النبي صلى الله عليه و سلم حول رداءه وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن) وفي حديث أبي هريرة نحو ذلك والزيادة التي نقلوها إن ثبتت فهي ظن الراوي لا يترك لها فعل النبي صلى الله عليه و سلم وقد نقل تحويل الرداء جماعة لم ينقل أحد منهم أنه جعل أعلاه أسفله ويبعد أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم ترك ذلك في جميع الأوقات لثقل الرداء"المغني(2/288)
قال ابن تيمية" فهذه أحاديث عبد الله بن زيد، وحديثه أشهر حديثٍ في تحويل الرداء وفي صلاة الاستسقاء، وأصحُّ الأحاديث في ذلك، فيها تارةً متصلاً بالحديث وتارةً من تفسير الرواة أنه جعلَ الأيمنَ على الأيسر ،والأيسرَ على الأيمن، وفيها تصريح بأنه لم يفعل الأعلى أسفل ولا الأسفلَ أعلى.. وتحويلُ الرداء في دعاء الاستسقاء سنةٌ عند فقهاء الحجاز وفقهاءِ الحديثِ كمالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وهو قولُ صاحبَي أبي حنيفةَ
أبي يوسف ومحمد، كما أن الصلاة في الاستسقاء سنة عند هؤلاء، وأبو حنيفة لم يَبلُغْه لا الصلاةُ في الاستسقاء ولا تحويلُ الرداء في دعائه.
وأما صفة التحويل فجعلُ الأيمنِ على الأيسر كما جاءت بذلك الأحاديث، عند جمهور العلماء كمالك وأحمد وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور، وهو قول الشافعي إذْ كان بالعراق، وقال في الجديد: في الرداء المُرَاد كذلك، وفي المربع يُجعَلُ أعلاه أسفلَه، لما تقدَّم من هَمِّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وحجة الجمهور أنه حوَّله من اليمين إلى اليسار، وأن الخلفاء الراشدين بعده فعلوا ذلك، كما فعلَه عثمان بحضرة الصحابة. وأما تلك الزيادةُ فلو كانت ثابتة لكانت ظنَّا من الراوي لا يتركُ لها ما ثبتَ مِنْ فعلِه المتيقنِ وفعلِ خلفائِه" جامع المسائل(4/82)

س – حكم الاستسقاء بالأنواء
والمراد نسبة السقيا ومجيء المطر إلى الأنواء جمع نوء وهي منازل القمر
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"رواه البخاري(1038) ومسلم (71)
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة". وقال: "والنائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب"مسلم(934)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين، ينزل الله الغيث فيقولون: بكوكب كذا وكذا"مسلم( 72) .
- النوء : " مأخوذ من ناء إذا سقط، وقيل: بل النوء طلوع نجم منها، وهو مأخوذ من ناء إذا نهض، ولا تخالف بين القولين في الوقت؛ لأن كل نجم منها إذا طلع في المشرق وقع حال طلوعه آخر في المغرب لا يزال ذلك مستمرًا إلى أن تنتهي الثمانية والعشرين بانتهاء السنة؛ فإن لكل واحد منها ثلاثة عشر يومًا تقريبًا، وكانت العرب تقول في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر لابد أن يكون عند ذلك مطر، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى النجم، فيقولون: مطرنا بنوء كذا". فتح الباري، لابن حجر(2/524) وشرح السنة للبغوي(4/420)
قال ابن عبد البر"معنى نسبة المطر إلى النوء هو عندي على وجهين:
أحدهما: اعتقاد أن النوء هو الموجب لنزول الماء، وهو المنشئ للسحاب دون الله - تعالى -، فذلك كافر كفراً صريحاً، يجب استتابته عليه وقتله؛ لنبذه الإسلام، ورده القرآن.
الثاني: أن يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء، وأنه سبب الماء، على ما قدره الله، وسبق في علمه، فهذا وإن كان وجهاً مباحاً، فإن فيه أيضاً كفراً بنعمة الله عز وجل وجهلاً بلطيف حكمته؛ لأنه ينزل الماء متى شاء.قال الشافعي: لا أحب لأحد أن يقول: مطرنا بنوء كذا، وإن كان النوء عندنا: الوقت، والوقت مخلوق، لا يضر ولا ينفع، ولا يمطر، ولا يحبس شيئاً من المطر، وإنما يقول: مطرنا وقت كذا، كما يقول: بشهر كذا، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، وهو يريد أن النوء أنزل الماء، فهو كافر حلال دمه إن لم يتب.وسمع الحسن رجلاً يقول: طلع سهيل، وبرد الليل، فكره ذلك، وقال: إن سهيلاً لم يأت قط بحر ولا برد.وكره مالك أن يقول الرجل للغيم، أو السحابة: ما أخلقها للمطر.
وهذا يدل على أنهم احتاطوا، فمنعوا الناس من الكلام بما فيه أدنى متعلق من أمر الجاهلية " التمهيد(16/285-287)
قال الشيخ ابن باز" الذي يظن أو يعتقد : أن المطر من الكواكب ، وأن لها تأثيرا فيه ، فهذا هو الذي أنكره الله عز وجل ، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إنكاره ، فإذا قال : مطرنا بنوء كذا ، أو بنجم كذا ، هو كافر بالله مؤمن بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بالله كافر بالكوكب . فتبين أن الكواكب ليس لها تأثير في المطر ولا في النبات ، بل الله سبحانه وتعالى هو الذي ينزل المطر ، ويخرج النبات وينفع عباده بما يشاء ، وإنما جعل الله عز وجل غيابها وطلوعها علامات يهتدى بها في البر والبحر ، وسببا لصلاح بعض النبات ونموه ، فإن الله تعالى جعل بعض المخلوقات سببا لبعض المخلوقات الأخرى ، وهو الخالق للجميع ، أما إذا أراد القائل بقوله : مطرنا بنوء كذا ، بأنه وقت وظرف المطر الذي نزل فيه بإذن الله ، مثل أن يقول : نزول المطر في وقت الثريا ، في وقت الوسمي ، ينبت به بإذن الله كذا وكذا ، فيخبر بالأوقات التي جرت العادة بوجود هذه الأشياء فيها ، فهذا لا بأس به ، لكن يجب أن يأتي بـ ( في ) الدالة على الظرفية فيقول : مطرنا في الربيع ، في الشتاء ، في وقت ظهور النجم الفلاني ، وما أشبه ذلك من باب الخبر عن الأوقات ، ولا يجوز أن يقول : مطرنا بنوء كذا . لإنكار الله سبحانه ذلك ، وحكمه على قائله بأنه كافر به ، ولأن ذلك يوهم أن المطر منها . فلهذا جاء الحديث الصحيح بالنهي عن ذلك . ولهذا فرق أهل العلم بين مطرنا بنوء كذا وبين مطرنا في كذا وكذا في وقت النجم الفلاني ، من باب الخبر عن الأوقات التي جرى فيها نزول المطر ، أو جرى فيها النبات الفلاني أو الثمرة الفلانية التي جرت العادة أنها توجد في أوقات معينة ، فهذا لا بأس به كما تقدم ، وبه يعلم الفرق بين الجائز والمحرم . والله ولي التوفيق "( 8 / 123 )
وقال الشيخ ابن عثيمين" من قال: مطرنا بنوء كذا فهو كافر، ولهذا حكى في المبدع إجماع أهل العلم على ذلك.إذا قول الإنسان: مطرنا بنوء كذا محرم، بل هو من كبائر الذنوب، وهل يكون كفرا أكبر مخرجا عن الملة؟ الجواب: أنه بحسب عقيدة القائل، إن كان يعتقد أن النوء هو الذي خلق هذا المطر، فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة؛ لأنه ادعى أن مع الله خالقا، وإن كان يعتقد أن النوء سبب فإنه كافر كفرا دون كفر.
وإنما كان كافرا فيما إذا اعتقد أنه سبب؛ لأنه أثبت سببا لم يثبته الله ـ عز وجل ـ، فإن النجوم ليس لها أثر، وإنما هي أوقات فقط.
مسألة: لو قال: مطرنا في نوء كذا؟ الجواب: هذا جائز؛ لأن في للظرفية، ومن ذلك استعمال العامة عندنا الباء هنا، وهم يريدون الظرفية، يقولون مثلا: مطرنا بالمربعانية، ومطرنا بالشبط، ومطرنا بالعقارب، العقارب هي: السعود الثلاثة، سعد الذابح، وبلع، والسعود.
فإذا قال: مطرنا بسعد السعود، وهو يقصد في سعد السعود كما هي اللغة العامية عندنا فهنا لا يكون كافرا، والباء قد تأتي بمعنى (في) مثل قوله تعالى: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين *} {وبالليل} [الصافات: 137، 138] أي: في الليل " الشرح الممتع (5/229)






د – أحكام متفرقة في كتاب الصلاة متعلقة بالشتاء

1 – صلاة الفريضة على الراحلة
قال الموفق" إذا كان في الطين والمطر ولم يمكنه السجود على الأرض إلا بالتلوث بالطين والبلل بالماء فله الصلاة على دابته يومئ بالركوع والسجود وإن كان راجلا أومأ بالسجود أيضا ولم يلزمه السجود على الأرض قال الترمذي : روي عن أنس بن مالك أنه صلى على دابته في ماء وطين والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد و إسحاق وفعله جابر بن زيد وأمر به طاوس و عمارة بن عربة قال ابن عقيل وقد روي عن أحمد أنه يسجد على متن الماء والاول أولى لما روى يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على راحلته وأصحابه على ظهورا دوابهم يومئون إيماء يجعلون السجود أخفض من الركوع رواه الأثرم و الترمذي وقال تفرد به عن عمر بن الرماح البلخي وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم قال القاضي أبو يعلى : سألت أبا عبد الله الدامغاني فقال مذهب أبي حنيفة أن يصلي على الراحلة في المطر والمرض وقال أصحاب الشافعي لا يجوز أن يصلي الفرض على الراحلة لأجل المطر والمرض وعن مالك كالمذهبين واحتج من منع ذلك بحديث أبي سعيد الخدري فابصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه و سلم انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين وهذا حديث صحيح
ولنا :ما رويناه من الحديث وفعل أنس قال أحمد رحمه الله قد صلى أنس وهو متوجه إلى سرابيط في يوم مطر المكتوبة على الدابة ورواه الأثرم بإسناده ولم ينقل عن غيره خلافه فيكون إجماعا ولأن المطر عذر يبيح الجمع فأثر في أفعال الصلاة كالسفر يؤثر في القصر وأما حديث أبي سعيد فيحتمل أن الطين كان يسيرا لا يؤثر في تلويث الثياب "المغني(1/670)
في عون المعبود" يجوز للضرورة الشرعية أداء الفرض على الدواب والراحلة لما أخرج أحمد في مسنده والدارقطني والترمذي والنسائي عن يعلى بن مرة أن النبي صلى الله عليه و سلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع قال الترمذي حديث غريب تفرد به عمر بن ميمون بن الرماح البلخي لا يعرف إلا من حديثه وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم وكذا روي عن نس بن مالك أنه صلى في ماء وطين على دابته والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق انتهى
قال في شرح الأحكام لابن تيمية والحديث صححه عبدالحق وحسنه النووي وضعفه البيهقي وهو يدل على ما ذهب إليه البعض من صحة صلاة الفريضة على الراحلة كما تصح في السفينة بالإجماع
وقد صحح الشافعي الصلاة المفروضة على الراحلة بالشروط التي ستأتي وحكى النووي في شرح مسلم والحافظ في الفتح الإجماع على عدم جواز ترك الاستقبال في الفريضة قال الحافظ لكن رخص في شدة الخوف وحكى النووي أيضا الإجماع على عدم صلاة الفريضة على الدابة قال فلو أمكنه استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود على دابة واقفة عليها هودج أو نحوه جازت الفريضة على الصحيح من مذهب الشافعي فإن كانت سائرة لم تصح على الصحيح المنصوص للشافعي وقيل تصح كالسفينة فإنها تصح فيها الفريضة بالإجماع
ولو كان في ركب وخاف لو نزل للفريضة انقطع عنهم ولحقه الضرر قال أصحاب الشافعي يصلى الفريضة على الدابة بحسب الإمكان ويلزمه إعادتها لأنه عذر نادر انتهى
قال في شرح الأحكام والحديث يدل على جواز صلاة الفريضة على الراحلة ولا دليل على اعتبار تلك الشروط إلا عمومات يصلح هذا الحديث لتخصيصها وليس في الحديث إلا ذكر عذر المطر ونداوة الأرض فالظاهر صحة الفريضة على الراحلة في السفر لمن حصل له مثل هذا العذر وإن لم يكن في هودج إلا أن يمنع من ذلك إجماع ولا إجماع فقد روى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنهما يقولان بجواز الفريضة على الراحلة إذا لم يجد موضعا يؤدي فيه الفريضة نازلا ورواه العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي" (4/68)
قال الشيخ ابن باز" إذا كان هناك مانع من الصلاة على الأرض في الفريضة جاز أن يصلي على الدابة والسيارة والطائرة والسفينة عند الحاجة لذلك فيصلي إلى القبلة ويركع ويسجد إلى القبلة ولهذا في حديث يعلى بن مرة (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع ) والحديث هذا رواه أحمد والترمذي قال الشوكاني : صححه عبد الحق وحسنه النووي ولكن في إسناده ضعف ولهذا ضعفه البيهقي فأصاب لأنه من رواية عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده وقال صاحب التقريب والتهذيب في عثمان بن يعلى أنه مجهول لا تعرف حاله ولم يرو عنه إلا واحد والمجهول روايته ضعيفة لا تقوم بها الحجة وفيه عمرو بن عثمان حفيد يعلى قال في التقريب إنه مستور ومجهول الحال فيكون كما قال البيهقي الحديث ضعيف لكن معناه صحيح فالمقصود أن الحديث ضعيف من جهة جهالة عثمان بن يعلى والكلام في حفيد يعلى عمرو لكن معناه صحيح والقاعدة المعروفة ( فاتقوا ما استطعتم ) فإذا احتاج الناس الصلاة على الدواب للخوف مثلاً أو أن الأرض طين أو لأسباب اخرى لم يستطيعوا معها الصلاة على الأرض أو المريض الذي لا يستطيع النزول عن المطية أو في المراكب البحرية أو الجوية فإنه يصلي على حسب حاله يستقبل القبلة ويصلي ويوميء بالسجود إذا لم يستطع السجود عملاً بالقاعدة ( فاتقوا ما استطعتم )"شرح المنتقى.
قال الشيخ ابن عثيمين" قوله: «ويصح الفرض على الراحلة» يعني: البعير أو الحمار أو الفرس أو نحو ذلك.
قوله: «خشية التأذي» أطلق المؤلف فيعم التأذي بأي شيء سواء بوحل أو مطر أو غير ذلك، فالمهم أنه يتأذى لو صلى على الأرض ولا يستقر في صلاته فله أن يصلي على الراحلة، وقيد المؤلف الصلاة بكونها فرضا، لأن النفل على الراحلة جائز، سواء خشي التأذي أم لم يخش؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يصلي النافلة على راحلته حيثما توجهت به» وقوله: «يصح الفرض على الراحلة خشية التأذي» لم يذكر المؤلف شيئا عن استقبال القبلة، وعن الركوع وعن السجود، فنقول: يجب أن يستقبل القبلة في جميع الصلاة؛ لأنه قادر عليه إذ يمكنه أن يتوقف في السير ويوجه الراحلة إلى القبلة ويصلي.
أما الركوع والسجود فيومئ بالركوع والسجود، لأنه لا يستطيع، والقيام أولى، هذا على الرواحل التي يعرفها العلماء رحمهم الله، وهي الإبل والحمير والخيل والبغال وشبهها، لكن الراحلة اليوم تختلف فالراحلة اليوم سيارات، وبعض السيارات كالسفن يستطيع الإنسان أن يصلي فيها قائما راكعا ساجدا متجها إلى القبلة، فهل يقال: إنه لا يصلي على هذه الرواحل إلا بشرط التأذي بالنزول؟ أو نقول إذا أمكنه أن يأتي بالواجب فيها فله أن يصلي؟
الجواب: الثاني، لو كانت السيارة أتوبيسا كبيرا، وفيها مكان واسع للصلاة والإنسان يستطيع أن يصلي قائما راكعا ساجدا مستقبل القبلة، فلا حرج عليه أن يصلي؛ لأن هذه السيارات كالسفينة تماما، لكن الغالب أنها صغار، أو نقل جماعي كله كراسي، لكن إن أمكن فهو كغيره، وفي الطائرات إذا كان يمكنه أن يصلي قائما وجب أن يصلي إلى القبلة قائما ويركع ويسجد إلى القبلة، وإذا لم يمكنه فإن كانت الطائرة تصل إلى المطار قبل خروج الوقت فإنه ينتظر حتى ينزل إلى الأرض، فإن كان لا يمكن أن تصل إلى المطار قبل خروج الوقت، فإن كانت هذه الصلاة مما تجمع إلى ما بعدها كالظهر مع العصر أو المغرب مع العشاء، فإنه ينتظر حتى يهبط على الأرض فيصليهما جمع تأخير وإذا كانت الصلاة لا تجمع لما بعدها صلى على الطائرة على حسب حاله"الشرح الممتع(4/343)

2 – حكم تغطية الفم والسدل في الصلاة
عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه‏)‏‏.‏ رواه أبو داود‏.‏ ولأحمد والترمذي عنه النهي عن السدل‏.‏ ولابن ماجه النهي عن تغطية الفم
قال الشيخ ابن باز " هذه الأحاديث فيها ضعف من جميع طرقها وقد ساق الشوكاني بعض طرقها وبالعناية بها كلها لا تسلم من خلل وضعف ولكن مجموعها يستأنس به في النهي عن السدل وإلا فمجموعها ضعيف ، واختلفوا في السدل وهذا مما يدل على ضعف الحديث لأنه لو كان السدل معروفاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إلى ما يجب فيه فاختلاف الطرق في الرواية وضعفها هو دليل على أن السدل الذي جاء به الحديث ليس معروفاً عند أهل العلم وليس معروفاً عند الصحابة ولهذا اختلفوا فيه فقال قوم إنه كونه يضع ثوبه على بدنه ويرخيه حتى يمس الأرض فيكون من باب الإسبال وقال آخرون إنه يضع الثوب على كتفيه ويرخيه على جانبيه ولا يلف بعضه على بعض بحيث لا ينضبط فيخشى من بدو العورة وقيل فيه غير ذلك وقيل المراد بالسدل سدل الرأس وبكل حال الأحاديث ضعيفة ولا يفسر السدل المنهي عنه إلا بالشيء الذي يخالف الشرع بأن يكون طريقاً مخالفاً للشرع إما سدلاً يبدي العورة أو يخشى منه بدو العورة أو يكون مشابهاً لليهود كما قال بعضهم بأنه عمل يشابه اليهود كما يروى عن علي في ذلك ويفسر لو صحت الأخبار فيه بأنه نوع من اللباس يحصل منه تكشف العورة أو وسيلة إلى انكشاف العورة كما قيل في اشتمال الصماء وقال بعضهم أن يضع الثوب على رأسه ثم يسدله عليه فهذا يفضي إلى ظهور العورة كما قيل في الصماء والمشهور هو الأول أنه يلبس الثوب ولكن يرخيه على جانبيه ولا يتحفظ في ضبط العورة وبكل حال فالأحاديث ضعيفة ولا ينكر من هذه الصفات إلا ما خالف الشرع ، وكذلك يكره تغطية الفم إلا من حاجة فالسنة أن يكون مكشوف الفم غير متلثم وإن كانت ضعيفة ولكن يستأنس بها ولهذا كره الفقهاء أن يغطي فمه أخذاً بهذه الأحاديث وإن كان فيها ضعف ولكن يشد بعضها بعضاً من جهة كراهة تغطية الفم ولأنه يستحب له أن يباشر المصلى بوجهه كامل
" شرح المنتقى
وقال الشيخ ابن عثيمين " السدل: أن يطرح الرداء على كتفيه، ولا يرد طرفه على الآخر. وقال بعضهم: السدل: أن يضع الرداء على رأسه ولا يجعل أطرافه على يمينه وشماله
وقال بعضهم: السدل: أن يرسل ثوبه حتى يكون تحت الكعبين وعلى هذا فيكون بمعنى الإسبال.
تاااااااااااابع

_________________

قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oldcoins.yoo7.com/
عرباوي
المدير العام
المدير العام
عرباوي


ذكر عدد الرسائل : 22559
تاريخ الميلاد : 06/02/1980
العمر : 44
نقاط : 58150
تاريخ التسجيل : 21/09/2008

حديث الشتاء  فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حديث الشتاء فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات    حديث الشتاء  فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات  Emptyالخميس 19 يناير 2012, 10:03 pm

والمعروف عند فقهائنا هو: أن يطرح الثوب على الكتفين، ولا يرد طرفه على كتفه الآخر ، ولكن إذا كان هذا الثوب مما يلبس عادة هكذا، فلا بأس به، ولهذا قال شيخ الإسلام: إن طرح القباء على الكتفين من غير إدخال الكمين لا يدخل في السدل . والقباء يشبه ما يسمى عندنا «الكوت» أو «الجبة» "الشرح الممتع( 2/192)
قال شيخ الإسلام" هل طرح القباء على الكتفين من غير أن يدخل يديه في أكمامه مكروه ؟ .
فأجاب : لا بأس بذلك باتفاق الفقهاء وقد ذكروا جواز ذلك وليس هذا من السدل المكروه لأن هذه اللبسة ليست لبسة اليهود"الفتاوى (22/144)
قال شيخ الإسلام" والسدل: هو أن يطرح الثوب على أحد كتفيه، ولا يرد أحد طرفيه على كتفه الآخر، هذا هو المنصوص عن أحمد، وعلله: بأنه فعل اليهود، قال حنبل: قال أبو عبد الله: والسدل أن يسدل أحد طرفي الإزار ولا ينعطف به عليه، وهو لبس اليهود، وهو على الثوب وقال صالح بن أحمد: سألت أبي عن السدل في الصلاة؟ فقال يلبس الثوب فإذا لم يطرح أحد طرفيه على الآخر، فهو السدل، وهذا هو الذي عليه عامة العلماء.
وأما ما ذكره أبو الحسن الآمدي، و ابن عقيل: من أن السدل هو إسبال الثوب بحيث ينزل عن قدميه ويجره، فيكون هو إسبال الثوب، وجره المنهي عنه - فغلط مخالف لعامة العلماء، وإن كان الإسبال والجر منهياً عنه بالإتفاق والأحاديث فيه أكثر، وهو محرم على الصحيح، لكن ليس هو السدل"اقتضاء الصراط المستقيم(382)

4 – الصلاة إلى المدفئة
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين السؤال الآتي "بعض الناس يتورع أن يصلي أمام المدفأة فهل هذا صحيح؟

الجواب
الصحيح أنه لا بأس بذلك، وما علمنا أن أحداً كرهه من أهل العلم، وإنما كره بعض العلماء استقبال النار التي تتوهج ولها لهيب، وعللوا كراهيتهم لذلك بأن وقوفهم بين يدي النار يشبه وقوف المجوس الذين يعبدون النار، فأما هذه الدفايات فليست كنار المجوس، وإذا قلنا بهذا لقلنا حتى النجفات لا نضعها في الجدران وتزال من المسجد إذا كانت في القبلة؛ لأنها نار، وما زلنا نذكر عن علمائنا أنهم كانوا يأتون بالمباخر ويضعونها أمام الناس بين يدي الصفوف، ثم إن المدفأة هذه إنما تكون بين يدي المأمومين لا بين يدي الإمام، والذي يؤثر هو ما يكون بين يدي الأمام، لو قلنا: أنه مكروه؛ لأن المأمومين تبع لإمامهم، ولهذا لا يشرع لهم اتخاذ السترة؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، المهم أنه ليس في النفس شيء، ولا بأس بها"الباب المفتوح
قال البخاري " باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله ،وقال الزهري أخبرني أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : « عرضت علي النار وأنا أصلي »
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس قال : انخسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : « أريت النار ، فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع » ح(421)"قال الشيخ ابن باز معلقاً" رأي المصنف أنه لا بأس بذلك وجاء في أحاديث تدل على كراهة الصلاة إلى النار لما في ذلك من التشبه بالمجوس وما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيء عارض عرض له في الصلاة .
- وقد سئل الشيخ عن وضع الدفايات في قبلة المصلين؟ قال رحمه الله ( الأولى وضعها عن يمينه أو شماله أو خلفه ولو احتاج لوضعها أمامه فلا بأس به لأن الكراهة تزول بالحاجة) "درس مغرب الأحد(15/5/1419هـ ) والظاهر من خلال البحث أنه لا يوجد حديث في النهي عن الصلاة إلى النار إنما هو من قول الفقهاء قال ابن قدامة " (ويكره أن يصلي إلى نار) قال أحمد : إذا كان التنور في قبلته لا يصلي إليه، وكره ابن سيرين ذلك، وقال أحمد في السراج والقنديل يكون في القبلة : أكرهه وأكره كل شيء حتى كانوا يكرهون أن يجعلوا شيئا في القبلة حتى المصحف، وإنما كره ذلك لأن النار تعبد من دون الله فالصلاة إليها تشبه الصلاة لها "(المغني : 2/39 )

5 – حكم ترك النار والمشب والمنقد مشتعلاً أثناء النوم
في الصَّحيحين من حديث جابر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمِّروا الآنية، وأوكوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، وأكفتوا صبيانكم عند العشاء؛ فإنَّ للجن انتشارًا وخطفة، وأطفئوا المصابيح عند الرُّقاد؛ فإنَّ الفويسقة ربَّما اجترَّت الفتيلة، فأحرقت أهل البيت)رواه البخاري(3280) ومسلم(2012)
وفيهما أيضًا، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال)لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون( رواه البخاري(6293) ومسلم(2015)
وفيهما أيضًا، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من اللَّيل، فحُدِّث بشأنهم النَّبي صلى الله عليه وسلم قال(إنَّ هذه النار إنَّما هي عدوٌ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم)رواه البخاري(6294) ومسلم(2016)
قال الحافظ النووي في شرح صحيح مسلم: (وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتركوا النار فى بيوتكم حين تنامون» هذا عامٌ تدخل فيه نار السراج وغيرها.
وأمَّا القناديل المعلَّقة فى المساجد وغيرها فإن خِيفَ حريقٌ بسببها دخلت فى الأمر بالإطفاء، وإن أُمِن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لابأس بها؛ لانتفاء العلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل الأمر بالإطفاء في الحديث السابق بأنَّ الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم؛ فإذا انتفت العِلَّة زال المنع)
قال ابن حجر" وقال القرطبي : الأمر والنهي في هذا الحديث للإرشاد , قال : وقد يكون للندب ,
وجزم النووي بأنه للإرشاد لكونه لمصلحة دنيوية , وتعقب بأنه قد يفضي إلى مصلحة دينية وهي حفظ النفس المحرم قتلها والمال المحرم تبذيره ,
وقال القرطبي : في هذه الأحاديث أن الواحد إذا بات ببيت ليس فيه غيره وفيه نار فعليه أن يطفئها قبل نومه أو يفعل بها ما يؤمن معه الاحتراق , وكذا إن كان في البيت جماعة فإنه يتعين على بعضهم وأحقهم بذلك آخرهم نوماً , فمن فرط في ذلك كان للسنة مخالفاً ولأدائها تاركا . ثم أخرج الحديث الذي أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال " جاءت فأرة فجرت الفتيلة فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا نمتم فأطفئوا سراجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم " وفي هذا الحديث بيان سبب الأمر أيضا وبيان الحامل للفويسقة - وهي الفأرة - على جر الفتيلة وهو الشيطان , فيستعين وهو عدو الإنسان عليه بعدو آخر وهي النار , أعاذنا الله بكرمه من كيد الأعداء إنه رءوف رحيم .
وقال ابن دقيق العيد : إذا كانت العلة في إطفاء السراج الحذر من جر الفويسقة الفتيلة فمقتضاه أن السراج إذا كان على هيئة لا تصل إليها الفأرة لا يمنع إيقاده , كما لو كان على منارة من نحاس أملس لا يمكن الفأرة الصعود إليه , أو يكون مكانه بعيدا عن موضع يمكنها أن تثب منه إلى السراج .
قال : وأما ورود الأمر بإطفاء النار مطلقا كما في حديثي ابن عمر وأبي موسى - وهو أعم من نار السراج - فقد يتطرق منه مفسدة أخرى غير جر الفتيلة كسقوط شيء من السراج على بعض متاع البيت , وكسقوط المنارة فينثر السراج إلى شيء من المتاع فيحرقه , فيحتاج إلى الاستيثاق من ذلك , فإذا استوثق بحيث يؤمن معه الإحراق فيزول الحكم بزوال علته .
قلت : وقد صرح النووي بذلك في القنديل مثلا لأنه يؤمن معه الضرر الذي لا يؤمن مثله في السراج . وقال ابن دقيق العيد أيضا : هذه الأوامر لم يحملها الأكثر على الوجوب , ويلزم أهل الظاهر حملها عليه , قال : وهذا لا يختص بالظاهري بل الحمل على الظاهر إلا لمعارض ظاهر يقول به أهل القياس , وإن كان أهل الظاهر أولى بالالتزام به لكونهم لا يلتفتون إلى المفهومات والمناسبات , وهذه الأوامر تتنوع بحسب مقاصدها : فمنها ما يحمل على الندب وهو التسمية على كل حال , ومنها ما يحمل على الندب والإرشاد معا كإغلاق الأبواب من أجل التعليل بأن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ; لأن الاحتراز من مخالطة الشيطان مندوب إليه وإن كان تحته مصالح دنيوية كالحراسة , وكذا إيكاء السقاء وتخمير الإناء . والله أعلم" فتح الباري (11/88)
قال الشيخ ابن باز"ترك المدفئة مشتعلة في الليل عند شدة البرد لا حرج فيها إذا لم يخش منها مضرة" التعليق على صحيح البخاري.

هـ - أحكام متعلقة بالمطر والرعد والبرق
1 - كيف يتكون السحاب
قال شيخ الإسلام" أما المطر : فإن الله يخلقه في السماء من السحاب ومن السحاب ينزل كما قال تعالى : { أفرأيتم الماء الذي تشربون } { أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون } وقال تعالى : { وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا } وقال تعالى : { فترى الودق يخرج من خلاله } أي من خلال السحاب . وقوله في غير موضع من السماء : أي من العلو والسماء اسم جنس للعالي قد يختص بما فوق العرش تارة وبالأفلاك تارة وبسقف البيت تارة لما يقترن باللفظ والمادة التي يخلق منها المطر هي الهواء الذي في الجو تارة وبالبخار المتصاعد من الأرض تارة وهذا ما ذكره علماء المسلمين والفلاسفة يوافقون عليه "الفتاوى(16/16)(24/262)

2 - السنن عند نزول المطر :
1- التعرض له: عن أنس –رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر. فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه تعالى" رواه مسلم (898).
قال النووي " قوله حسر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثوبه حتى أصابه المطر فقلنا يا رسول الله لم صنعت هذا قال لأنه حديث عهد بربه معنى حسر كشف أي كشف بعض بدنه ومعنى حديث عهد بربه أي بتكوين ربه اياه ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها وفي هذا الحديث دليل لقول أصحابنا أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر "شرح مسلم(6/195) قال الشيخ ابن باز"وهذا يدل على الاستحباب فإذا نزل المطر يحسر المرء عن رأسه أو ذراعه أو بعض جسده"التعليق على مسلم.
وعن ابن عباس: أنه كان إذا أمطرت السماء، يقول: "يا جارية ! أخرجي سرجي، أخرجي ثيابي، ويقول:{ونزلنا من السماء ماء مباركاً}صحيح الأدب المفرد(519) قال الألباني"صحيح الإسناد موقوفاً"
وعن يزيد بن الهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سال الوادي قال " أخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا فنتطهر به ونحمد الله عليه"رواه البيهقي في سننه وقال: هذا منقطع وقال الألباني في إرواء الغليل"ضعيف"(3/143)

2- الذكر الوارد عند نـزول المطر، وقد وردت عدة أذكار منها:
أ – قـول "اللهم صيبًا نافعًا" فعن عائشة –رضي الله عنها- أن رسـول الله –صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال: "صيبًا نافعًا" رواه البخـاري (985) وعند النسائي بسند صحيح(اللهم اجعله صيباً نافعاً) وعند أبي داود(فإذا مطرنا قال : اللهم صيباً هنيئاً)(5099) وجاء عند ابن ماجه(فإن أمطر قال : اللهم سيبا نافعا مرتين ، أو ثلاثا ، وإن كشفه الله عز وجل ولم يمطر حمد الله على ذلك)(3890) وصححه الألباني في الصحيحة (2757) وفي رواية (اللهم اجعله صيباً هنيئاً)ابن ماجه(3890) .السيب والصيب : المطر الجاري على وجه الأرض من كثرته
ب – قول "رحمة الله" لحديث عائشة –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يقول إذا رأى المطر "رحمة" رواه مسلم (899) وعن ابن عباس قال : مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا : هذه رحمة الله ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا) رواه مسلم(73)
ج- قول "مطرنا بفضل الله ورحمته" كما في حديث خالد بن زيد –رضي الله عنه- رواه البخاري (846 – 1038 )ومسلم(71) ذكره النووي في الأذكار (باب ما يقوله بعد نزول المطر) وشيخ الإسلام في الكلم الطيب وابن القيم في الوابل الصيب في الذكر بعد نزول الغيث.

3- الدعاء العام عند نزول المطر
قال ابن القيم " قال – أي الشافعي: وأخبرني من لا أتهم عن عبد العزيز بن عمر،عن مكحول عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة، ونزول الغيث "(الحديث رواه الشافعي في الأم والبيهقي وهو مرسل لأن مكحولاً لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال الألباني "لكن الحديث له شواهد من حديث سهل بن سعد و ابن عمر و أبي أمامة خرجتها في
"التعليق الرغيب " ( 1 / 116 ) و هي و إن كانت مفرداتها ضعيفة إلا أنه إذا ضمت إلى هذا المرسل أخذ بها قوة و ارتقى إلى مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى . "الصحيحة (1469)).
وعن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تفتح أبواب السماء، ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة" رواه الطبراني في الكبير وسنده ضعيف.
وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « ثنتان لا تردان أو قلما تردان : الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا ». قال موسى : وحدثنى رزق بن سعيد بن عبد الرحمن عن أبى حازم عن سهل بن سعد عن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال : ووقت المطر) الحديث أخرجه أبي داود (2540) والطبراني في الكبير(5756) وابن خزيمة(419) والحاكم(712) والدارمي (1200) بدون زيادة المطر.قال الألباني"صحيح دون ووقت المطر". فالذي يظهر: أن هذه الزيادة (ووقت المطر) ضعيفة, لأنها من رواية مجهول , والراوي عنه وهو موسى سيء الحفظ, ولأن بقية من روى الحديث لم يذكرها.
وعن عطاء قال : كان أبو هريرة يقول :(إن أبواب السماء فتح عند زحف الصفوف في سبيل الله ، وعند نزول الغيث وعند الإقامة للصلاة المكتوبة ، فاغتنموا الدعاء)شرح السنة(2/292) وفي سنده طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي وهومتروك. "زاد المعاد ( 1/461)الأذكار للنووي، شرح السنة(2/292) هذه بعض الأحاديث الدالة على أن وقت نزول المطر وقت ترتجى فيه إجابة الدعاء, وتبين ضعفها, ولكن أهل العلم حينما يذكرون مواضع إجابة الدعاء يذكرون هذا الوقت, وممن ذكره من مواضع إجابة الدعاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(( )), ويظهر أن سبب ذلك والله أعلم راجع لأحد سببين
& منهم من احتج بهذه الأحاديث , إما بمفردها , أو بمجموع هذه الأحاديث, ومن هؤلاء من المعاصرين الشيخ الألباني رحمه الله حيث قال بعد بيان ضعف الأحاديث: وهي وإن كانت مفرداتها ضعيفة, إلا أنها إذا ضمت إلى هذا المرسل أخذ بها قوة وارتقى إلى مرتبة الحسن إن شاء الله.(( ))
& أن منهم من يرى ضعفها, ولكنهم يتسمحون في مثل هذا , لأن هذا مما لا يتعلق به حكم , ولأن الله سمى الغيث رحمة , فيرجى أن يكون وقت تنزل الرحمة وقت إجابة للدعاء. والله أعلم

4- إذا كثر المطر وخيف ضرره يسن أن يقول "اللهم حوالينا ولا علينا على الآكام –أي الهضاب- والجبال والآجام- أي منبت القصب- والظراب- أي الجبال- والأودية ومنابت الشجر" رواه البخاري (967) من حديث أنس –رضي الله عنه- ونحوه عند مسلم (897) قال النووي" وفيه أدبه صلى الله عليه و سلم في الدعاء فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله بل سأل رفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر به ساكن ولا بن سبيل وسأل بقاءه في مواضع الحاجة بحيث يبقى نفعه وخصبه وهي بطون الأودية وغيرها من المذكور "شرح مسلم(6/193)

_________________

قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oldcoins.yoo7.com/
عرباوي
المدير العام
المدير العام
عرباوي


ذكر عدد الرسائل : 22559
تاريخ الميلاد : 06/02/1980
العمر : 44
نقاط : 58150
تاريخ التسجيل : 21/09/2008

حديث الشتاء  فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حديث الشتاء فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات    حديث الشتاء  فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات  Emptyالخميس 19 يناير 2012, 10:05 pm




5 - الطواف في المطر
عن داود بن عجلان قال (طفنا مع أبي عقال في مطر . فلما قضينا طوافنا أتينا خلف المقام . فقال طفت مع أنس بن مالك في مطر . فلما قضينا الطواف أتينا المقام فصلينا ركعتين . فقال لنا أنس ائتنفوا العمل . فقد غفر لكم . هكذا قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وطفنا معه في مطر)ابن ماجه (3118) وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان(4043), وتمام في فوائده(1644), والفاكهي في أخبار مكة(450) الحديث إسناده ضعيف, قال البوصيري : هذا إسناد ضعيف داود بن عجلان ضعفه ابن معين وأبو داود والحاكم والنقاش وقال: روى عن أبي عقال أحاديث موضوعة ا.ه , وشيخه أبو عقال اسمه هلال بن زيد ضعفه أبو حاتم والبخاري والنسائي وابن عدي وابن حبان وقال يروى عن أنس أشياء موضوعة ما حدث بها أنس قط لا يجوز الاحتجاج به بحال. مصباح الزجاجة (2 / 141)وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال الألباني(ضعيف الإسناد جداً) وفي الجملة فكل الأحاديث الواردة في فضل الطواف في المطر لا تصح ومنها حديث(من طاف أسبوعاً في المطر غفر له ما سلف من ذنبه) رواه الفاكهي في أخبار مكة (479) (من طاف بالكعبة في يوم مطير كان له بكل قطرة تصيبه حسنة ومحا عنه بالأخرى سيئة )

6 – الإشارة للمطر والرعد والبرق
يجوز للإنسان أن يشير للمطر وما ورد من النهي عنه فإما أن يكون حديثاً مرفوعاً ضعيفاً أو أثراً موقوفاً ضعيفاً أو خبراً مقطوعاً ومع كونه لا حجة فيه إلا أنه ضعيف أيضاً ومنها حديث ابن عباس قال" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشار إلى المطر" رواه البيهقي في سننه وضعفه وضعفه الألباني في الضعيفة(4710)
قال ابن قاسم "قال الماوردي: السلف الصالح كانوا يكرهون الإشارة إلى الرعد والبرق، ويقولون عند ذلك: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبوح قوس» فيختار الاقتداء بهم في ذلك، وروي عن ابن مسعود قال: أمرنا أن لا نتبع أبصارنا الكواكب إذا انقضت، وأن نقول عند ذلك: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله فيستحب أن يقول إذا انقض كوكب ما شاء الله لا قوة إلا بالله"حاشية الروض المربع(2/564)
وعن ابن سيرين قال"تعشى أبو قتادة فوق ظهر بيت لنا فرمي بنجم فنظرنا إليه فقال : لا تتبعوه أبصاركم فإنا قد نهينا عن ذلك"شرح السنة(4/396) قال الأرناؤوط : إسناده صحيح.

7 – قوس قزح
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : " لا تقولوا قوس قزح ، فإن قزح شيطان ، ولكن قولوا قوس الله عز وجل فهو أمان لاهل الأرض"رواه أبو نعيم في الحلية والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن الجوزي في الموضوعات وقال الألباني في الضعيفة(872) موضوع.وقال" روى الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس موقوفاً عليه " إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق " . ورجاله كلهم ثقات ، وقال الحافظ ابن كثير في " البداية " ( 1 / 38 ) "إسناده صحيح" وفيه عندي نظر لأن في سنده عارما أبا النعمان واسمه محمد بن الفضل وكان تغير بل اختلط في آخر عمره ويؤيده أيضا أن ابن وهب رواه في " الجامع " ( ص 8 ) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 1 / 176 - 177 ) من حديث علي موقوفا عليه أيضا ثم رواه ابن وهب عن القاسم بن عبد الرحمن من قوله . وإذا ثبت أن الحديث موقوف ، فالظاهر حينئذ أنه من الإسرائيليات التي تلقاها بعض الصحابة عن أهل الكتاب ، وموقف المؤمن تجاهها معروف ، وهو عدم التصديق ولا التكذيب ، إلا إذا خالفت شرعا أو عقلا .والله أعلم "الضعيفة (2/265)
قال النووي في الاذكار" يكره أن يقال قوس قزح لهذه التي في السماء"(1/368) ومثله ابن القيم في زاد المعاد في ألفاظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن تقال ومنها "كراهة أن يقول:قوس قزح لهذا الذي في السماء"زاد المعاد(2/472)
قال الشيخ ابن باز معلقاً على زاد المعاد"لا دليل على الكراهة"
قال الشيخ بكر أبو زيد" قوس قُزَح : ?
أومأ البخاري - رحمه الله تعالى - في (( الأدب المفرد )) إلى ضعف الحديث الوارد في النهي عن قول قوس قزح ، فقال : باب قوس قزح . وذكر فيه قول ابن عباس: ( المجرة باب من أبواب السماء ، وأما قوس قزح فأمان من الغرق بعد قوم نوح عليه السلام ) .
وهو بهذا يريد أن ينكت على ضعف ما رواه أبو نعيم في (( الحلية )) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لا تقولوا : قوس قزح ، فإن قزح شيطان ، ولكن قولوا : قوس الله عز وجل ، فهو أمان من الله لأهل الأرض )) ا هـ . من الأذكار للنووي . والحديث ضعفه السخاوي وغيره . والله أعلم .
وقد ذكر الثعالبي - رحمه الله تعالى - أنه يقال : (( قوس الله )) و (( قوس السماء )) و (( قوس قزح )) و (( وقوس السحاب )) " معجم المناهي اللفظية .
وقال الشيخ ابن قاسم" ورد أن قوس قزح أمان من الغرق، وهو من آيات الله، ودعوى العامة: إن غلبت حمرته كانت الفتن، وإن غلبت خضرته كان رخاءً وسرورًا، هذيان"حاشية الروض المربع(2/564)

8 - حقيقة الرعد
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو ؟ قال ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله فقالوا فما هذا الصوت الذي نسمع ؟ قال زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر قالوا صدقت فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال اشكتى عرق النسا فلم يجد شيئا يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرمها قالوا صدقت ) (3117)
قال هذا حديث حسن غريب . قال الشيخ الألباني : صحيح
قال شيخ الإسلام" أما " الرعد والبرق " ففي الحديث المرفوع في الترمذي وغيره { أنه سئل عن الرعد قال : ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله } . وفي مكارم الأخلاق للخرائطي : عن علي أنه سئل عن الرعد فقال : " ملك وسئل عن البرق فقال : مخاريق بأيدي الملائكة - وفي رواية عنه - مخاريق من حديد بيده " . وروي في ذلك آثار كذلك . وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك . كقول من يقول : إنه اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه فإن هذا لا يناقض ذلك فإن الرعد مصدر رعد يرعد رعدا . وكذلك الراعد يسمى رعدا . كما يسمى العادل عدلا . والحركة توجب الصوت والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة وصوت الإنسان هو عن اصطكاك أجرامه الذي هو شفتاه ولسانه وأسنانه ولهاته وحلقه . وهو مع ذلك يكون مسبحا للرب . وآمرا بمعروف وناهيا عن منكر . فالرعد إذا صوت يزجر السحاب وكذلك البرق قد قيل : لمعان الماء أو لمعان النار وكونه لمعان النار أو الماء لا ينافي أن يكون اللامع مخراقا بيد الملك فإن النار التي تلمع بيد الملك كالمخراق "الفتاوى(24/263)

9 - الذكر الوارد عند سماع صوت الرعد والصواعق ما جاء في حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا سمع الرعد والصواعق قال: "اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك" رواه أحمد (2/100) والبخاري في الأدب (721) والترمذي (3450) وقال: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه)، وصححه الحاكم وضعفه النووي في الأذكار والألباني في ضعيف الأدب المفرد
وكان ابن الزبير –رضي الله عنه- إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته" رواه مالك في الموطأ (1801) والبخاري في الأدب (723) وقال الألباني"صحيح"
قال الشيخ سليمان العلوان"روى مالك في الموطأ عن عامر بن عبد الله بن الزبير ... ولم يذكر فيه عبد الله بن الزبير وهذا أصح" .
وروى الإمام الشافعي رحمه الله في " الأم " بإسناده الصحيح عن طاوس الإمام التابعي الجليل رحمه الله أنه كان يقول إذا سمع الرعد : سبحان من سبحت له.قال الشافعي : كأنه يذهب إلى قول الله تعالى : (ويسبح الرعد بحمده) رواه الشافعي في الأم والبيهقي في السنن والطبراني في الدعاء وابن أبي شيبة في المصنف وهو صحيح موقوفاً.
وذكروا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كنا مع عمر رضي الله عنه في سفر ، فأصابنا رعد وبرق وبرد ، فقال لنا كعب : من قال حين يسمع الرعد : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا ، عوفي من ذلك الرعد ، فقلنا فعوفينا.أخرجه الطبراني في الدعاء وهو ضعيف.
10 - الصواعق تكثر في آخر الزمان كما في حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق تلكم الغداة فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان" أخرجه أحمد (3/64 ، رقم 11638) ، قال الهيثمى (8/9) : رواه أحمد عن محمد بن مصعب وهو ضعيف . وأبو الشيخ فى العظمة (4/1294) ، والحاكم (4/491 ، رقم 8373) وقال : صحيح على شرط مسلم



11 – أحاديث في الميزان

1 - أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشتاء ربيع المؤمن ) أخرجه أحمد (11734) ، وابن عدى (3/112 ترجمة 647 دراج) ، وقال : قال أحمد : أحاديث دراج عن أبى الهيثم عن أبى سعيد فيها ضعف . وأبو نعيم فى الحلية (8/325) أبو يعلى (1061) قال الهيثمى (3/200) : رواه أحمد وأبو يعلى ، وإسناده حسن . والقضاعى (141) ، والديلمى (3672) . وابن الجوزى فى العلل المتناهية من طريق الدارقطنى (501) وقال : قال الدارقطنى تفرد به عمرو عن دراج . وأورده الذهبى فى الميزان (3/40 ترجمة 2670 دراج أبو السمح) ، وقال : قال يحيى : ليس به بأس . وقال النسائى : منكر الحديث . وقال أبو حاتم : ضعيف .
وروي (الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصامه وطال ليله فقامه ) أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان (3940) ، وفى السنن الكبرى(8239) .


2 - (أصل كلِّ داءٍ البَرْدُ) ذكره العقيلي في الضعفاء في ترجمة تمام بن نجيح وقال(عن الحسن ، عن أبي الدرداء ، عن النبي عليه السلام قال : « أصل كل داء البرد » وقد روى غير حديث منكر لا أصل له )الضعفاء(2/8) وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية " (أصل كل داء البرد)
كذا روي لنا وإنما هو البردة وهي التخمة وقال ابن حبان تمام منكر الحديث يروي أشياء موضوعة عن الثقات كأنه المتعمد لها وقال ابن عدي ليس بثقة وقال الدارقطني محمد بن جابر وتمام ضعيفان وقد روى عباد ابن منصور عن الحسن من قوله وهو أشبه بالصواب)(2/667)
3 - عن أبي هريرة أنه "أصابهم مطر في يوم عيد،فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد" الحديث أخرجه ابن ماجه( 1313), والبيهقي في السنن الصغرى (6479), والحاكم في المستدرك(1094 ), الحديث في إسناده علل:
1-الوليد بن مسلم أبو العباس عالم أهل الشام, مشهور بتدليس التسوية, قال الذهبي: كان مدلسا فيتقى من حديثه ما قال فيه عن( ), والوليد هنا صرح بالسماع لكن روى عن شيخ شيخه بالعنعنة.
2-عيسى بن عبد الأعلى: مجهول, قال الذهبي: روى الوليد بن مسلم عنه فقط، عن عبيد الله بن عبد الله بن موهب، عن أبي هريرة في صلاة العيد في المسجد يوم المطر.وهذا حديث فرد منكر.
قال ابن القطان: لا أعلم عيسى هذا مذكورا في شئ من كتب الرجال ولا في غير هذا الإسناد( ).
3-عبيد الله بن عبد الله بن موهب التيمي: قال أحمد لا يعرف وذكره بن حبان في الثقات , وقال الإمام الشافعي لا نعرفه وقال بن القطان الفاسي مجهول الحال( )
فالذي يظهر أن الحديث إسناده ضعيف لما تقدم , وقد ضعفه ابن حجر في تلخيص الحبير, والألباني .

4 - عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لولا شبابٌ خُشّع، وشيوخٌ رُكَّع، وأطفالٌ رُضَّع، وبهائمُ رُتَّع، لَصَبَّ عليكم العذاب صَبًّا) أخرجه البيهقى (6183) ، والخطيب (6/64) أبو يعلى (6402) ، وابن عدى (1/243 ، ترجمة 74 إبراهيم بن خثيم) ومدار أسانيدهم على إبراهيم بن خثيم بن عراك وهو ضعيف. قال يحيى : لا يكتب حديثه . وقال (النسائي) : متروك الحديث . وقال أبو زرعة : (عنده) أحاديث منكرة .

5 – (اللهم سُقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ) رواه الشافعي في مسنده والبيهقي في الكبرى عن المطلب بن حنطب( أن النبى -صلى الله عليه وسلم كان يقول عند المطر :« اللهم سقيا رحمة ، ولا سقيا عذاب ، ولا بلاء ، ولا هدم ، ولا غرق ، اللهم على الظراب ومنابت الشجر ، اللهم حوالينا ولا علينا »وقال(هذا مرسل)
6 - عن أنس بن مالك(كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الظهر ، أيام الشتاء ، وما ندري ما ذهب من النهار أكثر ، أو ما بقي منه) يعني يقدمها . أخرجه أحمد (12411) قال الضياء المقدسي في المختارة(2671) إسناده لين.

6 – (اتَّقُوا البَرْدَ فإنّه قتل أخاكم أبا الدَّرداء) قال السخاوي في المقاصد الحسنة(لا أعرفه) وقال غيره ( لا أصل له )
7 - (قال ربُّكم: لو أنَّ عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل، وأطلعتُ عليهم الشمس بالنهار، ولَمَا أسمعتهم صوت الرّعد) أخرجه أحمد (8693) وعَبد بن حُميد (1424). قال الهيثمى (2/211) : مداره على صدقة بن موسى الدقيقى ضعفه ابن معين والحاكم (7657) وقال : صحيح الإسناد .وضعفه الألباني في الضعيفة (883)

8 - (إذا نشأت بَحريّةً، ثمَّ استحالتْ شاميةً، فهو أمطرُ لها) أخرجه الطبرانى فى الأوسط (7757) ومالك (452) بلاغا بنحوه ، وأبو الشيخ (4/1247) قال الهيثمى (2/217) : تفرد به الواقدى . قلت : وفى الواقدى كلام وقد وثقه غير واحد ، وبقية رجاله لا بأس بهم ، وقد وثقوا . وقال ابن عبد البر (24/377) : قال ابن عبد البر : لا أعرف هذا الحديث بوجه في غير الموطأ إلا ما ذكره الشافعي في الأم عن محمد بن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ( إذا نشأت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطر لها) قال : وابن أبي يحيى وإسحاق ضعيفان لا يحتج بهما.
9 – (قلوبُ بني آدم تلينُ في الشتاء،وذلك أن الله خلق آدم من طين،والطين يلينُ في الشتاء) قال ابن الجوزي في الموضوعات(هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو محفوظ من كلام خالد بن معدان، والمتهم برفعه عمر بن يحيى.قال إبراهيم الاصفهانى.هو متروك الحديث.قال الدارقطني: ومحمد بن زكريا يضع الحديث)(1/152) وقال الذهبي في ترجمته : أتى بخبر شبه موضوع " ، ثم ساق له هذا الحديث ثم قال : " ولا نعلم لشعبة عن ثور رواية "الميزان.وقال الألباني (موضوع -511)

10 - حديث ( يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم. وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل قصير والناس ينامون فأمهلهم حتى يدركوا) قال الألباني:"مما يؤكد كذب راوي هذا الحديث أنه خلاف ما جرى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التغليس بصلاة الفجر دون تفريق بين الشتاء والصيف كما تدل على ذلك الأحاديث الصحيحة ومنها حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم "صلى الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ولم يعد إلى أن يسفر" رواه أبو داود بسند حسن وابن حبان في صحيحه وصححه الحاكم والخطابي والذهبي وغيرهم وصحيح أبي داود"

11 – روي عن النبي أنه قال ( الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة )
وهذا حديث يرويه قتادة عن أنس ، واختلف عنه:
* فرواه سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس مرفوعا.
أخرجه الطبراني في الصغير، وفي الشاميين (2600) وابن عدي (3/374/805)
ومن طريقه البيهقي في الشعب (3943). وابن عساكر (5/456/ 222(
* وخالفه همام؛ فرواه عن قتادة عن أنس عن أبي هريرة ، قوله.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد (ص177) ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (1/381). والبيهقي في الكبرى (8238).
وهذا هو المحفوظ في هذا الحديث، فهمام أوثق الناس في قتادة، أما سعيد بن بشير فهو ضعيف الحديث، فيردُّ خبره.
ورواه زهير بن محمد عن ابن المنكدر عن جابر.
أخرجه ابن عدي (3/219/714) والبيهقي في الشعب (3942) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك عن الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن ابن المنكدر عن جابر، وعبد الوهاب متهم، والوليد يدلس التسوية ولم يصرح بالسماع، وزهير ضعيف الحديث، وأحاديث أهل الشام عن زهير مناكير، انظر تهذيب الكمال (2002(
ويروى من حديث عامر بن مسعود مرفوعا:
* رواه سفيان عن أبي إسحاق عن نمير بن عريب عنه.
أخرجه أحمد (18979) وابن أبي شيبة (9741) والترمذي (797) وابن أبي الدنيا في التهجد (512) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2875) وابن خزيمة (2145) وابن قانع في المعجم (2/242) وأبو الشيخ في الأمثال (223) والبيهقي في السنن الكبرى (8237) والرافعي في التدوين (2/78) وابن عساكر (51/110)
* ورواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر، فأسقط نميرا.
أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (3/204) ومن طريقه البيهقي في الشعب (3941). وابن أبي الدنيا في التهجد (376) وابن قانع في المعجم (2/242) وابن عساكر (51/110) من طرق عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن مسعود.
وهذا ضعيف أيضا، فعامر بن مسعود هذا ليس له إلا حديثان، ولم يصرح بسماعه من النبي فيهما، وعليه فلا يعد من الصحابة، وحديثه مرسل، وقال بهذا جماعة، منهم البخاري، وابن معين، والترمذي، وأبو زرعة، ويعقوب بن سفيان، ومصعب الزبيري، وابن حبان، وابن السكن.
انظر: التاريخ الكبير (2958)، علل الترمذي الكبير (218)، تاريخ ابن معين برواية الدوري (502) (3118)، جامع الترمذي، المراسيل لابن أبي حاتم (301) المعرفة والتاريخ، تهذيب التهذيب (5/70) الثقات لابن حبان (4499) الإصابة (4432) تحفة التحصيل (ص166(
وقد تفرد بهذا الخبر عنه نمير بن عريب، وهو مجهول، انظر تهذيب الكمال (7071)
قال ابنُ التركماني في الجوهر النقي (4/297): "عامر هذا قال ابن حنبل: أرى له صحبة وعده ابن حبان وابن منده وابن عبد البر من الصحابة، وذكر ابن حنبل حديثه هذا في مسنده". أهـ
قلت: وقع اضطراب في نقل عبارة الإمام أحمد، فمنهم من نقل عنه أنه قال: أرى له صحبة، ومنهم من نقل: لا أرى له صحبة وانظر المصادر السابقة.
ولم يعده ابن حبان من الصحابة، بل نفى الصحبة عنه، انظر الثقات (5/190) (7/543) والإصابة (3/603(
والذي أثبت له ابن حبان الصحبة هو عامر بن مسعود بن ربيعة، وهو غير هذا، انظر الثقات (3/293)فظهر جليا أن الخبر لا يصح إلا موقوفا من كلام أبي هريرة ولم يصب من صحح رفعه.

12 - حال السلف بالشتاء
1 - عن عمر قال :(الشتاء غنيمة العابدين) أخرجه ابن أبى شيبة (34468) . (ابن أبى شيبة ، وأحمد ، ومسدد ، وابن أبى الدنيا في قصر الأمل)

2 - وقال ابن مسعود: ( مرحباً بالشتاء تتنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام ).
3 - وقال الحسن: ( نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه ). ولذا بكى المجتهدون على التفريط - إن فرطوا - في ليالي الشتاء بعدم القيام، وفي نهاره بعدم الصيام.
4 - قال معاذ بن جبل ( لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله ما بالبيت أن أكون يعسوباً ).

13 – مختارات شتوية
أتـدري كيـف قابلنـي الشتاء وكيف تكون فيه القرفصاء
وكيـف البـرد يفعل بالثنايـا إذا اصطكت وجاوبها الفضـاء
فـإن حل الشـتاء فأدفئونـي فـإن الشـيخ آفتـه الشـتـاء
أتدري كيف جارك يا ابن أمي يهــدده مـن الفقـر العنـاء
وكيـف يـداه ترتجفان بؤساً وتصدمـه المذلـة والشـقـاء
يصب الزمهريـر عليـه ثلجاً فتجمد فـي الشـرايين الدمـاء
هـذا الآدمـي بغـيـر دار فهل يرضيك أن يزعجه الشتاء
يجوب الأرض من حي لحي ولا أرض تـقيـه ولا سمـاء
معاذ الله أن ترضـى بهـذا وطفـل الجيـل يصرعه الشتاء
أتلقاني وبي عـوز وضـيق ولا تحـنو؟ فمنـا هذا الجفـاء
أخي بالله لا تجـرح شعوري ألا يكفيـك مـا جـرح الشـتاء

& الشتاء جامع لذَّات أرباب النعم، وامتع أوقات ذوى الهمم، لأن فيه تظهر هممهم، وعند هجومه تتبيّن نعمهم، من أنواع المطاعم والمشارب والملابس والمساكن وغير ذلك مما يظهر فيه خلل حال منْ دون طبقتهم، حتى أنه لتجتمع لهم فيه فواكه الصيف والخريف ومشمومات الربيع، ويُمكنهم من الإلتذاذ بالاستكثار من الطعاج والشراب والنكاح، والتنعم بأصناف الملابس مما لا يمكن استعماله في الصيف وحمارة القيظ، فلأجل ذلك يثلبون الصيف ويمدحون الربيع والشتاء والخريف.
& لم اسمع في مدح الشتاء كقول أبي هلال العسكري
لستُ أَنسى منه دماثةَ دَجْنٍ ... ثمَّ من بعده نضارةَ صَحْوِ
وجنوباً تبشرُ الأرضَ بالقط ... ر كما بُشِّرَ العليلُ ببرو
وغيوماً مطرزاتِ الحواشي ... بوميضٍ من البروقِ وخفو
كلما أرختِ الجنوبُ عراها ... جمع القطرُ بين سفلٍ وعلو
وهو يعطيك حين هبَّتْ شمالاً ... بردَ ماءٍ منها ورقةَ جو
واستعار العراءُ منه لباساً ... سوف يمنى من الرياح بنضو
وكأنَّ الكافور موضعُ ترب ... وكأنَّ الجمانَ موضع مرو

& عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " خير صيفكم أشدُّهُ حرًّا، وخير شتائكم أشدُّه برداً، وإن الملائكة لتشتكي الشتاء رحمةً لبني آدم "
& وعن إسحاق الخطيب قال: " الرأي في الشتاء أجمع، والوعظ في القلوب أنجع "
& قيل لأعرابي وقد هجم القرّ: ما أعددتَ لهذا الفصل الضارب، بجرانه، الجاري إلى أوانه ملء عنانه؟ قال: " أعددتُ له عُرْيَ المتنين، وحفاء القدمين، وقلقلة الفكّين، ودمعَ العينين، وسيلانَ المنخرين، مع شدّة الرعدة، وقرفصاء القعدة، وذرب المعدة، وكسوفِ البال، وفرطِ البلبال، وقلَّةِ المال، وكثرةِ العيال " .
& وعن ابن عباس قال: " إنَّ الملائكة لتفرحُ بذهاب الشتاء رحمةً للمساكين " .
& دخل أعرابيٌّ خراسان فلحقه الشتاء فأقام بسمرقند، فلما طاب الزمان عاد إلى وطنه، وكان ينزل البصرة، فسأله أمير البصرة عن خراسان فقال: جنّة في الصيف وجهنم في الشتاء؛ فقال له: صف لي الشتاء بها، فقال: تهبُّ الرياح، وتضجر الأرواح، وتدوم الغيوم، وتكثر الغموم، وتسقط الثلوج ويقلُّ الخروج، وتغور الأنهار، وتجفُّ الأشجار، فالشمس مريضة، والعين غضيضة، والوجوه عابسة، والأغصان يابسة، والمياه جامدة، والأرض هامدة، يفترشون اللبود، ويلبسون الجلود، نيرانهم تثور، ومراجلهم تفور، لحاهم صُفْرٌ من النيران، وثيابهم سود من الدخان، والمواشي من البرد كالفراش المبثوث، والجبال من الثلج كالعهن المنفوش، فأما من كثرت نيرانه، وَثَقُلَ ميزانه، فهو في عيشة راضية، وأمّا من قلّت نيرانه، وخفَّ ميزانه، فأمّه هاوية، وما أدراك ما هيه، نارٌ حامية، فقال له الأمير: ما تركت عذاباً في الاخرة إلاّ وصفته لنا في الدنيا.
& وكان عمر رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهد الناس، وكتب إليهم بالوصيّة، إن الشتاء قد حضر وهو عدوّ، فتأهبوا له أهبةً من الصوف والجباب والجوارب والخفاف المنعلة، واتّخذوا الصوف شعاراً، والقطن دثاراً، فإن البرد عدوّ سريعٌ دخوله، بعيد خروجه.
& قال كعب الأحبار: أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود عليه السلام أن تأهبْ لعدوّ وقد أظلَّكَ، قال: يا ربِّ من عدوي وليس يحضرني، قال: بلى، الشتاء.
& قال الأصمعي: كانت العرب تسمّي الشتاء الفاضح.
& وقيل لامرأة منهم: أيّما أشدّ عليك القيظ أم القرّ؟ قالت: يا سبحان الله من جعل البؤس كالأذى؟! فجعلتِ الشتاء بؤساً والقيظَ أذىً.
& قال يحيى بن صالح: كنّا نأتي إسماعيل بن عياش فيكرمنا ويبرُّنا ويقدم لنا من الفواكه ما يتخيّره ويقول: كلوا فإن الله تعالى وصف الجنّة بصفة الصيف لفواكهها، لا بصفة الشتاء، فقال عزّ وجلّ (في سِدْرٍمَخْضُودٍ وطلحٍ منضود وظلٍّ ممدود وماءٍ مسكوب وفاكهة كثيرة).
& خرج مسعر بن حزام يوماً فإذا أعرابيّ في الشمس يقول:
جاء الشتاءُ وليس عندي درهم ... ولقد يَغَصُّ بمثلِ ذاك المسلمُ
قد أُلْبِسَ الناسُ الجبابَ وغيرها ... وكأنّني بفناءِ مكةَ مُحْرم
& وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: استعينوا على حرّ الصيف بالحجامة، واستعينوا على برد الشتاء بأكل التمر والزبيب.
& وعن مجاهد قال: مَثَلُ المؤمن كمثل النملة تجمع في صيفها لشتائها.
& الحسن بن مسعود بن الوزير الدمشقي الحافظ بمرو:
يا سادتي ما عاقني عنكمُ ... قلىً ولكنْ قلّةُ الكُسْوَه
بردٌ وثلجٌ ووحولٌ ولا ... خفّ ولا لبدٌ ولا فروه
وكيف من أحوالُهُ هكذا ... بمروَ في بحبوحة الشتوه
& منصور بن أحمد الأزدي (1) :
فذدْ بردَ الشتاء بحرِّ راحٍ ... كوردِ الخدِّ ضُرِّجَ بالحياءِ
فبردي والشتاء وبردُ زهدي ... شتاءٌ في شتاء في شتاء

تم بحمد الله تعالى

بقلم
علي بن حسين بن أحمد فقيهي
عضو الدعوة بالرياض

_________________

قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oldcoins.yoo7.com/
 
حديث الشتاء فوائد وعبر وحكم وأحكام وهمسات وومضات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حوار مثمر وحكم وعبر من مجنون لعابد
» نفحات ايمانية وخشوع وذكر وبكاء ومواعظ وحكم وعبر مع عبد الحميد كشك و"مولد النبي محمد" صلى الله عليه وسلم
» الآن للتتحميل " قصة الأبرص والأقرع والأعمى" فوائد وعبر- ملف وورد
» كلمات وهمسات من الاعماق قبل رمضان
» فوائد الطماطم العلاجية لمرضى السكر فوائد الطماطم للبشرة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنوز النت الإسلامية :: © الأقسام الإسلامية © :: ©المنتدى الإسلامي العام©-
انتقل الى: